سرد

وقف على شاطيء البحر بقامته العالية كنخلة في الوادي ، لا يرتدي غير سروال قطني قصير ينتهي أعلى ركبتيه , قدماه العاريتان كمرساة سفينة خشبية, ساقاه يابستان تنفر عروقهما من تحت جلده المعرج فتظهر ككثبان رملية كتلك التي تحيط بمدينته , ظهره لفحته الشمس حتى صار بلون خبز جدته اليابس المقمر في تنورها...
تشرعُ نافذةَ المقعدِ الأيسرِ الخلفي لسيارتها ، تجلسُ متململةً في مشهدٍ يومي . تلوبُ الأفكارُ في رأسها . تسألُ عن مآلها في هذا الطريقِ المرسومِ ، وعن موقعِها في خريطةٍ رسمتها بيديها ولم تجدْ لها مساحةً لنقطة تحتويها . الكراساتُ في الحقيبةِ بجوارِها . تلتفتْ إليهم وتبتسم . لا شيء يؤنِسُها سوى ما...
تلك السحابة التي تظللني , لم تمنح أشعة الشمس فرصة اللقاء بأهداب الأمل . فتراكمت حفنة أحلامي .. تقوقعت داخل محارة السكون . قوافل الأيام تمضي .. وأحلامي ترفض المضي معها.هزأت مني أسراب الطيور وأنا أخطو نحوطريقي. وتداعت ذرات الرمل متوجمةمن خطواتي الجديدة فوقها. ذرات حاولت استجماع قواها لتشكل حصى...
نظرت من نافذة الحافلة، اندهشت من الصف الطويل المتعرج أمام إحدى بوابات المطار تنهدت بعمق وأنا أفكر كيف أتحمل متاعب المطار مع أطفالي وكلي شوق ولهفة أريد أن أطير على أجنحة السرعة. شهران وأنا بعيدة ..لا أنكر أنني استمتعت بهذا البلد الجميل ولكن شوقي إلى بلدي يفوق كل شيء ..نزلنا من الحافلة ورذاذات...
في هذا اليوم الغائم... وأنا أراه يصعد إلى الطائرة التي غُرست في مقلتي.. لا أدري لماذا طاف بي طائف من ظنةٍ تكاد تغزو لبي وكأنها مارد من يقين... حينها..أحسست أن أشواقي لن تتعلق بتارة بينٍ أو تارات.. إنما سترحب آفاقها .. لوحت له بكفٍ أدركت أنه لن يراها .. وأنا ألصق وجنتي ببلور النافذة البارد ...
لقد أصبحت لعبتها الكبيرة دعها تتسلق أحلامك حتى مطلع النور ومهبط البوح لم ركنت الى غار الحكمة ونسيت منازل الأنوثة؟كيف استطعت أن تصفع بغبائك أقمارها الشاردة في ملكوت النشيد ؟ الم أنصحك أن لا ترفض قلب امرأة غلقت أبوابها وتبرج النرجس في خوخها وتفاحها هيت لك؟ إن الأنوثة طاغية وتقد قمصان القلوب...
البحر يمتد بزرقة لانهاية لها..... الشمس تسعى نحو الغروب... ... الناس يتجولون هنا وهناك جماعات وفرادى... . نفض ما علق على جسمه من ماء بحركات متتابعة... نسمات لطيفة لامست خلايا جسده، فشعر بقشعريرة... . رمقه أحد الأطفال بنظرة صافية متأملة، فابتسم له... . الشاطئ المسكون بالحركة والسحر والجمال،...
كم وطأتني الاحلام .. وأنا أنوء بحملها .. أطنان .. أطنان من الاحلام .. تثقل كواهلي .. لكنني استمريء ذلك والوذ بألمه .. فأنا عاشق متيم بالحلم ..فحياتي صحراء قاحلة ليس لي فيها سوى حلم هو عبارة عن واحة خضراء وسط بحر من الرمال السافية .. حتى صار عندي الحلم كالروض في العام الارمل !! . بل صارت حياتي...
انطلقت بهما السيارة .. كانا يتبادلان الهمسات الحالمة بحب وانسجام .. عندما فاجأتهما شاحنة بالاتجاه المقابل من الطريق .. لم تعرف هل تضمه أم تطير به .. وفجأة .. قفزا من السيارة التي ابتلعتها الشاحنة وحولتها إلى كتلة غير متناسقة من الحديد .. تدحرجا على جانب الطريق .. تأملته بعد أن استفاقا والدماء...
حيطان مسيلة للدموع أتقدم خطوة أخرى فألمح رؤوسا تتراقص وكان في الأفق ضباب يتجه نحوي .. أتفرس ، لم استطع معرفة أحد .. أنصت ، فتتهادى الي أصوات خافتة .. أدنو ، فتبتعد الرؤوس وتدخل في لجة الضباب الآتي ، تدخل في هديره ، أحاول اللحاق بها ، لكني أتعثر بغشاوة عيني واستفيق على مشهد لم ألفه من قبل ...
- كيف كانت رحلتك إلى البرازيل..اؤكد أنك استمتعت جدا وتخلصت من سوداويتك على نحو مؤقت..اليس كذلك؟ سرح بعيدا وعدسات النظارة الطبية توسعان من حدقتيه: - والله يا دكتورة إحسان نصيحتك جيدة... لكن النتيجة لم تكن جيدة.. نظرت له بصمت فاضاف: - إنه شعب فرائحي .. خاصة لمن كان ثريا مثلي ويستطيع تجنب مناطق...
رجاءً لا تتمسّكوا بيدي وأنتم تلفظون أنفاسكم الأخيرة .. قد تسحبوني معكم.. ولست جاهزاً بعد لمواجهة حتفي .. ولست مستعدّاً للقاء ربي! لا..لا تتشبّثوا بي .. تملّصوا منّي كمَليصٍ ذي سطوحٍ زلوقة لا تنظروا في وجهي وأنتم في الرّمَق الأخير .. قد تنطبع صورتي في شبكية عيونكم كصورةٍ أخيرة من الدنيا الدنيئة...
جئت بأمراضي جميعها، عبرت بها القرن العشرين ودخلت القرن التالي وهي تمشي وتنام معي، أعصابي معطوبة برغم الثلج النازل حد الركبتين، الى أين، ومن أين؟ كأنني أكثر من واحد، عندما أكون في بيروت أرى الآخر في الشام، وحين أعبر الحدود الى أنقرة أجد جواز السفر يشير الى عمّان، أنظر الى أختام الرحلات ولا أعرف...
لم يكن الزمن واضحا, كنت أحمل ابني بين ذراعي كالمعتاد. أبي لم يكن قد مات بعد لكنه كان سوف يموت قريبا.. قريبا جدا. رأيته يتقدمني في تلك الطريق.. نفس الطريق (أي طريق استرجعت في تلك اللحظة؟). المكان أيضا لم يكن واضحا بما يكفي. أمامي كان أبي المريض الذي سوف يموت في الأيام القليلة القادمة.. يجر...
أعلى