قصة قصيرة

لم يكن لصوت عجلات القطار على قضيبه ذاك الوقع المعتاد في نفسها. ها قد غلبتها غفوة مفاجئة، كانت تقاومها طوال ساعات.. فاستسلمت لها ساندة رأسها على ملجأ عينيها الوحيد هنا، على النافذة الزجاجية المجاورة لمقعدها. استيقظي، استيقظي، استيقظى فى سلام يا سيدة السلام... يا إلهة الحياة يا جميلة فى الجنة...
بداخلى جرح لا يندمل أبداً، وثمة موسيقى تبحث عن عازف! هكذا بدأت كلماتها وهى تلوح لى بيدها البضة الصغيرة، ثم جلست أمامى على الكرسي الهزاز المجاور للنافذة، وأخذت تنظر طويلا نحو السماء الغائمة فى منتصف النهار . أخذت تنظر وتتمعن فى الغيوم ، وبعض السحابات السوداء تسير ببطء شديد فتخفى وراءها ضوءً...
أوغل الليل ، فتسلقت السور من جهة بيت دسوقي ، بعد أن تأكدت من عدم جلوسه بالشرفة كالعادة ، فمنذ أن أحيل الى المعاش وهو لا يبرح شرفته الا نادرا ، بل يقضي معظم وقته جالسا فيها ، يتصفح الجرائد ويتلصص على الجيران. وبالطبع كان دسوقي يرصد كل ما يجري بيني وبين سوزان من اشارات نتواعد بها على اللقاء أو...
وهو في سابع نومة، وقف عليه رسم غريب لجسد فرعوني من العهد البائد، طويل القامة، قمحي البشرة، برأس طائر له منقار طويل، يُمسك بالقلم، ويرسم على الألواح، ويرتدي الزي المصري القديم. سأل الحالم الرسم: ـ من أنت يا هذا؟! لم ينبس الرسم بكلمة. بدا مندهشا من منظر الحالم وشكله وتوسط قامته وبياض بشرته.. عمّ...
يمكننا الآن أن نأخذ وقتا مستقطعا بين تهافت الحكايات وكؤوس الخمر المضروبة ، تلك التى تلعب بالرؤوس ، حيث تئن الطاولات تحت لمبات بضوء خافت لمقاعد تزدحم بالعابرين ؛ ويمكننا أن نقدم إيضاحا هامشيا ، ربما يجذب السيد من وهاد التقوقع عندما نجمع ذلك الشتات داخل البرواز ، وندفع به إلى آفاق التجلى ، فالوحدة...
تمّ اغتصاب (سميرة) ابنة حارتنا، وهي ابنة الخامسة عشر من عمرها، لها أخوة وأخوات، أكبر، وأصغر منها، فهي تقع بين أخوتها، في مرتبة الوسط.. أمّها منهمكة في المطبخ، تطبخ، وتغسل، وتنظف، وترتّب، وتستسلم لرغبات زوجها، (أبو رحمو) ، بعد منتصف الليل، وهي في ذروة الإرهاق، والتعب والرّغبة القويّة في النّوم...
على امتداد النظر كانت المنطقة مهجورة، وقاحلة، لم يكن فيها قائم سوى قبري الذي زرته كشبح بعد دفني فورًا. كانت السماء منخفضة، والأفق مغطى بالضباب الأصفر، وساد هناك صمت حزين، فلم أر وجوه الدفانين؛ لأن الغشاوة التي كانت تغطي عيني، قد حجبت ملامحهم. جلست أمام ضريحي ونظرت إلى اللوحة المصنوعة من...
التقيا تحت زخات المطر، ومظلات الباص، نظرة فابتسام فموعد فلقاء، جمعهما الحب وزينت أصابعهما بخاتم الزواج، ثلث قرن على زواجهما، الذي اثمر عن إبنة وولدان، بررة طيبين، وحياة هادئة ناعمة، الزوجة أشبه بالنحلة الدؤوب لا تدخر وسعا فى إسعاد زوجها والأبناء، والعمل على راحتهم طول الوقت، الجميع شغلوا مواقع...
فهمت كل شيء متأخرة جدا، لكن لم يكن القدر ليتركني قبل أن ينهي معي دروسه العظيمة.. ها أنا ذي ممددة فوق السرير، وقد نخر المرض الخبيث كل جزء من أحشائي.. واستاصلوا أجزاء من امعائي ومعدتي، لطالما عانيت من تخزين مشاعر الغضب والحزن في تلك المناطق داخل بالذات ، كنت أظن أن الحزن شيء منفصل عن الجسد...
ظبية ثائرة كانت تمشي بالشارع سريعة الخطوات كعادتها بعدما خرجت من أحد المحلات التجارية الذي ابتاعت منه بعض الحلوى لصغيرتها ولها كذلك، لكنها هذه الأيام تشعر أن أشياء كثيرة فيها قد تغيرت؛ لقد أصبحت تحس بآلام داخلية لا تعرف مصدرها، صارت تبتعد عنها ابتسامتها شيئا فشيئا، وتحولت من نحلة نشيطة إلى تنين...
مزدحمة الشوارع بالخطوات المجنونة.. مبعثرة هنا وهناك.. الفضاء يضيق بالنظرات الملونة التي تتقاذفها العيون فوق الأرصفة وبين المحلات.. محيطة به كأذرع الأخطبوط، باحثاً عن مكان لا يراه فيه احد ليخرجها إلى حيز الوجود.. العيون ـ كما يظن ـ تترصده.. والآذان تتجسس عليه.. ما تحدث اثنان أو أشار أحدهم الاّ شك...
عندما عَادَ من مِيلانو كانت ذَاكرتُه لا تزال تَختزن تلك المشاهد التي عَبَرتْ إلى وجدانه مباشرة وأرضتْ ذائقته الفَنِّية ونزعتْ بها نحو رِحاب الجمال وسحر الإبداع الانساني في أروع تجلياته، وحَقَّقتْ له درجة قُصوى من الاسْتِمتاع بِجَماليات يَعزُّ وُجُودَ مَثيلٍ لها في هذا الزَّمن الذي تلوّثَ...
كلما سألت امى كيف جئت إلى الدنيا يا امى ؟ ، كانت تقول لى لقيناك على باب جامع ثم تضحك ، ومرة اخرى اشتريناك من سوق الجمعة اللى جنبنا ، ومرة ثالثة تقول جبناك من الملجاء ، ظللت الح عليها كل مرة ان تقص لى التفاصيل وأيهم هى الحقيقة ، كانت تضحك قائلة . ياواد احنا بنهزر .. لم أُكمل وقتها الستة سنوات...
بجوار ماسح الأحذية, وبائع الليمون كان يجلس, بكرتونته, يبيع اللب, والفول السوداني, يخرج كل يوم من بيته القاطن "بساحل طهطا" مع أول ضوء, قبل أن تطلع الشمس تراه يتعكز في الشارع الطويل, يدب علي الأرض بخطوات ثقيلة ضعيفة, ناهز السبعين خريفاً, أو يزيد عليها قليلاً, وما تقوس ظهره وما انحنى, ثقُل سمعُه...
(الليلة ممطرة، والبرد احدّ من السكين وصوت الريح ، وحشرجة المطر المتدفق ... والشارع اقفر ، إلا من اصداء خطاها ، لاشيء سوى هذا ، وسوى اصداء خطاها وسواها ، وحقيبتها المبتلة ، والشعر المتثائب في ملل ، فوق الكتفين .. وانملها ، وهي تدق الباب ليفتح .. من سيكون الليلة ضيفي ..؟ .....الخ)(2) أرتاح...
أعلى