جلست في زاوية غرفتها وهي تحاول دفن السر الصامت في ثنايا ذاكرتها .. وظفائرها الكستنائية ، تتدلى على فستانها الأسود الذي بات يلازمها منذ سنتين .
تنهدت .. وهي تلملم بقايا ذكرياتها التي أيقظها صوت البلبل المغرد في قفصه قرب النافذة . شهقت .. وهي تنظر إليه وترسم لحظات الماضي الذي غاب عنها وتناثر على...
من أقوال أمي التي أحبها وكان لسان حالها يرددها في الأعياد والمناسبات التي تحرص على أداء طقوسها ” ربنا مايقطعلنا عادة ” ، لذا نرتبط بأشياءنا البسيطة إرتباطا وثيقا، لأن بداخلها تكمن سعادتنا ، فربما أكلة معينة ترتبط بذكرى معينة أو إحتفالية معينة وكعادة المصريين ترتبط كل أعيادنا بالأكل .
عيد...
لا أعرف كيف أثار انتباهي في جلسته المسترخية!
لم يكن مغمض العينين تمامًا. كانتا تبدوان كعيني قط، في لحظة إغفاء، تتحركان بسرعة بيني وبين صديقي الذي كان متحمسًا في كلامه، ممكسًا بذقني بين لحظة وأخرى، مرددًا: هه.. أنت معي؟
هذه عادة سيئة في صديقي، أعرفها منذ أيام تجنيدنا الأولى، لكنها طريقته في...
يد ( حني) مباركة خضراء، و قلبها قلب مرابط. يحملون إليها القعيد الذابل؛ فتطرح الجدة الأحمال على باب الله، و تمرر يدها على الجبين الشاحب، و تتمتم بآيات الرقية. ما هي إلا ساعات معدودات، بعدها تجري الدماء في العروق، و تينع الأوراق الذابلة؛ فيصير القعيد حصانا راكضا يملأ جنبات النجع صهيلا. ربما تكشف...
ميمعة، معمعة، معمعان، ساحة وغى، معركة، كلها مسميات لمعنى واحد، هو الحرب بواحد من مفاهيمها. نعم الحرب. هذا ما أحسسنا به نحن أبناء العائلة الفلسطينية من أصل مهجر، طوال الوقت. وكما تعرفون فان الحرب تضع أوزارها، ما هذه الكلمة الفصيحة. تضع أوزارها. هه. غير أن أحدا منا لا يعرف من هو الغالب من المغلوب...
في الكون أسرار أهل الطريق لديهم منها الكثير لا يبوحون بها إلا لمن خلصت نيته، يعرفونهم بسيماهم، يتناثرون في الوادي والدلتا عقود جمان، يمشون بها، يفكون بعض ألغازها، شيخ مبارك يجوب الحارة عند منتصف الليل، يطرق الأبواب الغافية وراء السكون، يمسك بمفتاح منقوش عليه " لا غالب إلا الله" مخطوط من جلد عنزة...
تنحنح أمجد قليلاً قبل أن يعلن:
"سينضم إلينا أحد أصدقائي القدامى . هو مغترب يعيش في ألمانيا . ستكون فرصة لطيفة للتعرف إليه . إنه د.رامز راجي ........... "
ولم أعد أسمع شيئاً ..
ما أضيق هذا العالم ! بعد عشرين عاماً تحكمني الظروف كي ألقاه دون أن أدرب وجهي كي يحتفظ بدهشته ، ودون أن أدرب قلبي كي لا...
كبرتُ يا سيدي .. حقًا كبرتُ!
حينما وجدتني أطيل المكوث مع أنا دون أن أضجر ..
دون أن أشعر بالسخط كما في كل مرة كنت فيها أنطوي مع نفسي العجيبة ..
كبرتُ حقًا حينما بدأتُ أبدلُ من بعض عاداتي في شرب القهوة .. فأحتسيها باردة لأتذوق
طعم الصبر والتأني ..
كبرتُ حينما وجدتُ نفسي متمردة على الواقع بكل...
استيقظت هذا الصباح وفي داخلها مزيج من اﻵمال واﻷماني تعتقد أنها ستصادفها هذا اليوم. ﻻ، ﻻ تعتقدوا أنه عيد ميلادها، وﻻ أي مناسبة منصوص عليها في تاريخ البلد أو العائلة، إنه مجرد ذكرى جميلة في حياتها وفي حياة أي فتاة تصادف من يهتم ﻷمرها ويكترث. من يقول لها "أحبك". لقد سمعت هذه الكلمة منذ عام وهي...
رحبت بها الصخرة الكبيرة،
المحوطة بالطحالب الخضراء الملساء، فوق شاطيء النهر، الشاهدة على قصة حبهما،
هنا تراقصت الامواج على موسيقاتهما وفرحهما والاغنيات،
- تسألها الصخرة :
لماذا هى وحيدة ؟
فوجئت بدمعة تشكلت فى عينيها، دمعة لم تذرف بعد ! فقط تنتظر بلوغ الممر،
بعد ان فشلت فى السيطرة عليها،...
(عندما تحررت)كانت الأذرع ممتدة بعصبية تحرك ذلك الجسد الذي كان يخصني محاولة إعادة الحركة إليه وأصوات الصرخات المفزوعة تملأ الفضاء بينما أنا أشاهد كل ذلك وقد فقدت كل الأحاسيس التي رافقتني مع ذلك الجسد الذي صار غريبا عني.
كل ما أشعر به هو السكون، لعل هذا السكون هو طبيعة الوضع الجديد الذي صرت عليه،...
في فترة ما بعد الظهر، حين تسلّلت أشعة الشمس بخجل عبر زجاج المحل، وقفت على السلم لأصل إلى الرف الثاني، كل شيء بدا طبيعيًّا، حتى حدث فجأة أن اهتزَّ السلم تحت قدميّ، ثم انكسرت إحدى قدميه السفليّة مصدرة صوتًا حادًّا، كأنه طعنة اخترقت سكون المكان، شعرت بأنَّني مُعلق بين الأرض والسماء، تجمد الزمن،...
استأثر لنفسه بمقعدٍ منفردٍ، أمام طاولة صغيرة الحجم، مستطيلة الشكل، ظن أنها تنأى به عن همهمات الجالسين، وصياحهم، وضحكاتهم، وضجيجهم، رغم أنه اعتاد ارتياد هذا المقهى منذ سنوات، لا يذكر عددها بالتحديد، يستجدي على مناضده إبداعاته الأدبية، التي لم ير منها النورَ شيء حتى الآن.. كانت الشمس تلفظ أنفاسها...
عيناها المرهقتان تطلان من نافذة صغيرة نحو الطريق، تجوبانه من أسفله إلى أعلاه، حان الوعد الجميل الذي تنتظره نهاية الأسبوع، لكن رؤيتها تحجبها سحابة من الضباب الكثيف.
مرت الأشياء سريعا في حياتها، الطفولة، الدراسة، الزواج، طفلان، طفلان طفلان ، هكذا تكرر القول عندما تحكي عنهما …
كانت تحذف من...
ضبط الأستاذ عبد الحميد نفسه، متعجبا وهو يسير، في تلك الساعة المتأخرة من الليل، في شارعهم ممتلئا بالفخر،متخلصا من كل مشاعر الخوف والقلق، لعله يشعر لأول مرة في حياته بكل هذا الأمان والغبطة.
إنه يمضي دون أن يشعر بأن ثمة شخص يترصده، ذلك الشخص الخفي الذي كان يشعر بفحيح أنفاسه، ويسمع وقع أقدامه...