سرد

كنّا عائدين، أنا وأبي من الشّغل، ونستقلّ (باص)، (صلاح الدّين)، وعند (الأعظميّة)، وجدّنا خطّ السّير، قد أغلق، ومنعوا وسائل النّقل، وحتّى المشاة، من الدّخول.. نزلنا من (الباص)، واستفسرنا عن السّبب؟!.. قيل لنا أنّ (الإخوان المسلمين)، قد قاموا بتفجير (المؤسّسة الاستهلاكيّة)، ولقد أسفر هذا التّفجير،...
كان يسير في الشوارع في حالة زهول مما يرى بأم عينيه.. ريقه ناشف.. ومنهك تماما.. يرفع قدميه بصعوبة من على الأرض.. لكنه لم ولن يمل السير والبحث عن الكلأ والماء.. الجميع لم ولن يملوا السير والبحث عن الكلأ والماء.. وإلا هلكوا.. النهر جف .. وبطبيعة الحال هلكت المحاصيل الزراعية.. الجميع عطشى .. وجوعى...
سمعت هند عويل النساء يعلو من وسط الدرب.. ارتفاع العويل واستمراره يوحي بأن شخصا عزيزا قد رحل إلى العالم الآخر.. عادت إلى البيت، وارتدت الجلباب بدل الكسوة التي تكشف عن فخديها.. استفسرت امرأة من الجيران قبل أن تدخل لتقديم العزاء.. غطّت شعرها بقُبّ الجلباب، وعانقت أم الفقيد ثم أخته.. جلست لبعض...
سأرحل بعيداً... سأمضي مكرهاً في رحلتي مع الحياة. هنا أعيش وحيداً في قبوي العفن... أتمدد، أجثو... أحاول النوم لا أستطيع... فقدت كل شيء. تضعضع إيماني. هزني الواقع ومع هذا ما أزال أمشي، أفكر وأتنفس... أتأمل الوجوه بنظرات تائهة حزينة... أتصور نفسي فراشة لا تقوى على الطيران تلفها الشباك من كل...
لا صور تزين حائطي الذي تكسوه نظراتي، انتبهت فجأةً أن نوافذي بلا ستائر، والوجوه في ذاكرتي بلا ملامح، سقط بعضها رغماً عني وأسقطها البعض بإرادته، وضعت كل الأكاذيب التي سمعتها وقرأتها في فرن الحي.. حيث تحترق الأماني بعد أن اختفى الطحين من المدينة، فبات للجوع مذاقٌ آخر ينهش الجسد و يلتهم الروح.. يرسم...
مازال منذ غروب الشَّمس يلازم الأريكة المنصوبة في فناء الدَّار، يقبض على خرطوم نارجيلته، ويلتقط من الراكية قطع من الجمر المتوهّج، يضعها على حجر المعسل، ويسحب أنفاسًا عميقةً، ويزفر بقوةٍ، ويخلّف سحبًا من الدُّخان الثَّقيل، تغطّي وجهه، الذي كسته التَّجاعيد وعلامات التَّوتر والقلق. من وقتٍ إلى...
فى صباح يوم جديد ، أطلت فيه الشمس بزاوية ، طالت النصف الاعلى من البيت الا قليلا ، بدأ اليوم بصياح الديك القاطن في سطح ام حنان الجارة ، استيقظ صابر واتجه نحو المرحاض ، ثم بدل ملابسه وذهب يدخن سيجارة وهو يطل من شرفته على شرفة سعاد جارته المحبوبة وحب عمره الذي بات مستحيلا. يعمل صابر نجار موبيليا فى...
مرمرية التكوين ذات بهاء واكتمال، فواحة الحضور، سحرها يسافر فى دمه، ليست كالآخريات مجرد محطة فى حياته، لكنها وطن، مااسرع انتشارها فى نفسه، عبثا يحاول غسلها من واقعه، دون جدوى، تغمره بالحنان وتغرس الزهور فى حدائق ايامه، يريد الآن ان يتمدد ويتمطى ويهرب من حرارة الشمس، الى حيث الامسيات الهامسة، يشرب...
انتشر الخبر في خيامنا.. سيادة النّقيب (إبراهيم برهوم)، مع مجموع الضّباط، وصفّ الضّباط، والعرّيف الوحيد، في دورتنا (خالد).. هم في جولة تفقّدية، على معسكرنا، نحن عناصر دورة الأغرار.. يقومون بالتّفتيش على خيامنا، ومصادرة كلّ شيء مخالف.. هذا إلى جانب معاقبة، عناصر الخيمة، إن كانت الخيمة، غير نظيفة،...
أنظر إلي يا طائري الخرافي, ها نحن ذا, هذه سماؤنا، وهذا الظلام دامس دون نجوم, الأعباء التي أحملها، والملابس التي أرتديها سوف أنزعها، فهي ليست متناغمة أبدا، هناك أماكن لا يغطيها اللباس, البس أجمل ريشك, وخذني من هذا المكان الذي تفوح منه رائحة الدماء, وينضح بجرائم بني البشر، هات جناحك, وأبعدني...
لم ترسل شركةُ المصاعد المهندسَ الذي كانت ترسله كل مرة ،كان فرناندو مشغولا في عمل آخر ، وكان لابد من إرسال غيره لإصلاح مصعد الإدارة . (فراندو) ( هكذا استقر اسمه عند الفرّاشين كبار السن) ،كان وجها مألوفاً للكثيرين ،حتى لكبار السن ..يقدّمون له الشاي ، و يمازحونه بأحاديث ثقيلة عن النساء تنتهي بضحكات...
هلا وغلا ولدت لهما طفلتان ، توأم جميل ، دام الانتظار ثلاث سنوات ونصف ، كاد يُجَنُّ من إلحاف مورس عليه ، وكادت تجن من عدم الشعور بالأمان ، لكن الزهرتين ملأتا البيت فنسي ونسيت كل شيء ، إلا الاسم الذي أعده لإحداهما ( في حالة كونها بنت واحدة ) مع الحرم المصونة اتفق على اسم الاثنتين ، وقالت : اسم...
جلست أمام عين الفرن تنتظر الخبز حالما ينضج ، تقلب طرف جلبابها الفقيروتجفف وجهها وعنقها وما ظهر من صدرها ..تشوب وجهها حمرة مؤقتة، وتبرز أكثر عروق صدرها وجبهتها ، تلقي بجدائلها الطويلة الهزيلة للوراء،وتتحسس بطنها المنتفخ، وكأنها ترجو الذى بداخله أن يترفق وهو يقوم بدورانه المعتاد – مسكينة أمي-...
حذاء أسودُ برباط أنيق، يطرق الأرض بثبات وانتظام، قميص أبيضُ يليق باللقاء، لون واضح رسمي يدعو للوقار، يكاد قلبي يثِبُ من مكانه.. لحظة حلمت بها ونَسجتُ لها سيناريوهات مختلفة، لكنني أرجو لها نهاية سعيدة. أقلِّبُ القهوة المختلطة بالحليب، ذاك اللون البني الطيني ودورانه حول محوره، ذكّرني بأرضي الحارة...
سميتُ حمار دارا؛ لأني أعيش في خربة دارا من خرب مدينة مصراتة الليبية القديمة. في كل صباح، كان صاحبي البصير الشيخ مفتاح يصعد على ظهري وأنقله إلى دكانه، الذي يقع على طرف مدينة مصراتة، يبيع فيه المكانس اليدوية، والحصر، وسلال القش، وأعود به في المساء إلى بيته في دارا. كان الناس في دارا يقدروني...
أعلى