عمَارات وبيوت ومحَلاتٍ تجَارية تنتشر على جَانبي الطريق!. ليس هذا ما قطع لأجلِه كلَّ هذه المسَافة. أين المزرعتان المتقابلتان؟ تُطلُّ خلف شِباكِها رؤوس النخيل، وأشجار الإترنج والتين واللوز والبمبر تنشر رائحة ذكيَّة، لا تزال عالقة بذهنه رغم الغربة الطويلة.
لا شيء من ذلك الآن، مجرَّد خرسانة من طوب...
في صباح مثل تلك الأصباح التي يستبدل فضاؤها بنباح الليل شقشقة النهار، من نومه ينهض خميس ، لم نكن في حاجة الآن لذكر اسمه لكن على كل حال كان على خميس بسيوني أن يغادر ضيق شقته المبعثرة سريعا، في الحارة الناعسة تسابق خطاه المسافات فبلوغه الشارع الرئيس يستغرق ربع الساعة سيرا على الأقدام عبر الحارات...
كثيراً ما أشعر بانقباض في صدري، وبألم عميق يسيطر على كياني، فأتخاذل وأضعف أمام واقع الحياة، وأفقد ثقتي وطمأنينتي، وأحس بالدوار في رأسي، فأقع بما يشبه هذيان المحموم .. في أول العام الجديد علمت أن الفتاة التي أحبها خانتني، وخطبت لرجل آخر، بعد حبٍّ جارف دام بيننا بضع سنوات.
أذكر ها، بالأمس القريب...
غمرني الحزن وأنا أخطو بخطوات بطيئة خارج المحل، محاولة في تثاقل الصعود إلي الرصيف.
منذ شهور وأيام طويلة لم أقم بزيارة بائع الجرائد العجوز.
أصبحت أمر من أمامه في كل مرة أذهب فيها إلي السوبر ماركت مرور الكرام.
لم أعد أصعد إلي الرصيف، أتأمل جيدا الجرائد والكتب المتراصة فوق بعضها والأتربة تغطيها...
طوال الليل لم يهدأ أزيز الرّصاص، ودوت الانفجارات في سماء مدينة (حلب). لم أستطع أن أخلد للنوم، وحمدت الله أن مرّت الحكاية على خير في سهرتنا عند (سعيد).. وكنت أسمع وقع خطوات راكضة في حارتنا أو أصوات لكلمات مبهمة.. وهناك من أسفل الحارة، يتناهى إليّ صوت هدير الدّبابات، والمراكب العسكريّة.. فكَّرت أن...
شاهد الطفل كلابا تنهش جثة أبيه، كما شاهد أمه تفقد إحدى ساقيها، لكنه لم يشاهد رقية لحظة انفجار أفقدها يدها اليسرى وخالتها... جميعهم يرقدون، الآن، في مستشفى، تسللوا إليه عبر الأسلاك، بعد رحلة مأساوية استغرقت أياما...
نزل النازحون من الحافلة، تحلقنا حولهم...حدثنا طفل عن اقتحامات نفذها مسلحون في...
كان بمجمع الحافلات في وسط البلد عندما أوقفه رجل، ربما في الخمسين من عمره. قوي الجسم، جميل الهيئة، مرتب الهندام، كأنه معلم في مدرسة خاصة، أو موظف في مصرف، أو مدير مركز من المراكز التكنلوجية التي انتشرت هذه الأيام. خاطبه بضعف واستكانة بأنه يحتاج إلى نصف دينار لا غير أجرة الباص؛ ليصل إلى قريته في...
بعد الانتهاء من مناسك العمرة ، واقتراب عيد الفطر أخذت تسيطر على مجموعة غرفتنا أمور الدنيا أكثر من اهتمامها بالآخرة: و مناقشة أمور الدين و الامم السابقة كما اعتدنا وعكفنا على هذه النوعية من القضايا ليال عدة ، فشكونا عدم رغبتنا لبعضنا البعض ،فبرر" محمد الشهابي" مفتي المجموعة ، بأنه أمر طبيعي...
تعي ذاكرتي ذلك المقطع من أغنية كنا نرددها صغارا؛ لولي حجر ، كفر مجر" الكثيرون كتبوا عن بلدانهم، عن البئر الأولى التي روت نفوسهم العطشى، غير أن قريتي تبدو - في خيالي - الأبهى والأجمل، لا أحب البكاء بين يدي الزمن، فقد ترك بعض آثاره على جسدي فصار واهنا، وعلى ذاكرتي المعطوبة، بل وعاطفتي المتدثرة...
24 فنجانا من الصيني الأصلي مع صحونها المطلية بالذهب (الحقيقي) كما تؤكد أمي لكل من يدخل بيتنا يتفرج على هدية الملك الخاصة لجدي نظير إخلاصه ووطنيته، والذي لم يهنأ - كما تقول أمي - بسبب قيام الثورة وإعلان الجمهورية.
لكن مع تولي أبي منصبا كبيرا عادت أمي لتخرج الطقم وتقدم القهوة للضيوف حتى فاجأنا...
لم تكن الوحيدة فى هذا الكون غيرها الكثير، جوعى لكلام يدفئها فى صقيع وحدتها، ووحشة الخيبات التي تلاحقها، حتى لو كان كلاما كاذبا، مثل شجرة عارية، فاجأها الخريف فى منتصف المسافة بين الحزن والغياب، وعلى نحو ما بدا العالم اكثر وحشة، بينما كانت الشمس تلملم اثوابها فى حقائب الشجن والغروب، مؤسسة لوداع...
أريد أن أخبركم منذ البداية أنني اكتب هذه القصة، لأنني غاضب. نعم أنا غاضب، قد تعرفون فيما بعد لست صاحيا تماما حتى أتمكن من إخباركم بكل ما لدي.
المني جدا أنها اختفت أنها ظهرت لتشعل ليل وحدتي. قد تقولون طيب لتختف هي وما دخلنا نحن بها وبغضبك؟ عندها سأقول لكم انه لا دخل لكم، سوى أنكم تورطتم بقراءة...
لا أحبّ (أبو أحمد)، ولا أطيق مجالسته، لكنّ بيت (سعيد) يكاد لا يفرغ من أقربائه، فأقاربه كثر، وهكذا هي عاداتهم.. وكان على (سعيد) أن يتحمّل، رغم أنّه لا يحبّ معظمهم، كما أنّه يريد أن يدرس، و يمارس هواية الرّسم، أو أن يستمع إلى الموسيقا، أو يقرأ الكتب والمجلات.
و(أبو أحمد)، هذا إنسان مجرم، وحقير، لا...
تشير سعاد إلى نبيل ملوحة بيدها من خلف الزجاج السميك، وهي تضع سماعة الهاتف على أذنها ضاغطة على السماعة بإمالة رأسها في تركيز واهتمام شديدين، فابتسم لها، وبدت ابتسامته باهتة وحزينة من خلف الجدار الزجاجي، ومظاهر الانكسار والاكتئاب تجعل من وجهه ممسحة رمادية رثة لم تغسل منذ وقت طويل، وبدت لحيته ذات...
بعد ثلاثين سنة من الغياب،
لكني كلما ذهبت الى سوق الهدايا اشتري لها شيئاً: هذا قميص الصيف، وذاك ثوب للنعاس وهذا قرط لحفلنا القادم، وتلك دمية لأوقات الفراغ، وهذا حذاء للرياضة، واذا رغبتِ اذهب
الى سوق الحدادين واشتري لك طفلاً صغيراً من نحاس.
أجلس في المقهى أمام البحر، وحيداً، في المنفى، على ضوء...