سرد

مازال منذ غروب الشَّمس يلازم الأريكة المنصوبة في فناء الدَّار، يقبض على خرطوم نارجيلته، ويلتقط من الراكية قطع من الجمر المتوهّج، يضعها على حجر المعسل، ويسحب أنفاسًا عميقةً، ويزفر بقوةٍ، ويخلّف سحبًا من الدُّخان الثَّقيل، تغطّي وجهه، الذي كسته التَّجاعيد وعلامات التَّوتر والقلق. من وقتٍ إلى...
فى صباح يوم جديد ، أطلت فيه الشمس بزاوية ، طالت النصف الاعلى من البيت الا قليلا ، بدأ اليوم بصياح الديك القاطن في سطح ام حنان الجارة ، استيقظ صابر واتجه نحو المرحاض ، ثم بدل ملابسه وذهب يدخن سيجارة وهو يطل من شرفته على شرفة سعاد جارته المحبوبة وحب عمره الذي بات مستحيلا. يعمل صابر نجار موبيليا فى...
مرمرية التكوين ذات بهاء واكتمال، فواحة الحضور، سحرها يسافر فى دمه، ليست كالآخريات مجرد محطة فى حياته، لكنها وطن، مااسرع انتشارها فى نفسه، عبثا يحاول غسلها من واقعه، دون جدوى، تغمره بالحنان وتغرس الزهور فى حدائق ايامه، يريد الآن ان يتمدد ويتمطى ويهرب من حرارة الشمس، الى حيث الامسيات الهامسة، يشرب...
انتشر الخبر في خيامنا.. سيادة النّقيب (إبراهيم برهوم)، مع مجموع الضّباط، وصفّ الضّباط، والعرّيف الوحيد، في دورتنا (خالد).. هم في جولة تفقّدية، على معسكرنا، نحن عناصر دورة الأغرار.. يقومون بالتّفتيش على خيامنا، ومصادرة كلّ شيء مخالف.. هذا إلى جانب معاقبة، عناصر الخيمة، إن كانت الخيمة، غير نظيفة،...
أنظر إلي يا طائري الخرافي, ها نحن ذا, هذه سماؤنا، وهذا الظلام دامس دون نجوم, الأعباء التي أحملها، والملابس التي أرتديها سوف أنزعها، فهي ليست متناغمة أبدا، هناك أماكن لا يغطيها اللباس, البس أجمل ريشك, وخذني من هذا المكان الذي تفوح منه رائحة الدماء, وينضح بجرائم بني البشر، هات جناحك, وأبعدني...
لم ترسل شركةُ المصاعد المهندسَ الذي كانت ترسله كل مرة ،كان فرناندو مشغولا في عمل آخر ، وكان لابد من إرسال غيره لإصلاح مصعد الإدارة . (فراندو) ( هكذا استقر اسمه عند الفرّاشين كبار السن) ،كان وجها مألوفاً للكثيرين ،حتى لكبار السن ..يقدّمون له الشاي ، و يمازحونه بأحاديث ثقيلة عن النساء تنتهي بضحكات...
هلا وغلا ولدت لهما طفلتان ، توأم جميل ، دام الانتظار ثلاث سنوات ونصف ، كاد يُجَنُّ من إلحاف مورس عليه ، وكادت تجن من عدم الشعور بالأمان ، لكن الزهرتين ملأتا البيت فنسي ونسيت كل شيء ، إلا الاسم الذي أعده لإحداهما ( في حالة كونها بنت واحدة ) مع الحرم المصونة اتفق على اسم الاثنتين ، وقالت : اسم...
جلست أمام عين الفرن تنتظر الخبز حالما ينضج ، تقلب طرف جلبابها الفقيروتجفف وجهها وعنقها وما ظهر من صدرها ..تشوب وجهها حمرة مؤقتة، وتبرز أكثر عروق صدرها وجبهتها ، تلقي بجدائلها الطويلة الهزيلة للوراء،وتتحسس بطنها المنتفخ، وكأنها ترجو الذى بداخله أن يترفق وهو يقوم بدورانه المعتاد – مسكينة أمي-...
حذاء أسودُ برباط أنيق، يطرق الأرض بثبات وانتظام، قميص أبيضُ يليق باللقاء، لون واضح رسمي يدعو للوقار، يكاد قلبي يثِبُ من مكانه.. لحظة حلمت بها ونَسجتُ لها سيناريوهات مختلفة، لكنني أرجو لها نهاية سعيدة. أقلِّبُ القهوة المختلطة بالحليب، ذاك اللون البني الطيني ودورانه حول محوره، ذكّرني بأرضي الحارة...
سميتُ حمار دارا؛ لأني أعيش في خربة دارا من خرب مدينة مصراتة الليبية القديمة. في كل صباح، كان صاحبي البصير الشيخ مفتاح يصعد على ظهري وأنقله إلى دكانه، الذي يقع على طرف مدينة مصراتة، يبيع فيه المكانس اليدوية، والحصر، وسلال القش، وأعود به في المساء إلى بيته في دارا. كان الناس في دارا يقدروني...
" إنك تتحسس طريق الذين عبروا قبلك. يالك من أحمق أيها الشقي، كم يلزمك من حيوات لمعرفة الطريق؟" كاتب سها البال عن ذكر اسمه. حين توقع مارشينا أنه منذور لشيء عظيم، رفع بصره إلى السماء ليتلمس وجهة الغروب، فهذا النذر يرتبط في ذهنه أو قواه النفسية بالأشعة الوردية على...
حين وقفت امام المرآة صباحا لأغسل وجهي، فوجئت بفتى جميل، ينعكس فيها .. جفلت فجفل هو ايضا، تحركت يمينا فتحرك، وحين عدت الى الوراء والى اليسار كان يتحرك معي .. إنه أنا .. أنا بربيعي الخامس عشر .. يمشط شعره بالمشط القديم الطويل الذي اشتريته قبل أكثر من خمسين عاما، وكنت اضعه في الحافظة المعلّقة قرب...
منذ فترة لاحظت أنه ساهم؛ فلا يشارك في حوارنا، عيناه زائغتان لا تستقران، كأنما هناك هول أو فزع يطارده، جهدت أن أخفف عنه، يشعرك بأن نهاية العالم الآن، غريب الأطوار، حاولت النأي عن عالمه، يكفيني ما بي، المرء يحتاج العزلة؛ ينظر في بعض أحواله، الهموم لا تترك لي منفذا، ضيق اليد، الأولاد ينهون...
سمع علال بأن الحكومة خصصت دعما للفئات الهشة، يتراوح بين 500 والف درهم. من كثرة تحمسه لهذا الدعم أصبح كثير الكلام مع نفسه.. ينسى أحيانا أنه يتحدث بصوت عال. وعندما يمرّ بجانب شخص يلتفت إليه، يتدارك الأمر، ويخفض صوته: ـ ستتوصل يا علال بمبلغ قار من المال في نهاية كل شهر من غير أن تعرق فيه. العربي...
رجع إلى بيته، وكاد يغشي عليه من المفاجأة، حين لمحه جالسا مع أبنائه، كان يتناول معهم وجبة الغداء!! سقط من زوجته طبق الطعام ، قبل أن تناوله للآخر ، حين أبصرته واقفا أمام الباب. ألجمت الدهشة ألسنتهم، لعدة لحظات بدت طويلة جدا!! نطقت زوجته بصعوبة : من أنت ؟! الرجل الآخر كان لازال صامتا ...
أعلى