سرد

لم يفارق النوم عيني بعد.. إصرار غريب على إزعاجى.. إنّها المرة الخامسة، التي يرن جرس الباب في أقل من دقيقتين.. سألت نفسي: “من القارع؟! من هو هذا الشخص الذي لا يعرف الرحمة ولا الصبر…” تثاءبت بصوت مرتفع… دعكت جفوني، كإناء صدئ لأستجلب اليقظة.. ثم أجبت بصوت عالٍ: “حاضر.. حاضر…” ولكن ليس من مستجيب...
كنّا نتابع الوضع أمام الشاشات الصغيرة في حذر حتى دوّت صافرات الإنذار فخرجنا نضرب في الأرض دون دليل أو مرشد ،تذكٌرت طريقا يأخذنا لبقايا ملجإ قديم . طال بنا المسير حتى التقيت جارتي تسير منهكة صحبة رضيع و بنتين صغيرتين مرتديتين أحلى الفساتين وقد تراقصت ضفيرتاهما المجدولتان بالورود الحمراء و...
لا أدري إن كنتُ صائبة فيما أخفيتهُ عن زوجي المثقف، شديد العمقِ والملاحظة، من سرّ !. في العاشرة مساءً وبينما هو يقرأ في كتاب ما، وقد اعتلتْ عينيهِ نظارتهُ الطبية اللندنية، أوجّستُ خيفةً لئلا يلحظ اضطرابي، أوشرودي فيسألني إن كان هناك ما يشغلني؟. كنتُ على حافة الوقوع في إخباره بعد رؤيتي لتلك...
جعلت كأس العالم الأخيرة عائشة مغرمة بكرة القدم.. منذ أن سمعت بأن لاعبي الكرة يكسبون ملايين الدراهم في السنة، والبعض يكسبها في الشهر أو اليوم أو الساعة. أصبحت تتابع مع زوجها وأبنائها كل مباريات المنتخب الوطني. تسمع وتبحث في الهاتف كم يتقاضى كل لاعب.. قالت مع نفسها إن هؤلاء اللاعبين عكس السياسيين...
" من أي غاب جاء هذا الليل ؟ " السياب – المومس العمياء انعطف نحو زقاق من الأزقة المتفرعة من شارع ( بشار ) . تمايلت جدران البيوت التي بدت باتساعها شاشات سينما ؛ بندوب وتشققات شجرية ، بتحفرات آجر موغل في القدم ، بنخلات عجفاء...
فى اعلان على الفيس كتب فيه رقم هاتفه، ورغبته فى بيع تليفزيون حديث ومروحة استاند، وغرفة نوم دون السرير، مع اول متصل حددا موعد الشراء، المشتري جهز سيارته النصف نقل، بداية لرزق يوم جديد، اوقفه احد الجيران، طالبا توصيله للمستشفى التى يجري فيها غسيل الكلى، لانه لا يقوي على السير، اوصله ليذهب بعدها...
لقد ظهر للعيان، ومع ظهوره تغير مجرى الأحداث، هائل الحجم، شديد القوى، لا يخضع لقوانين المادَّة؛ يفعل ما يريد، يختفي فجأة كما يظهر فجأة، لا أحد يعلم حقيقته.. يدين الجميع له بالفضل؛ بعد أن تصدى بمفرده للمحتلين بقيادة الأجوف، أولئك الذين يعبثون بقريته، لقد طردهم شر طردة، ومحا ما خلفوه وراءهم من فساد...
كانت الأزقة الضيقة، والمتعرجة في ضواحي العاصمة الصاخبة، تفتقر إلى مجاري الصرف الصحي، ومنظمة لتصريف المياه. ما إن هطلت الأمطار الغزيرة، والمتواصلة في منطقتنا، حتى أصبحت الشوارع الفرعية المزدحمة مستنقعات موحلة؛ جعلت من السير على الأقدام أمرًا مستحيلًا، وتعذر المرور فيها، ولكن الأمر كان مختلفًا...
ذات ليلة التقينا ثلاثة في غرفة بالفندق، لم يكن يعرف بعضنا بعضًا مع أننا من بلد واحدة، ومن مدينة واحدة. ما إن لجأ كل منا إلى سريره حتى زاد البعوض من تحليقه في سماء الغرفة، ثم بدأ بمهاجمتنا. كان ينقض علينا بقوة، يهجم على أجسامنا ويلتصق بها، ولا يغادرها إلا بعد أن تتورم، أو ينزف منها الدم. بعوض لم...
الخريف يفرد جناحيه بداية من رؤوس الأشجار إلى أعمق أعماق نفسي المضطربة . تأتي الرياح الوقحة معها بروائح الأغصان والأعشاب الميتة الغرقى في الجدول الساكن الصامت . تحت ملابسي الكثيرة ، الثقيلة ، وسط هذا الخلاء الشاسع كنت أشبه لوحة فانجوجية . (يجب أن أصرخ بكل ما يشتعل ، وبكل ما يغرق ، وكل ما هو...
كنّا عائدين، أنا وأبي من الشّغل، ونستقلّ (باص)، (صلاح الدّين)، وعند (الأعظميّة)، وجدّنا خطّ السّير، قد أغلق، ومنعوا وسائل النّقل، وحتّى المشاة، من الدّخول.. نزلنا من (الباص)، واستفسرنا عن السّبب؟!.. قيل لنا أنّ (الإخوان المسلمين)، قد قاموا بتفجير (المؤسّسة الاستهلاكيّة)، ولقد أسفر هذا التّفجير،...
كان يسير في الشوارع في حالة زهول مما يرى بأم عينيه.. ريقه ناشف.. ومنهك تماما.. يرفع قدميه بصعوبة من على الأرض.. لكنه لم ولن يمل السير والبحث عن الكلأ والماء.. الجميع لم ولن يملوا السير والبحث عن الكلأ والماء.. وإلا هلكوا.. النهر جف .. وبطبيعة الحال هلكت المحاصيل الزراعية.. الجميع عطشى .. وجوعى...
سمعت هند عويل النساء يعلو من وسط الدرب.. ارتفاع العويل واستمراره يوحي بأن شخصا عزيزا قد رحل إلى العالم الآخر.. عادت إلى البيت، وارتدت الجلباب بدل الكسوة التي تكشف عن فخديها.. استفسرت امرأة من الجيران قبل أن تدخل لتقديم العزاء.. غطّت شعرها بقُبّ الجلباب، وعانقت أم الفقيد ثم أخته.. جلست لبعض...
سأرحل بعيداً... سأمضي مكرهاً في رحلتي مع الحياة. هنا أعيش وحيداً في قبوي العفن... أتمدد، أجثو... أحاول النوم لا أستطيع... فقدت كل شيء. تضعضع إيماني. هزني الواقع ومع هذا ما أزال أمشي، أفكر وأتنفس... أتأمل الوجوه بنظرات تائهة حزينة... أتصور نفسي فراشة لا تقوى على الطيران تلفها الشباك من كل...
لا صور تزين حائطي الذي تكسوه نظراتي، انتبهت فجأةً أن نوافذي بلا ستائر، والوجوه في ذاكرتي بلا ملامح، سقط بعضها رغماً عني وأسقطها البعض بإرادته، وضعت كل الأكاذيب التي سمعتها وقرأتها في فرن الحي.. حيث تحترق الأماني بعد أن اختفى الطحين من المدينة، فبات للجوع مذاقٌ آخر ينهش الجسد و يلتهم الروح.. يرسم...
أعلى