استدار البائع قائلًا وفي نبرة صوته شيء من أسف:
- اللون الذي طلبته قد نفد، هل ترغب بلون آخر؟!. ما رأيك بالرمادي؟.
لم يسمع ما قاله البائع، إذ كان يحدق صوب فتاة تحاول العبور إلى الرّصيف المقابل، ترتدي فستانًا أرجواني اللون وعلى خصرها حزام أسود رفيع، قال بذهول محدتًا نفسه:
- إنها هي .. هي!
أسرعَ...
في عجالة من شدة غبطته بها بعثرها ، لم يلبث حتى تناثرت تحت قدميه فلملمها .. ثم نثرها .. وبعددها المهول تركها ، وأخد ينظر في المدى البعيد .
بين الحين والحين يعود ليلمس بأنامله الخشنة أطرافها ، في محاولة منه لبدء التوحد فيها ثم يعاود النظر .. يصطاد أحلامه البعيدة من عمر سنواته الأربعين - ترى فناء...
أقبل الليل ملتحفاً عباءته السوداء، طامساً لوحة القطاع بفرشاته السوداء، يتخلَّله وميض القنابل التي تنهمر على دفعات متقاربة، فيتداخل دوي القنابل بسارينات سيارات الإسعاف وأصوات انهيارات المنازل. ثمَّة بيت في أطراف القطاع ينبعث منه بصيص ضوء، بالداخل امرأة في العقد الثاني من عمرها ذات وجه طفولي وجسد...
عضها الفقر بنابه واختطف الموت ابويها البائسين وهى طفلة، فكفلتها عمة غليظة القلب، اضطهدتها واستبدت بها واذاقتها صنوف العذاب،
لا حيلة امامها سوى الصبر على الهوان، دفعت بها للعمل كخادمة فى البيوت، لا تلتقى بها إلا أول كل شهر لتقبض المرتب، سنوات عذاب تتوالى وتكبر البنت، وتعي مايدور حولها واضطهاد...
لم يَشْتَرِه أقرنَ، ولا أملحَ، ولا ناعِمَ الفروةِ، بل اكتفى بالمرور أمام مرائبِ المدينة، والتفرج على جمهرة المتهافتين على شراء كل أنواعه من سرديّ، وبركيّ، وبجعديّ، ودمّاني، وكذلك وكيليّ، وتلك عادة درج عليها منذ سنوات، يكتفي دائما بعيش أجواء العيد، دون ممارسة طقوسه.
هو يمارس لعبة الحياة، بإيقاع...
هبط "الثو:ار" في جنباتها،في بيت يلاصق بيتها،شعرت بهم منذ سمعت لجلجة أصواتهم،أطلت من شرفة منزلها المتواضع،رأتهم،ثلة من الشباب في مقتبل العمر يحملون البنادق على أكتافهم،يتمازحون،يتحدثون،يعبئون أمشاط الذخيرة،يصوبون...أغلبهم اطلق لشعر ذقنه العنان بشكل مهذب...لباسهم الانيق أسود...وجعبهم المليئة...
ــ قد أفهم أن العيون تقهرك بنظراتها فتعشقها ويقتلك حبها ، لكن كيف يمكن أن تحب الألسنة ، فهي في أغلب الوقت تختفي داخل الفم ولما تتحرك تنطق كلاما سيئا جارحا ؟.
ــ إذا نطقت بكلام سيء ، آكلها وألتهمها .
ــ اللهم قني نظرات الأعين ، وكلام الألسن .
قلت تأكلها ؟ هل أنت من أكلة الألسنة ؟ هل تستطيع ذلك ؟...
في بيتنا قطة سوداء؛ صارت ذات نفوذ؛ همت أختي بطردها؛ سيما وأنها تسرق أشياءها، أفقدتها ثوبها الأرجواني؛ جعلت منه كرة تتقاذفها وتركلها فترتب على ذلك أن كسرت آنية الطعام واحدا وراء الآخر؛ تذمرت أمي من هذا الكائن الذي ضرب نظام البيت دون اهتمام بما نحن فيه من عنت، تموء في ساعة متأخرة من الليل؛ نصاب...
علا صوتُ أمّ خالد تنادي على ابنِها ربما للمرّةِ العاشرةِ:
- خالد.. برضاي عليك يا حبيبي اتركْ آلةَ التصوير وتعالَ اجلسْ معنا، فالشاي كاد أن يبرد، ولحظاتُ الصفوِ لا تعوّض، إن ذهبتْ لا تعود.
- يا الله يا ماما، ها أنا آتٍ في الحال، فقط دعيني ألتقطُ بعضَ الصورِ لكِ ولجدّتي في ظلّ هذه الشجرةِ الوارفة،...
تحت سماء ذات لون دخاني كثيف وشمس على وشك الغروب، هبطتْ الطّائرة في مطار مدينة صوفيا.
لم أكنْ أحمل سِوى حقيبة صغيرة وجهاز كمبيوتر كانا معي على متن الطائرة، لذا اتجهتُ مباشرة صوب محطة المترو التي تبعد أمتار قليلة عن المطار.
وأنا أقرأ أسماء المحطات على الشّاشة داخل المترو، قطع عليّ أفكاري رجل مسّن...
أخيراً وبعد جدلٍ مستقطعٍ استمرّ لشهور، وافقتْ نور أن تذهبَ بسريّةٍ تامّةٍ لمراجعةِ طبيبٍ نفسيّ، إذ كانتْ قد رفضتْ الفكرةَ من جذورها مراراً وحجّتها أن المرضَ النفسيّ بعرفِ المجتمعِ هو نوعٌ من الجنونِ أو الاختلال، كذلك تتوهّمُ ذاكرةُ القومِ الجمعيّةِ خطرَ المريضِ على من حولِه وضرورة عزله أو حجره،...
شرع الجنود في التفتيش العاري للأسرى، هذه أول مرة يتعرض فيها لتفتيش كهذا، وهاهو الجندي ديفيد يعبث به، ويطلق قفشاته الماجنة، والتي يصف فيها جسده النحيل، هذا الجندي قد تجاوز حدود الوقاحة وهو الآن على مشارف حدود المجون والخلاعة، إذ يصف أعضاء حساسة لنبيل الدباغ حتى نبيل نفسه لم يلاحظ ذلك فيها، وكان...
انتظر طويلا أن تبتسم له الحياة لكنها ظلت مُكشِّرة في وجهه بلا سبب وجيه كما تراءى له، كان يفرط في التساؤل عن سر هذا الجفاء وقلبِ ظهرٍ المِجن الذي يلقاه منها، دون أن يفلح في الوصول إلى جواب مقنع يشفي غليل حيرته.
في كل صباح يستيقظ على مناظر مقززة، سقف بتشققات مخيفة، نافذة بمزلاج مكسور ودهان شاحب،...
أحس أنني أضيع !
مع كل هذا الثقل على كتفي..
جزء مني يطلب أن أخرج للتجول على الطرقات لحد التعب,
لابد أن ذلك سيكون جيدا،
بعض الأحيان عند الفجر, روحي تتوه، تضيع مني,
تطلبون مني أن أشرح كيف؟
هذان الشبحان الطيبان وأنا بينهما, يهدئاني ويغمراني بعطفهما و لطفهما، يذهبان عني بعض الأحيان ويعودان إلي...