سرد

بلهفةٍ واشتياقٍ تتطلَّع من شباك غرفتها المطلُّ على الباحة الرَّمليَّة الواسعة إلى الأطفال الذين يركضون خلف الكرة بخفَّة الفراشات ورشاقة الغزلان، تبتسم كلَّما أطلق أحدهم ضحكةً عاليةً، تردَّد صداها في الفضاء، وتقطب جبينها كلما تعثَّر أحدهم، وسقط على الرمل متوجّعًا.. يسرقها الوقت، وعيناها تشربان...
لم تبرح ذاكرته، ذلك اليوم الممطر من شتاء قارس البرد، ينخر العظم، لا تدفئه ملابس ولا تخفف من غلوائه نار، لم يكن ذلك كله كاف لخلخة صلابته، لكنه شيء آخر، لم يكن موجودا فى قاموس العالم المحكم اسمه الصدفة، حين تعثرت تلك الحسناء وكادت ان تسقط فى وحل الطريق، لا يدري كيف تسارعت يداه وامتدت لمساعدتها...
ـ ( لو تمكنت لنسفت سنين عمري ومسحتها من الزمن ، فهي مجدبة ، مقفرة ، لا مطر ، لا زرع ، الأرض كانت متشققة ، يابسة ، جافة ، ووجهها كالحا . كل الشجيرات أصبحت قزعية ، فقد تيبس عودها ، و قد غطاها الحزن والسواد ولم يبق منها إلا رؤوس مدببة لبست ثوب الموت ). أطال النظر إلى تلك الأشجار المنكوبة ، وإلى...
في قلبي سيماء تدلّ عليّ لا يخطئها بصر من يحببنني ، هي أوّل ما يبدو منّيم ويبرز من ملامحي، تلخّص دهراً من العشق الالهي والتهجّد والدموع والخشوع والعبادة والتوبة والاستغفار والمجاهدة ومحاسبة النفس، لقد بقيت الصلاة قرّةَ عيني وغايةَ مهجتي، فيها جلاء قلبي وصفاء روحي وسكينة نفسي. ظل قلبي معلَّقاً...
تطلع الابن إلى وجه أمه الذابل المحدّق في الأرض، ثم سألها بلهجة لا تخلو من استنكار: تبدين في ناظريّ كمراهقة تسعد برؤية الخُطّاب يدقون بابها، كيف تقبلين بأن يمسسك بشر بعد أبي، الرجل الذي كان يُعمل له ألف حساب، علي كل حال من تترك أولادها، وتتزوج لا تستحق أن تكون أمًّا! لم تُحرّم عليّ الحلال ؟...
بعد الغروب، لزم الناس بيوتهم في حي النزهة بعمان، مع أن اليوم نهاية الأسبوع. فكانون الثاني هذا العام، منتصف السبعينيات كان أشد برودة من الأعوام السابقة. أحضر مهدي، الطالب بالجامعة إلى غرفته عدة أنواع من الفواكه على رأسها الكستناء. عزم أن يقضي وحده ليلة مع فيروز، يستمع إلى أغانيها، وهي تنطلق من...
عَبْرَ الواتس آب، والفجرُ يحاولُ التسللَ من بين ظلمة الليل لينثر بهاءه على كل شيء، كتب لها: حين ودعتكِ الليلة الماضية، وددتُ إخباركِ أن عينيكِ تائهتان في عتمة المساء، لكنهما مضيئتان من الداخل، بوابتان للأسرار، تخفي وراءها ما لا يمكن توقعه!. ثمة نور تسلل منهما وقفَ فوق ضفاف قلبي، أكد لي أننا...
بحسبِ السونارِ الذي أظهرَ أنَّ زوجتهُ حاملٌ بولدٍ، يبدو كأنهُ كبيرُ الحجمِ، على خلافِ أوزانِ الأطفالِ حديثي الولادةِ. قرّرَ الأبُ تسميةَ ابنهِ القادم (غالب) وظلَّ ينتظرُ خروجَ (الغالب) ودلّلَ زوجتهُ، لأنها ستنجبُ ابنَهما البكرَ ذكراً . يومُ الولادةِ في المستشفى تجمَّعَ الأبُ وذووه من والدةٍ،...
عندما التقت عيناه بعينيها الزرقاوين كعيون المها.. تسابق الريح.. تنطلق في هذه الصحراء الممتدة. شعر بالرمال تتحرك من تحته، وأن الصهد يطلع من قدميه الى رأْسه، وأن هذه الصحراء الفسيحة منذ أن رآها بدأت تضيق حوله لتختصر المسافات في الاقتراب منها واستنشاق عطرها هذا الذي يجيئه لذيذا كريح الصبا يرحل به...
لقد أقبل الشتاء إلينا باكرًا، وكان الجو باردًا، حتى إن النَفَسَ التي خرجت من أفواهنا، كانت مجرد مليمترات قبل أن تتجمد. مشينا في مساحة بيضاء ناصعة، وغطى الثلج أجسادنا، حتى لم يعد من الممكن تمييزنا، بَدَونا كأشباح تتحرك في وحشة الأرض وصمتها. قوة مسلحة تخترق طرقًا صخرية، لا حياة فيها، عالَمًا...
ارسل ابي الشاب الختيار المسن نظرة ملأى بالحزن الممزوج بالأمل. شدّ على يدي الفتية القوية وهو يقول لي: لقد دنت لحظة الرحيل. حاولت ان اقاطعه معترضا فتابع يقول: لا تقاطعني يا ولدي. الموت حق وانا لست استثناء فيه. آبائي ماتوا واباؤهم ماتوا. اجيال واجيال مضت في طريق اللا رجعة.. طريق السفر الابدي...
لم تكن مالحة، كانت سرًّا كثّف في القطرة قواميسَ الحياة، لتشرق الحقيقة جليةً: وحدها الحياة مقدسة، ووحده من خلع عباءةَ الماضي منه ملك سرّ السفر. ستدرك كنهها حين تعتنق المستقبل، فلا تتعلق بأحدهم سوى كونه مجذافًا آخر يهَب ذاته لمركب سفرك نحو ذاتك القادمة. يأتي كلٌّ في أوانه كي يرحل في أوانه أيضًا...
أيها الليل البهيم ، يا صديقي ، أيها الليل الصامت يعم نفسي ، يتخللها ، يسكت شكواها ، يخمد نارها ، لا يسمع أنينها ،. أيها الليل الصامت كنفسي ، أسألك ما سر الصمت الذي احتواك واحتواها ، أسألك ما سر الظلام الذي دثرها فاستأنست به ، لا تريد الانبعاث . يا نفسي ؟ كيف ضاعت منك عناوين الرجوع من مملكة...
يابن أدم أحبب من شئت فإنك مفارقه --------------------------------- أكره الصيف.. ليست بيني و بينه خصومة أو عداوة قديمة لكنني لا أطيقه ، أشبهه بالنار الملتهبة ،تحرق كل شيئ ، تحوله إلي رماد، الحرارة المرتفعة ليست عادية، هل هي عقاب من الله للبشر علي سلوكاتهم العدوانية؟ ها هو العالم يحترق، يحتضر ،...
استدار البائع قائلًا وفي نبرة صوته شيء من أسف: - اللون الذي طلبته قد نفد، هل ترغب بلون آخر؟!. ما رأيك بالرمادي؟. لم يسمع ما قاله البائع، إذ كان يحدق صوب فتاة تحاول العبور إلى الرّصيف المقابل، ترتدي فستانًا أرجواني اللون وعلى خصرها حزام أسود رفيع، قال بذهول محدتًا نفسه: - إنها هي .. هي! أسرعَ...
أعلى