سرد

قذفها الدور الطويل خارج القفص الحديدي الذي أعدّوه لتنظيم طابور الخبز ، غادرت الطابور مكرهة ، تبحث عن هاتفها الجوال الذي أحست بأنه سُلَ من جيب ثوبها وأثناء انسلاخها من معمعة الزحام ، تمزّق ثوبها بخرق طويل من الخصر الى الذيل ؛ توارت لتواري سوءة الثوب ؛ وتستر فخذيها العاريين . مشت مبتعدة عن الشارع...
حين نظرت إلى شاشة التلفاز وجدت إعلانا يحذر من النوم مبكرا؛ يخاطب المشاهدين: عليكم أن تظلوا متيقظين حتى منتصف الليل؛ توجست خيفة من أن يكون اللصوص سيداهمون بيوت القرية، يسرقون خزين القمح، يحلبون الأبقار؛ معاذ الله أن ينزوا على الأبكار، على أية حال سرى في جسدي الخدر فنمت؛ تلك عادتي التي لم تتغير...
كعادته في يوم عطلته الأسبوعية، ينهض الأستاذ حمدان من نومه مبكرا كأنه في يوم عمل، إن ساعته البيولوجية لا تضيف له في أحسن الأحوال إلا مقدار ساعة واحدة، فإذا كان يستيقظ يوميا في السـاعــة السادسة صباحا فإنه قد يتراخى في يوم عطلته، ويتمدد في فراشه وهو نصف نائم ساعة إضافية، ثم يتسلل على رؤوس أصابعه...
ارتسمت على وجهه بوادر حيرة. تصلبَ لسانه في وضعه الأفقي داخل ثغر فمه. علّقت رقبته علامة تعجب لم تجد من نقطة لتقف عليها شاهدا، سوى وقفة جسده العمودية والحاجزة لاختراق أشعة الشمس لصفحة وجهها الماثلة بانعكاس ظله، بعينين جاحظتين ومدار كحلي براق، ولسان لا يتوقف عن الكلام، والاحتجاج ، والتساؤل، واللوم،...
كنا لا نمل أبدًا من مشاهدة هذا الفيلم على غير العادة، ننتظر النهاية بشغف، ونحن نتخيل أنفسنا مكان البطل، تحوط أذرعنا بالمحبوبة، نثأر لقسوة الفراق والهجر أو الغياب بقبلة طويلة، تلتف فيها الشفاه بالشفاه في شكل دائري لا متناهٍ. ما زال عبد الحليم حافظ ماثلاً أمام أعيننا، قبل أن تظهر كلمة النهاية...
أحدق جيدًا... العينان عسليتان، الشعر بني غزير ومنسدل ببساطة، البشرة قمحية، نقية وعاكسة لجمال قديم، متوسطة الطول في امتلاء خفيف، عفوية، مرحة،ضحكتها تشبه أجراس الكنائس المنسية، لا تحبذ مساحيق التجميل دائمًا، جسدها الرقيق و الخالي من الانحناءات يشبه الدمى، ترتدي حذاء رياضيًا خفيفًا (هذا عيب يمكن...
أخرج كيس تبغه ولّف بعضا منه في ورقة خفيفة، لف الورقة وهو يطوي روحه معها، كأنه يطوي السموات والارض في ورقة التبغ تلك، كانت الافكار تداعب مخيلته ربما سيحصل أمراً ما، نفض رأسه من تلك الافكار وتلفت عن يمينه وشماله ربما سمعه أحد الناجين من نيران الامريكان، كان داخله قلقلا ربما فلتت منه كلمة من...
المقهى مزدحم، الكراسي الموجودة بالشارع تغص بالزبائن، بينما هو يجلس بعيدأ، منزويا في أبعد نقطة، وحيدا، ومندمجا في متابعة العالم حوله بنظرات ساخرة. عندما رآني قادما، أشار لى حتى آراه، دائما ما يكون بجواره مكانا فارغا. إنه يوفر على حيرة البحث عنه بين البشر المتواجدين هناك. كان يطالع رواية...
لم تكن الحارة منذ سنوات بعيدة سوى جزء من أرض زراعية مترامية الأطراف، كان يمتلكها أحد الباشوات من كبار الإقطاعيين. على رأس هذه الأرض يقبع قصره المنيف، الذي صار الآن يشرف على بيوت الحارة. ترك الباشا قصره في أعقاب تمرد أطاح به، وبغيره من الباشوات، حيث غادر البلاد آخذا معه ما خف حمله، وغلا ثمنه. لم...
يبدو للكثيرين أنني أعمي وأناور في تلك الحكايات التي أقصها عبر الصحف والمجلات؛ تضج صفحتي بالكثير منها؛ في الحقيقة أبدو مندهشا حين أطالع نصا مضى عليه زمن؛ أتساءل: هل أنا الذي كتبه؟ يخالطني شك بأنني سارق لتلك الأبجدية أحسن الظن بقلمي فأراني معجون بتلك اللعبة التي أمسكت بخيوطها الأولى في كتاب سيدنا...
بينَ مدينتي السوريّة عامودا وتركيا مِيلٌ تخطّيتُ ذاكَ الميلَ بخطوة غزالٍ أو نمرٍ جريح، كنتُ وحدي آلافاً من الأرجُل والأفواه والأيدي. مُدمَّى … عَطِشاً .. حيرانَ ولجتُ تركيا العثمانيّة مع ثمانية آخرين بعدَما فقدنا شابّاً من دير الزور بطلقٍ ناريّ ارتدّ مني إليه، فلَدَغَه وغادرَ تغريبتَه الأولى...
عاد إلى الشقة متأخراً وهو يخبئها في الجيب الداخلي الذي طلب من الخياط أن يفصله له في موضع خاص فالناس لا ينظرون إلى هذه المواضع عادة. صعد الدرج إلى الطابق الخامس في ذلك المبنى القديم ذي النوافذ المنخفضة. دخل شقته وأوصد الباب بالمفتاح، ثم عاد ليتأكد من إغلاق الباب مرة أخرى. أكمل دورتين للمفتاح...
حضرت الصغيرةُ ويدُها خلفَ ظهرها ، من عادتها إذا صحت من نومها أن تأتي لترتمي على صدري لأقبِّلها على رائحةِ النوم الذي لايزال يكتبُ على ملامحِها أحلامَ الطفولة ،كنتُ مشغولًا بالنظرِ إلى طلاءِ الجدران الرمادي الجديد تارةً وأحرِّك بصري نحو السجادة المزركشة المبسوطة على الأرض ، وإلى الثُّريّاتِ...
ظهرها المنحني على برميل الزيت الضخم يؤكد ان فوق ظهرها هموم العالم، فالانحناءة ليست دليل الكبر والعجز فقط، ولكنه دليل على الهموم التي تراكمت حتى اصبحت كتلة تتشبث في الظهر "كالحردبة" كلما قست الظروف. تحاول العجوز حماية نقاط الزيت من الانسكاب على الارض، بخفة ودقة تسكب الزيت في تنكة الزيت الفارغة،...
أعلى