( إلى إميل حبيبي)
كيف أنتَ اليومَ يا صاحبي؟
أمَّا عِنْدَنا فالأمورُ مُدلَّاةٌ، بآخرِ شَعْرةٍ من رموشِ "ما يُرام".
وهُناك، فوق البَحْرِ الّذي ما كان أبيضَ يوْمًا، ما زالَتْ صنَّارةٌ(1) من قصبِ النَّهر الفقير معلَّقةً على وَتَرِ فيثاغوراس(2)، متأرجحَةً من جدائلِ صنوبرةِ الكَرْمِلِ، بين ابنةِ...
كنا قد دعينا إلى المركز العربي اليهودي، بيت الكرمة، في حيفا لأمسية ثقافية عام 1992، وبينما كنا نسير معًا مجموعة من المشاركين، بينهم "أبو سلام"، اقتربت منه وسألته، بينما نحن في نهاية شارع شبتاي ليفي في التقائه مع شارع الجبل: هذا هو عمود الكهرباء الذي اصطدمتَ به عام 1940. سرت قشعريرة في جسد إميل...
-1-
في أحد مقاهي الناصرة، وفي ساعات ما بعد الظهيرة، جلست وأحد الأصدقاء نسترد أنفاسنا، بعد أن اخترقت
جنازة إميل حبيبي شارع الناصرة الرئيسي نحو الحافلات التي كانت تنتظر لتقل جثمانه إلى حيفا، حيث يبقى هناك إلى الأبد. أحد المشيعين اليهود، لعله في السبعين من العمر، جلس إلى مائدة بجانبنا، كان يسترق...
أستمع إلى سوناتة "شوبان" "ضوء القمر". كانت هذه المعزوفة عزيزة على تشيخوف... أتركها وأعود إلى قصة "مزحة" لأنصت إليها جيدا. وأتملى كيف تولد ناديا (نادينكا) في المشهد الأخير واقفة في الحديقة تحت ضوء القمر فاتحة ذراعها كمسيح جديد، تولد من كلمةٍ وهمٍ، من كلمةٍ كذب ألقاها إليها صديقها وهُما في الزلاجة...
أذهب أحيانا إلى لشبونة، في رحلات عمل. إن لم يكن ذلك كل شهر، فعلى الأقل كل ستة أسابيع أستقل الطائرة إلى لشبونة. أفهم اللغة بما يكفي كي لا أحتاج إلى مترجم، لأنني قضيت جزءا هاما من طفولتي ومراهقتي في البرازيل، حيث عاش أبواي بضع سنوات، ولأسباب مهنية أيضا.
أعرف المدينة بشكل مقبول: إن الأماكن التي...
استفاقَت على حين غرّة. الساعة الثانية والنصف. تساءلَت عما جعلها تستفيق. نعم! في المطبخ، هناك مَن اصطدمَ بكرسيّ. أرهفَت السمع في اتجاه المطبخ. سكينةٌ تسود. سكينة تامة تسود؛ ولما مسحَت بيدها على الفراش إلى جانبها ألْفَتْهُ شاغرا. ها هو ذا السبب في هذه السكينة التامة: لا أثرَ لتَنَفُّسِه. نهضَت...
آه لو يستطيع الرجل الكئيب أن يذهب! إلى أين؟ هذا لا يهم.. فقط لو يستطيع أن يذهب.. دار في مربَّع الجدران دون غاية، ثم سقط فوق السرير.. النغم الباكي من الأسطوانة لم يعد يصل إلى صدره.. إنه يلمس جلده البارد ثم يرتدُّ ليلتصق بالجدار.. كيف استطاع أن يعتقد - في يوم مضى- أن النغم هو كل شيء؟ كيف؟
في يوم...
كانت قطة هزيلة تموء وراء القمامة، وكانت أخرى تمُدُّ قائمتيها الأماميتين بكل قوة جسدها لالتقاط رأس سمكة نتنة يطنّ فوقها الذباب، في حين كانت قطة أخرى أو قط صغير وراء ذيل تلك القطة لتشمُّم الرائحة وانتظار الفتات. جاء كلب ففزعت القطط بحُكم الغريزة، لكنه لم يُبال بالقطط ويبدو أنه شبعان ولذلك لم يلتفت...
اليهودي أبراهام، وبتحريض من جيانوتو دي سيفيغني، يذهب إلى بلاط روما، وحين يرى خبث الكهنة، يعود إلى باريس ويتحوّل إلى النصرانية.
قوبِلَت قصةُ بانفيلو بضحك الجميع، وإطراء النساء. وعند انتهاء القصة، توجهت الملكة التي استمَعت إليها، إلى نيفيليه، وكانت تجلس على جانب الراوي، وأمرتها بأن تروي شيئا...
يوميا، خلال ساعة المشي الصباحية، الأقربِ إلى النزهة، ألتقي بانتظام، وبفارق زمني ضئيل، جماعتين من الكلاب، أرستا تعايشا سلميا فيما بينهما وبين ساكنة الحي، وتتفرغ كل منهما، تحت قيادة ذَكَر مهيمنٍ، لشؤونها.
مع ذلك، في الأيام الأخيرة، صارت رؤية هذه الكلاب الأليفة، الباحثة عن طعامها، المتزاوجة أو...
تقطن خديجة في الطرف القصيّ من الدار البيضاء، وتشتغل في الطريق القصي من الدار البيضاء، تستقلّ كلَّ يوم حافلتين للذهاب والإياب معا، وفي المساء تدخل غرفتَها وقدماها منتفختان من كثرة الوقوف في المحطّات والمعمل. لا تعرف خديجة شيئا اسمه الفطور أو الغذاء. في الصباح تغسل وجهها بالماء البارد وتخرج وتمرّ...
كان المطبَخُ المعتم حيث كنتُ أقضي أفضل أوقاتي فسيحا (في الواقع، كان ذا حجم متواضع لكن، في ذلك الزمان، كل شيء كان يبدو لي هائلاً). كنت أحبّ أكثر من كل شيء أن أرى أمي تُشعل النار: رغم حركاتها الدقيقة، كنت أعاين المشهدَ بقلق إذ كنت أخشى ألا تشتعل. كانت المعجزة تحصل أخيراً فينبثق اللهبُ، أزرقَ...
هذا الطفل البدين الذي اشترى له أبواه كرة هو الطفل الممل الوحيد في المجموعة. انقسم أصدقاؤه إلى مجموعتين، وضعوا معاطفهم وجمعوها في أكوام حتى تبيِّن حدَّي المرمى، ثم بدأوا في ركل الكرة.
هذا الطفل البدين لا مهمة له سوى حراسة المعاطف، لا يمكنه أن يتسلى بمجريات المباراة، لا يمكنه أن يتناول أكلا خفيفا...
متى تفهم ؟
متى يا سيدي تفهم ؟
بأني لست واحدةً كغيري من صديقاتك
ولا فتحاً نسائياً يضاف إلى فتوحاتك
ولا رقماً من الأرقام يعبر في سجلاتك ؟
متى تفهم ؟
متى تفهم ؟
أيا جملاً من الصحراء لم يلجم
ويا من يأكل الجدري منك الوجه والمعصم
بأني لن أكون هنا.. رماداً في سجاراتك
ورأساً بين آلاف الرؤوس على مخداتك...