سرد

الخامسةُ فَجْرًا ، يصبغُ الفجرُ المدينة بحمرةٍ أرجوانيّةٍ فريدةٍ ، ثلاثة أيّامٍ بلياليها لمْ يعرفْ هذا الصبيُّ للنّومِ طريقًا . في نهجِ عبد الوهّاب شقّةٌ صغيرةٌ ينبعثُ منها ضوءٌ خجولٌ و خشخشةُ مذياعٍ قديمٍ ، أثاثُ الغرفةِ مرتّبٌ ترتيبَا يعكِسُ كثيرًا ممّا في نفْسِهِ ... كلّ هذه اللّيالي ، يقضيها...
على الجسر الطويل الذي يجتاز بها دجلة ، رغم زحام السيارات، والسيطرات وعندما تمر كل يوم، كانت تلبس ذلك الوجه القاتم ، تتلصص النظر دون أن يراها احد، غارقة بعالم من صنعها، لا يمسه غيرها، تكللها نظرات الرجاء التي تودعها بها أمها، ترقب الطفلة التي شاخت، ترجو الله أن تعود إليها كل يوم، ضاقت ذرعا...
ظلت عيناه تتنقلان بين الرضيع الغافي على صدر امه وبين الصحراء المترامية الاطراف عن يمينه وشماله فيما يتهادى الباص كهودج فوق بعير سكران . ما أن اسند رأسه على المقعد المرتج عله يحظى بأغفائة اسوة ببقية المسافرين حتى تجمعت حوله ذكريات قريبة وبعيدة كقطيع كلاب سائبة لكن ذكرى زواجه المشؤوم كانت الاكثر...
عبرَ الساحة وسط ضجة العربات وصريرها، تدافع المارة وجرى بعضهم وراء البعض الاخر، كانوا يصدرون من حولهِ ( وهو يعبر نحو الضفة الاخرى ) اصواتاً وحركات غريبة، كأنهم يقلدون اطفالاً يتدافعون في ساقية ضيقة . حركات كالايماءة او الاشارة، والغبار يتصاعد زوابع صغيرة تتسع وتكبر وسط فوضى الطريق، رأيت رجالاً...
تجاوزت منتصف الثلاثين وما زالت تتمتع باطلالة نضرة وجمال اشقر مرغوب يلاحقها ذات السؤال :لماذا لم تتزوجي لحد الأن وكلك محاسن وحسنات ؟ وتجيب بابتسامة باهته : أنه النصيب. شهادة الدكتوراه ونبل المحتد وفوق ذلك كله نقاء في السريرة وعفوية محببة لم يلوثها زيف أو نفاق وأن شابها القليل من الزمجرات التي...
لا.. لن أروي هذه الحكاية لأحد.. من سيأبه لها ؟ من يأبه لأمري أنا أصلا”! نجحت أخيرا في تسلق سلالم العيادة . عيادة الدكتور “مراد نزال” ومع كل خطوة أخطوها وكل درجة أصعدها كنت أتوقع أن يهاجمني الديك . ديـك !! سيضحك مني .. سيضحكون مني جميعا . أنا حذر .. حذر للغاية ولم يقم ديك ما بمهاجمتي حتى الآن ...
عندما اقترب الملك فيليب من سرير فيلاديلفيا الملكي، حيث سيلقي ملكته الباكر لأول مرة على السرير المعظم لتصبح ملكة الأمة الإغريقية، كانت منطرحة على ظهرها وقد أقفلت عينيها، منتظرة أميرها ليلبس خاتمها غير الملموس، بأفعوانه المشهر سيفه، الذي استقام وقد سالت من فوهة قمته الرطبة لتوها قطرات عسل أبيض...
كذب الذين اتهموه بالبحث عن الحقيقة. هو لا يهمه أن يعرف تلك الحقيقة في شيء. إنه فقط يبحث عن شيء من الفرح الممكن حتى يكون كالناس جميعا، كما يقول دائما. وجهه شاحب. و"شرارة" الحمّى ما تزال على حالها عالقة به، تفعل في جسده النحيل فعل الموج في الصخور. أحيانا تنخفض حرارتها إلى أدناها، فيبدو شخصا...
إهداء: إليها دائما: إلى دمشق العتيقة حبا وكرامة " هو أبو العباس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان. كان يلقب بالمكتفي بالله، وكان مصروف الهمة إلى اللهو والأكل والشرب وسماع الغناء. وكان نقش خاتمه: يا وليد، احذر الموت" مآثر الإنافة في معالم الخلافة القلقشندي أسأل الله سكرة قبل موتي = وصياح...
"مخيمر علوان... مخيم..." همس لنفسه بهذا الاسم، راح يلفظ به بطريقة مسرحية فجة، تحسس الحروف الفخيمة وقفز في مكانه ملوحًا كأنه اكتشاف، ذلك هو الاسم الذى ارتضاه ليكون الراسل الوهمي لخطابات يرسلها لنفسه بمعدل ثابت، كل أسبوع رسالة ممهورة بالاسم الكريم. كان ذهابه إلى مكتب بريد "العباسية" ليؤكد...
كانت حياتي تمر بحالة تثاؤب فاردة ذراعيها على مقعد مريح ترقب البحر بعيون كسلى... قررت فجأة أن أتواطأ ضد صمت يغلّف عقارب الثواني لتستحيل إلى دهور مرعبة.. قررت فجأة أن اركب أول طائرة إلى " أديس"... فاجأتني هكذا رغبة الرقص،، هذه هي أجسادنا ، تباغتنا أحيانا "أحيانا..؟؟؟" برغبات مضحكة وربما شريرة، لا...
- يا سيد عشماوي؟ - نعم سعادتو. وضع الضابط مدير السجن نظارته على سطح مكتبه الوثير ومسح عينيه بجماع أصابع يده اليمنى. - يا سيد عشماوي.. أنت الآن اكملت خمسة عشر عاما في عملك هذا... وقبلها كان والدك رحمه الله هو من يقوم بهذه الوظيفة... - نعم سعادتك.. - لقد كنت منضبطا تماما خلال تلك السنوات لكنك في...
عزيزي ساراماغاو، أعلم جيدا أنك ترقد الآن بسلام أبدي في مكان ما في العالم، لكن يقولون أيضا أن الموتى يمكنهم سماعنا والشعور بأوجاعنا. وأنا أثق أن قدرا قد يحمل رسالتي إليك سريعا! كنت وحيدة وحزينة، إلى أن قرأت روايتك الموسومة بالعمى! ورأيت من خلال شخوصها، كيف للمرء الأعمى أن يستطيع العيش في مجتمع...
عدت. ليتني ما عدت. كنت هناك بألف خير. بمليون خير. ما هكذا يستقبل أبناء البلد الحرّ. لست أدري ما الذي غير بلدي أو بالأحرى أهل بلدي، إن كان يحق لي أن أتحدث عنه بضمير المتكلم. قبل العودة كنت أحترق شوقا لوضع قدمي على هذه الأرض السعيدة، لكنني اليوم اكتشفت وتأكدت بما لا يدع مجالا للشك بأنني كنت واهما،...
انبعث هواء بارد من مكان ما، فاخترق دائرة الحرارة الصيفية الخانقة، ثم تبعته رياح رقيقة متتالية. بدأ الصيف في الانسحاب تدريجيًا، وانشرحت الصدور. باب موصد ونافذة مغلقة… ظلت روحي بهذا الشكل لأيام وشهور، معتمة، قاتمة، تفتقد الهواء، أبحث عن منفذ لأخرج منه ولا أجد. حتى ظننت أنني سأظل حبيسة هناك إلى...
أعلى