سرد

كانت تسكت أمي‏,‏ تبتلع دموعها في صمت‏,‏ أرهف أذني لصمتها‏,‏ أحاول أن أعرف من هو أبي وماذا كان ؟ أتأمل ملامح وجهه في ضوء النهار‏,‏ في الليل أحملق في صورته تحت ضوء اللمبة, تتغير النظرة في عينيه مع تغير الضوء والمكان الذي أقف فيه, أمام دولاب الملابس أو وراء مكتبي, تبدو نظرته قوية ثائرة مستقيمة...
وقف. نظرحوله. رأى أمامه سلما متلويا وممتدا الى حيث لم تستطع عيناه أن تريا له نهاية. تلمس الجدران، ثم راح يصعد درجات السلم وهو يعدها:درجة.. اثنتان.. عشردرجات.. عشرون.. مائة. عندما نسى الرقم الذى وصل اليه، وفشل فى تذكره، راح يصعد الدرجات دون أن يهتم بعدها. فكر أن يسلى نفسه؛ فحاول أن يغنى. بحث عن...
أغمض عينيه ليرى، بينما الحمار الذي يمتطيه يمضي في طريقه صامتًا متطلعًا في لهفة إلى حقل البرسيم الممتد عن يمينه. تحول النهار أمام مقلهما الأربع إلى ليل، ورأى نفسه يدخل إلى هذا المكان الغارق في الضوء الملون، ليلمح الوجوه التي تلمع خلف الطلاءات الفاخرة، منتشية بنور الشهرة، والعيش المريح. كان فتى...
كل الدروب تقود إلى الجنوب، المنسي والمهمل في كل زمان ومكان، فقط يتم ذكره عند الكوارث والملمات، تعلو وقتها الأصوات المطالبة بالانتباه له، والعمل على تنميته وترقية أهله، فوران وقتي سرعان ما يطويه التجاهل، ليعود الحال كما هو دائما، من استغلال ونهب للخيرات والثروات؛ لكن ما العمل والبوصلة تشير دوما...
تجمعت قافلة من عشرين جملاً، على الضفة الغربية لقناة السويس، أمام كوبرى الشط الذى أقامه المهندسون على القناة، وكانت محملة بالمؤن والذخيرة، وقبل العبور قصفتها الطائرات الإسرائيلية، فحدث اضطراب بين الجمال، وبعد السيطرة عليها، شرعت القافلة فى العبور باستخدام المركبات البرمائية، تلاحقها القذائف...
كتبتُ لك هذا الخطاب في ذهني مرات، مسحته، أعدتُ كتابته، مسحته ثم أعدتُ كتابته وألحَّ عليّ، صرت أنطقه لنفسي نطقاً، وأهمسه لنفسي همساً، وقد كنت أظن قبل اليوم أن آثار الجرح القديم قد انمحت، وأن بقايا الأوصاب قد عفا عليها الزمن، وأني أخذت نفسي بشدة لم تعتد عليها نفسي، كل هذا لأني أريد أن أجعل نفسي...
أدمنت الشوارع خطواته المنتظمة ومساراته المحددة سلفا يصحو بوقت محدد ويغادر منزله الذي يتقاسمه مع نساء ولدن ليلة تتويج فيصل الاول ملكا على العراق يتخذ مكانه المحدد هو الاخر ويشرب قدحا محددا من الزهورات في المقهى المحدد والذي اصبح روضته مذ وطأت روحه بلاد الشام سفيرا بلا سفارة ليس لبلاده لكنه صار...
كانت زراعة القمح هى الزراعة الغالبة فى قريتنا .. وكان محصوله يأتى بأجود غلة فى المنطقة على الإطلاق .. وكانت أيام الحصاد هى عيدنا كل سنة .. وكنا نتخلف عن المدرسة بسببها .. حتى وإن اقترب الامتحان .. وعندما يتكوم القش فى الأجران وتدور عليه النوارج .. كنا نشعر بالبهجة الحقيقية للإنسان.. وبعد...
انقطع التيار، فجأة، وأنا في الشارع. سادت الظلمة، وأحسست أنني-على غير انتظار- أنبعث في هذا الليل. بدا العالم حولي كأنما ولد من جديد في هذه اللحظة. بدا طازجا وأليفا خلال صفاء الظلمة، حتى أن هواء الليل البارد قد استحال نسيما يرطب جبهتي، ويملأ صدري بالانتعاش. شعرت على نحو مفاجئ أنني أفتقد...
( كان الصباح الباريسي مذهب الحواشي، من رغوته الوردية تصاعدت اعمدة – المادلين – الشبيهة بالكعك السويسري مسترخية علي نهديها، واوراق الزيزافون تدثر اروقة ألكنيسة بالدفء .. انسل قط اصفر اللون، نزل السلالم المرمرية في حركة متموجة ، اخترق ساحة بائعات الزهور – وجادة الريفولي – غير عابيء باشارات المرور...
مثلث جغرافي لا يكاد يعرف غيره، البيت والمقابر وسوق الجمعة.. ثلاثة أماكن ـ مرتبة حسب الأهمية ـ يتدله في حبها.. ليست مجرد أماكن وإنما معالم في جسده وروحه، وقلبه وعقله، كل منها له أدواته ولغته وناسه وأحبابه، وهو فيها جميعا صاحب كلمة وهيبة.. له أيضاً حب راسخ وإعجاب. الأماكن الثلاثة لا يحتاج...
( 1 ) جلسنا حوله : أنا، والمدرب، وعازف الفلوت. كنا أصدقاء من شباب جيلنا فى مدينتنا الصغيرة. وكان هو على رأس حلقتنا يواصل إصلاح مدفع رشاش صغير فى يده. يجلوه بمبرد، وخرقة، وزيت، ويتحكم فى تثبيت إبرة الطلقات بآلات دقيقة لم أر مثلها من قبل، إلا عند من يصلحون الساعات. وجه أشقر، عالى الجبين،...
كانت حسنةَ الوجهِ .. ناعمةً .. رقيقةً .. منذَ أكثرَ من عشرينَ عاماً ظلَّت والدتها تستعدُّ لزواجِها ؛ لكنَّ النصيبَ لم يطرقْ بابَها ككثيراتٍ غيرها. ـ أتت إليه بعدَ إلحاح الأقارب والأصدقاء ليفكَّ عنها ( السحر ). طلبَ من أمِّها الخروجَ لتبقى معه بمفردِها.. هي إنسانةٌ مثاليَّةٌ .. لكن ماذا عليها أن...
قِصَّةٌ قَصِيرَةٌ موشي بولص موشي مَتَاهَةُ الْعَقْلِ الْبَاطِنِ تَيَتَّمَتْ وَهِيَ فِي مُقْتَـبَلِ الْعُمْرِ، عَاشَتْ فِي كَنَفِ شَقِيقَتِهَا الْكُبْرَى، وَبِمُرُورِ الْأَيَّامِ تَخَالَفَتا فِي الرُّؤَى وَتَنَافَرَتا، وَبَعْدَ...
منذ حين انهى كبير الحي كلامه والنسيم ينبعث من مكان ما ، الوافدون على حلقة الجدار يكابدون مثقل سهوم أوهم الكبير بأنهم في حالة انجذاب كلي اليه، رغم أن الاستماع في مجلس الجدار أنهى مذاقه: ــ الكل يمعن في الإنصات الى فوران نفسه قيل هذا من جانب ما، وتراجع الذي حاول أن يقوم، وكدأبها مرت فتاة الحي...
أعلى