نعم يعشقون حدَّ انقطاع الشهيق، وفي عشقهم يُذكون جذوة الجنون، لعلَّهم للعشاق فنوناً ينحتون، ولمن ما لا عهد له بالحبِّ من قبلُ درساً به يقتدي؛ يرسمون، ألم تَحكِ عنهم ما سطَّر القوالون بحقهم؟ قصصاً تثير الدهشة، وأشكال الحكايات، حدَّ الخيال منها نُسِجتْ، ومنها ما كان قاب قوسين من التصديق، وأجمل ما...
الشمس تشرق من شقائق خدها، تستقبل الصباح ببسمة حانية، مهوسان بالبحر مثل طائرين أليفين، فوق صخرة وحيدة عائمة فى بحر مضطرب،
لا يشتهى وطن سواها،
عيناه واسعتان سوداوان مشرقتان، تمنح الناظر لهما شعور بالسكينة والإطمئنان، روائح البلل والرطوبة تطوق الأماكن والملامح، يحاكيان البحر كل يوم، ويبحران فى صخب...
كل ليلة تزورني. منذ اليوم الذي قررتُ أن أتهاوى نحو سفح الطفولة البعيد كي أنضج، تجرأتْ على زيارتي. ومنذ اللحظة التي اخترتُ لي فيها ميلادا جديدا على مقاس حواسي الداخلية لا أكثر، استأنستْ بصحبتي.
كل ليلة بطيبها تأتي إلي. وكدُمى الماريونيت تتراقص حولي، فتغدو غرفتي التي لطالما شابهت بقية الغرف...
على الطاولة التى لا يغيرها فى المقهى، جلس الخمسيني، الذى كثيرا مايشير لأصدقائه المتزوجين. ساخرا وضاحكا : أن القطار قد دهسهم وفرمهم، وأنه فى فى مأمن دون زواج،
يتابع رواد المقهى، فى رياضة يعشقها، ألا وهى قراءة وجوه الناس، وفك بعض الطلاسم التى تستعصى على الأفهام، ورسم بورتريهات للوجوه التى تمسك به،...
غريب لا أعلم متى سأصل إلى داري، منذ آويت إلى هذه الحارة أعاني من الوحدة، لا أحد يهتم بي؛ تنفر مني النساء يبدو أنني مصاب بالجرب، هل كتب علي التشرد في بلاد الله؟
أشعر بأنني بلا جذر يشدني إليهم، أو على أقل تقدير لم أجد منهم اهتماما، إنه ازدراء بلا سبب، ربما لخلقتي السوداء المتفحمة، رغم أنهم لا...
في جو قائظ جرجر قدميه على طبقة الأسفلت المتآكلة. ضج الشارع بالمارة، و مرقت السيارات غير آبهة بأحد، و أسرفت في إطلاق عوادمها، مكونة سحبا سوداء، غشي دخانها وجهه المربد؛ فشعر بالاختناق و الغثيان، و ما إن لمح مقهى بلديا، يناسب ما في جيبه من جنيهات معدودات، حتى تقدم نحوه بفارغ الصبر، و ألقى بجسده...
(١)
شعرت بالضيق حين عرفت بموت ثويبة، ليس لموتها، ولكن لأنني تذكرت ان اللحم كان في اللحم، ذلك اللحم الدافئ الذي سيبرد الآن ويتفسخ، ربما هذا ما جعلني لا أتذكر وجه كفاح حين اقترب مني، وجهه المشعر كالقرد، حتى أن ملامحه تختفي تحت شيبه المتكدس كاللباد مخفياً شبابه الضائع. ورغم إحراجي لكنه لم يرتبك،...
منذ شبابه وهو مع الشيخ ، رافق كثيرون مع الشيخ ، جنود من الجيش ، مسلحون من القبائل ، شباب من أقارب الشيخ ، لكنهم كانوا يرحلون ويأتي غيرهم ، إلا هو فقد قرر البقاء مع الشيخ إلى نهاية عمره ولإخلاصه للشيخ فقد عينه المرافق الشخصي له فكان الوحيد الذي يركب بجواره في السيارة ، لا يفارق الشيخ حيثما حل أو...
نجلس أنا وأنتِ إلى المنضدة التي تجمعنا كل يوم، صامتين، كعادتنا منذ سنوات. نستعد للإفطار. أنا وأنتِ. تمدين بصركِ إلى الجدار الأزرق الفاتح خلف ظهري. أتملى وجهكِ بعمق وحب ويأس. أروح وأجيء أجلب أطباق الطعام من المطبخ. يجلد قلبي أمل لا يموت. أجلس أمامكِ. أنا وأنتِ. عيناكِ تنظران بشرود خلف ظهري. لا...
قمت من نومي فزعا؛ الكلاب في الخارج تواصل نباحها، يبدو أن ما رأيته كان كابوسا مصنوعا من سراب؛ آلة عملاقة تحرث النهر، تمسك بي زوجتي، يصرخ أولادي، هذه كارثة، فتحت جهاز التلفاز، مذيعة تنشر شعرها وتضع أصباغا على خديها، حمالة ثدييها تضج من ضيق، تلمع شفتاها حمرة، تلتهب غريزتي،إنهم يفلحون في إثارة...
بعد المعاش ووفاة أم أولاده، إكتشف مرارة الغياب والوحدة، فقرر القراءة فى البداية كان يقرأ كل شيء، ومع تنوع القراءة إكتشف سحرا فى الرواية، التى تشده من الغلاف للغلاف، فعشقها ولم يعد يقرأ غيرها، كما وجد براحا متسعا وقتل للوقت، فى نوادى الأدب، كل من حوله إما كتاب أو نقاد فى شتى مجالات الأدب، مابين...
غادرته الزوجة التى لم تكن تشكو مرضا، بعد خروجه على المعاش بستة أشهر، أصبح نهبا للوحدة، بعد أن كانت كل شىء فى حياته، الأولاد كل منهم له حياته وأسرته، تكفيهم هموم العيش، البعض أشار عليه بالزواج بعد رحيل الزوجة، لكنه رفض، لديه الأولاد يعيش بهم ولهم، أصغر الأبناء يعيش معه فى آخر تعليمه الجامعى، صارح...
– 1 –
“الواد زرافة الحنجور” هكذا تلقينا اسمه، وتداولناه ، نحن صبيان القرية المنبسطة كبقعة صدأ تتوسط خضرة الغيطان، دون أن نسأل عن سبب هذه التسمية الفريدة في قريتنا. كان يملك قامة رجل، غير أنه يتماوج ويترنح في مشيته مثل زرافة، وفيما بعد قال لنا الشيخ درويش فقيه الكُتاب : إن الواد زرافة مثل زرافة...
كانت المعلمة نيبوث توأمة، رقيقة القلب ،فائقة الجمال، بشامة صغيرة حلوة تنتصب بزهوٍ، في الجزء الأسفل من خدها الأيسر، تزيد محياها فتنة، أما صوتها ففيه شيء خبيء من السحر، ما إن نسمعه حتى يدغدغنا إحساس مجنون يبعث على الخدر، لكأنما هب علينا في الفصل موجة من نسيم عليل.. لم أنس مرة، كان القدر قد مَنَّ...
هذا الرجل الذي يعاني شظف العيش ، يكدح لسد عشرة أفواه ، سرق عقلي الصغير ولم أكن قد أتممت السادسة من عمري ، حين يردفني خلفه على الحمار ، فكانت الرحلة من البيت للحقل مزروعة بعلامات استفهام تكاد تقتلع عقلي الصغير من موضعه ، فكلما مر بنا رجل أمسك برأس الحمار متوسلا باكيا : ادع لي يا عم الشيخ ،...