سرد

جارت عليه السنوات وأشعلت رأسه شيبا، وأحنت ظهره الحقائب المثقلة بالشجن والتى فشل فى إفراغها، يسرج خيول عربات المساء، رغم كل السواد الذى يحمله، والأقدح سوادا من هذا الليل الذى تمدد في العيون والشوارع وواجهات البيوت، يقلب فى دفاتر الغياب والوجع، كل شيء باهت تحيط به هالة من ضباب مصفر، تداهمه شتاءات...
جاءتْ وكأنها تحمل جسدها على كتفها، حتى خطواتها على سديم "قسم الإرشاد الأسري" ليس له دبيب أو أثر من الخجل والاستيحاء الواضح كلياً على محياها. الإدارة قد وضعت اختصاصيات عند المدخل، عارفات بعملهن النسوي والنفسي ومتدربات جيداً لاحتواء أي حالة مهما كانت..! فعيون المرأة تعكس الواقع، وتضفي عليه بريقاً...
بذلت جهدا كبيرا، كي أقنع أمي بواجب التعزية في وفاة أبي، صحيح أنني كنت قد قاطعته منذ مدة قصيرة، لكن أصر عمي على حضورنا، فأنا وريث أبي الوحيد. سلّمت أمي لمجلس النساء، تجاهلتها جدتي، و احتضتني بنحيب قائلة: ـ من رائحة المرحوم. رائحة...رائحة أعادتني لصراخهما الذي أرعبني ..جلست في زاوية الغرفة...
ذات مساء يوم ثلجي، كان السيد رولكس آدامز مع زوجه السيدة جين واولادهما بيتر وأماندا في طريقهم لحضور حفل راس السنة في بيت اخيه جورج آدامز عند مدينة غرينتش . السيد رولكس من اثرياء لندن ويمتلك مع اخيه شركة كبيرة للشحن البحري على نهر التايمز ويعيش حياة سعيدة ومستقرة مع عائلته. وعند وصولهم...
تجمعهما الجيرة، والسلم فى الصعود والهبوط، وفى الأسانسير، بينهما بعض ود وإستلطاف، وعشرات الممنوعات لإستمرار الميل لكليهما، بينها الحب، أول الممنوعات، هناك فروق عمرية، هى أربعينية وهو فى خريف العمر إلا قليلا، ولا يخفى ذلك، ويحترم هذا الإختلاف، لا تتوقف بينهما كيمياء التفاهم والإحترام، والمشورة...
هيا إستيقظ، كيف لك أن تنام حتى السادسة مساء، إنه خريف أسمرا البارد، لقد أعددت لك آخر عشاء قد تجد فيه لحماَ، وأنفقت راتبي الشهري كله في هذه الوجبة!. لا تُظهر مشاعر الضعف، يجدر بك الآن أن تدخِّر هذه الدموع حتى الصباح. أعلم أن هذا صعبٌ جداً عليك؛ أن تتركني، وأن تترك أخاك الأكبر الذي لم تره منذ...
الرغبة فى الكتابة تعادل الرغبة فى الحياة، الوحدة والغياب سبب يدفعك لنزف الجرح على الورق، والتى لا تتوقف عن تفاصيل المشاعر التى تضربك فجأة، أيامه المشحونة مع من أحبها، بردت وتقلصت وإستكانت فى ذاوية من نفسه، بعد أن أحب جمالها الفالت الغير قابل للقبض، تبدو كممثلة هوليودية، جميلة إلى حد التوحش،...
حصاد القمح من الأعمال الشاقة لأنه يكون في شهر اللهيب وسنابل القمح لها غشاء مدبب لو لمس صفحة الوجه يعمل بها ما يعمل الموسي الحاد ، واليوم طويل من شروق الشمس لمغربها . فكرت وتدبرت ، لماذا لا يكون الحصاد ليلا ؟ أقنعت أخي الأصغر بأن نعود للبيت لنلتقط أنفاسنا ونتناول الفطور ونأتي لنحصد حتى السحور ...
هو مصنع، مصنع أو لص حديدي، كعقل الفصامي، في هذه اللحظة بالذات، يبدو صوت وقع حذائي واضحاً، فالفراغ مشبع بالصمت. الصمت الثقيل، ستسمع صوت سقوط برغي، وحتى موجاته حين يدور حول نفسه ثم يستقر على جنبه كراقصة باليه في بحيرة البجع. "لا غزل بعد اليوم.. توقفنا.. إنها حرب قذرة تلك التي ارتكبها المنافسون...
لم يدخل عم "جابر الرحالي" المدرسة ابدا.. هو فقط يحفظ بعض قصار السّور لزوم صلاته.. وسيرة ابي زيد الهلالي.. والزير سالم.. وعنترة بن شداد لزوم.. جلسات الشتاء الليلية الطويلة التي تجمعه.. مع كبار الحومة.. في منزله البائس.. حول كانون يُطبخ عليه شاي ثقيل.. يعمل "عم جابر" بائعا مُتجولا.. ينتقل بعربته...
تعلقت بذيله، يركب حمارا له برذعة مزركشة، الأمهات يتركن صغارهن وراء الرجل المبارك، أنا دائما أتبع خطواته، حيث يدلف في ممرات الحارة الخلفية، مولع هو بأسرار النسوة اللائي يضعن الحناء في شعورهن، لهن عيون تتحرك رموشها سهام ليل لا تخطيء فريستها، تقال عنه العجائب، وفي كل مرة يختمون حديثهم بأنه رجل...
سمير طبيب حديث التعيين في مستوصف قريب من مسكن والديه. في كل صباح وبعد كل ظهيرة، تعود المرور من خط سير يوصله بسرعة إلى عمله. إنه الشارع الفسيح المظلل بأشجار مصنفة من الأنواع الناذرة. يتمتع بخشخشة أوراقه المتناثرة على جنباته، ويتذوق في بهجة وحبور دائمين زقزقة العصافير المغردة في فضاءه الخلاب. يزهى...
كلماته تتماسك كلما توالت فى جمل مترادفة، تسرى خافضة راجفة، فيسرى الدفء والطمأنينة فى أعماقها، تعيش الحب الذى عصف بها، وأستقبلته بطريقة الذوبان فى أول نهر يصادفها، وهى لا تعرف بعد العوم، مستسلمة لوقدة الحلم، رسم لها لوحة فاتنة، ألوانها دافئة صافية، شموسها تشرق لا تغرب، أشجارها مورقة مثمرة نضرة،...
البحر أضحى كائن يثور ويغضب ويزبد، كل صباح يلقى بمركبه الورقى وسط الموح ويسافر مع محبوبته، إلى بلاد الأحلام والسندباد، حبيبته هجرت مركبه الورقى، الذى طوحه الموج والإعصار، وركبت مركب به أشرعة وقبطان، صفت به حقائبها، وجواز سفرها إلى مدن وعوالم أخرى، مازالت الصخرة التى تحمل أسمائهما، تصفعها الأمواج...
في طريق وعر، نجري بصعوبة قبيل الفجر هائمين على وجوهنا، يتملكنا الرعب ويحيط بنا الخوف، لا نحتمي من البرد القارس فوق الجبل سوى بسماء ندعو في كل شهيق وزفير أن ترحمنا، انتفض جسدي بعدما سقط زميلاي من شدة التعب، أتساءل: هل كان حلمًا، لا بل كان كابوسًا فظيعًا: خدعنا المهرب! ليست النهاية التي رسمناها...
أعلى