5
كان يقول في كل مرة هازئاً:
- "مَنْ أَعطى ثُقْبهُ لا يُوثقُّ بهِ"(25) ..
كنتُ أعرف أنه لا يشير إلى ثقب التاريخ الذي تشبَّث بعروته، وجعل منه مهمازا يهمزُ حصانه الطائر. بل كان يشير إلى حالة أخلاقية. هل يذهب بقصده الى المؤرخ الذي لم يقل سوى الحقيقة التي أراد ان يفرضها علينا، وأهمل الحقيقة التي...
جلس في جحره تحت السلّم وأمامه منضدة ، صف عليها دفاتره الخمسة، وقد سطر فيها أسماء ثلاثمائة موظف هم العاملون في تلك المؤسسة . مع أول مطالعة للوجوه تظن أنك دخلت دارا للمسنين ، أغلبهم من الأربعين حتى ما قبل الستين بشهور أو أيام ، الشباب فيهم نادر جدا، ويغلب عليهم المعوقون بعد ما اقتصر التعيين على...
يقول شمس الدين النواجي:
هي في الهوى ديني فلا يقل العِدا
أني فتنت بحبها عن ديني
من نهدها الحالي بعنبر خاله
أنا مقسم بالتين والزيتون
سبحان من أنشا وعدل قدّها
غصنا وأبدع خلقه من طين
يا كعبة الحسن التي قد اذهبت
نسكي وهاجت لوعتي وشجوني
نيابة عني و أصالة عن عماد الدين وآخرين.
حبش يا رسول الله
ملأت...
مضت ساعات منذ بدأنا سيرنا بمحاذاة الشاطيء، بدأنا مع بزوغ الشمس، كنا - أنا وهي- على أعلى درجة من درجات الصفاء والبهجة والنشوة الحالمة.
ابتعدنا كثيرًا عن مقر إقامتنا في المصيف، تركنا كل متعلقاتنا وانطلقنا، فقط ملابسنا الخفيفة التي نرتديها، كم كنت أنتظر نزهتنا هذه! تلك التي نبرح فيها العالم ونعود...
حين انتهى من رواية" ثلاثية غرناطة" مثل أبو عبدالله الصغير أمامه؛ حين مر بهذا المكان تذكر كل هذه الأحداث... الباب ما يزال موصدا؛ تقف على جانبي السور خيول وجنود يرقبون كل شيء.
ترسل راشيل أو ماري أو غيرهما سفنا تقتحم البر تنزل الرايات الخضر فتحيلها حمراء تنزف!
أصوات لا يتبين مكانها لكنها تتوالى...
قال الصديق الذي يجلس بجانبك:
ـ من يراك تتناول قهوتك على عجل، يعتقد بأن وراءك شغل أو مهمة ستنهض إليها، لكنك تُخيّب ظنه!
نظرتَ إليه مبتسما وأجبت:
ـ أنت تعرف بأنه ما دمتُ قد انقطعت عن التدخين، فأنا لا أحتاج إلى القهوة كل الوقت الذي أقضيه في المقهى.. وأتذكر دائما تشبيه مهدي (الكسّال)* بأن القهوة...
4
قالت "العمّة أمينة" محذرةً "فؤاد" من عواقب الدخول إلى البيت المهجور، مرة أخرى:
- الجنيَّة التي كانت تسكن بيت "يهوده" هي التي قتلت "نهيّة".
كان ولداً جريئاً جداً، لا يخاف الجنّ، ولا العفاريت، ولا الطناطل، ولا السعالي التي كانت تسكن باطن عقول أغلب الذين كانوا من حولنا، وتجول بمرح، وحيوية...
كلف الروائي العجوز نابوكوف، مؤلف رواية لوليتا الشهيرة ، المصور الخاص بأحد شواطئ البحر الاسود ، أن يصور له ، امرأة معينة، فاتنة في العشرين من العمر ، يهواها قلبه الضعيف، حيث تسكن هذه الفتاة، في الغرفة المجاورة لغرفته في الفندق ، كانت قد نزلت الى البحر قبل ساعة لتسبح حيث ستمضي وقتها هناك حتى غروب...
كالوردة تحتاج مَن يسقيها !
في مدينة الجفاف المعبّأ بالزجاجات، وقبيلة القحط المقنّع، وبلاد صلاة الاستسقاء
هناك حيث تعلّمتْ السجود للمطر
لأنّ المطرَ بعيدٌ كما يبدو في تلك البطاح
وقد ينساها المطر في زحمة الأسماء المنتقاة
وإن تذكّرها متأخّراً، فلن يأتيها رذاذاً وبرداً وسلاماً، بل قد يأتي تهطالاً...
الجو صباح رائق جميل بهيج نسماته لطيفة، عصفور صغير رشيق يحلّق لاعبا مع النسمات، يقترب من نافذة عالية مواربة، يدخلها... العصفور في العتمة الخفيفة كأنه طيف حلم يمر من غرفة إلى أخرى... شاب نائم في سريرواسع، راح العصفور يزقزق ويرف بقوة فوق رأسه...
لم يفتح الشاب عينيه وإنما تبسم، وأخذ يتقلب بدلع...
ملء شدقيها تضحك .. متجاهلة حزنا في القلب يعشّش.. تتعالى هي اليوم على حزنها، قهرها، هزائمها أيضا. هي ذي تستقبل العام الجديد بقصّة شعر جديدة .. تشتري باقة ورد تهديها لنفسها .. تتعهّد كما كلّ سنة بآلاف الوعود، ستصبح نعامة من فصيلة لا أرى، لا أسمع، لا أتكلّم. وما دخلي مادام لا شيء أصابني .. تقسم...
بقيت " حبابة " جارية الملك العباسي، بعد وفاتها، مسجاة في قصره، وهو جالس عند رأسها يبكيها، مدة خمسة عشر يوماً ، لا أحد يعلم من حاشيته، كيف ماتت، الا أن شائعات الحاشية، خلف الستائر الحمر بين أركان القصر، تقول أن ولده هلمان أبن المقدونية، هو الذي قتلها بالسم، بتحريض من أمه، بسبب إنشغال والده ليلا...
بوراس رجل لا يعرف له الناس اسما غير هذه الكنية. هل كان وحده ذا رأس وبقية الناس بلا رؤوس حتّى يختصّ بهذه الكنية دونهم؟ طبعا هذا مستحيل، ولكنّ شكل رأسه الغريب هو الذي منحه هذا الامتياز. لقد كان رأسه أقرب ما يكون إلى مطرقة ضخمة، ولو نظرت فيه مليّا لوجدته مركبا من أربع قطع متلاصقة، قطعة مربّعة هي...