قصة قصيرة

كلُّهم، إذا أوَوْا إلى فراشهم، استولى عليهم سلطانُ النوم، إلّا أمّ جعفر: إنْ نامت نام طيفُه الحبيبُ معها، وإنْ صحتْ صحا طيفُه الحبيبُ معها. تشتاق إليه، فتُحادث طيفَه، حتى إذا رآها غريبٌ ظنّ مسًّا أصابها؛ أو تُكرّر على أولادها صفاتِه؛ أو تتلهّى بمشاهدة صوره طفلًا ــ ــ وأحبُّها إلى قلبها صورتُه...
مهداة إلى الأستاذ مصطفى صادق الرافعي لم يرقها اليوم أن تجلس إلى المرآة جلستها الطويلة، فدلفت إلى النافذة تنوء بهم ثقيل على صدرها، واتكأت بمرفقها على حافة المقعد، ثم أزاحت السجف وجلست ترقب الطريق. وصك أذنيها غناء المغنيات في بيت جارتها كريهاً نابياً كأنما ينعى إليها الشباب. .! لقد جاوزت...
ـ أنا سميرة مرات المرحوم الكابتن عوكل . بهذه الجملة الخارجة من فم أمرأة علي بعد أعوام قليلة من الاربعين مازالت تحتفظ بمعدل معقول من الجمال وعيون كانت فيما سبق خضراء فاجأتني سميرة. كنت علي عجلة من أمري, فلقد تركت الشاي علي النار والكومبيوتر يعمل والتليفون بدا رنينه المزعج قبل ان أضع يدي علي...
"هل أخطأت حين انتظرت سرابًا لايأتي اسمه الحب ؟!!!" .. تساءلت - في حوار ذاتي – النفس، وهي تسيرعلى غيرهدى .. سنوات وسنوات تمضي، وهي ترفض الزواج على نفس الطرق البالية القديمة، التي تدفعها إليها أهلها، لمجرد أن تتزوج، وأن يرتاح بالهم، ويطمئنوا عليها - على حد تعبيرهم .. حالة من السخط، والضجر تنتاب...
فى قرية كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، ما كفر أهلها يومًا بأنعم الله عليهم، كانت تعيش فاطمة بين أهل هذه القرية، زوجة لموظف بسيط، يدعى حسين أو ( سى حسين ) - كما كانت تناديه دائمًا - يعمل بالسكة الحديد، فى مبنى مجاور لمحطة قطار البلدة ( عامل تحويلة ) . قضت فاطمة أولى أيام...
لي وحدي هذه الصفوف الثلاثة المستطيلة، بكل صف خمس عشرة نجمة صغيرة. والمحصلة خمس وأربعون نجمة. نجومي نقاط ضوء، حولها وميض كريستالي رقيق خلف زجاج الكشَّاف الذي بالكاد يطاول نصف ذراعي. هذا العدد الهائل من النجوم، في الوقت الذي تغيب فيه نجوم السماء الباهتة؛ هو حظي، منحتي في سويعات انقطاع الكهرباء...
عجز الحكماء و المؤرخين من تفسير الحالة , و اقتنع الاطباء بأنها قد تكون مرضاً و حاولوا عبثاً تحديد ماهية المسبب , و ظن البعض منهم أنّ مسبب الظاهرة هذه فايروس متوطن خامل تمكنّ من اعادة ترتيب المادة الجينية له و أنجب عتراً مغايرة فعالة لو صح التعبير و كسب ميلاً لأصابة البشر دون معرفة المنشأ الاصلي...
منذ ثلث ساعة تقريبا انتبه بعض الطلبة إلى أن نارا خفيفة تشتعل في ساحة الجامعة الرئيسية إمام المطعم الكبير. تحول الانتباه إلى استغراب فحب استطلاع فذعر.. فصمت.. فتوجس.. فإقدام.. ثم اتجه بعضهم نحو النار. هذا عود كبريت مشتعلٌ. قال واحدٌ. وإن الاشتعال يتزايد. قالت واحدة. داس رجل على النار فلسعته...
ترتطم الكتّلة السوداء في جبهتي. ترتجُّ التلافيف الهشّة، ينفجر السائل الأبيض سابحاً بين الجمجمة وجلدة الرأس. الأقدام السوداء تركض. أشمّها. ما زلت قادراً على تمييزها مُغمض العينين. ثقل الشرايين المتخثرة، الزفت المحروق في أكعابها، العرق المتكدّس في المسامات كجرارٍ من الخل، الأنفاس الثقيلة كروثٍ...
ما لها تلك العصافير الملونة هجرت نافذتي الصغيرة؟ لم تعد تتقافز مغردة فوق أغصان الشجرة المقابلة. كنتُ، في نهايات الربيع وأوائل الصيف حين تخضر وريقات الشجرة رويداً رويداً، أراقبها بعيني مرّة وبعدستي مرّة أخرى. ثم ما لبثت الشجرة أن حملت ثمارًا تشبه العنب البري، بزغت بلونها الأخضر الذي أخذ يتدرج...
عادةُ حليمة وقد أخفضت صوت التلفزيون لدرجة يحار السامع معها من أين يصدر الصوت الشجي المنخفض. وقيل لها: ما هذا؟ .. هل نحن في مدرسة ؟! ارفعي الصوت من فضلك. فتمنعت وترددت وغمغمت.. قيل لها: ارفعيه وإلا جعلنا كل جهاز موبايل بين أيدينا يصدح بغناء نشاز. سألتهم: ألن تقولوا عادت حليمة إلى عادتها القديمة؟...
(1) أمي البياض يحيطني في الحلم واليقظة، ادع ربك أن يهب لي بعض السواد. لقد شحبت السماء فصارت خرقة من هذه الأرض، وربما فتقت فرقعها بحفنة الثلج التي امتدت كثيرا. قالوا الأرض دافئة، لكنها تحفظ في قلبها النار عميقا، وعلى وجهها يتجمد الصخر والأشجار والجنود.. النار تأتي، لكنها تمر عبر جلودنا وتذوي...
من هذه النافذة لا يدخُل ضوء. بالكاد أرى طائرين غير مُتوازيين في سماء الخريف. كلّ يوم يمرّ بلا قطرة مطر هو يومٌ حزين، آهلٌ بالذّكرى والضّباب. كلّ يوم أفقدُ صباحَ الخير بانحناءةٍ طفيفة على خيوط الحذاء. كلّ يوم يقذف الرسّام الأكبر، بلامبالاة، شخبطةً جديدة وكئيبة على لوحته الرثّة والمملّة. كلّ...
كان مسكوناً بما تخيلته السيدة من جرائم، وبالطرق المحكمة التي أدارت بها جرائمها، كأن الجريمة، بالنسبة لها، قلب العالم، جوهره الخفي الذي لا يُحسن أحد سواها التعامل معه بما يستحق من مهارة وشغف، في كل كتاب لها جريمة ولكل جريمة طريقة تنفيذ دقيقة متقنة، ولطالما أدهشته قدرتها على تدبير القتل وابتكار...
يعجبني الذهاب مبكراً إلى شارع المطاعم. دائماً أتوقع أن أرى نفسي نائماً في هذه الزاوية أو تلك، ولكن ولا مرة اتفق أن كان أحد المشردين المُستلقين على جنوبهم هو أنا. الداخل إلى هذا الشارع السد يبدأ سنته الأولى مُشرداً، ثم في سنته الثانية يصير مجنوناً، ثم بعد ذلك تستقر حالته ويغدو مواطناً عادياً من...
أعلى