سرد

اتسعتْ لها اخيلته وتصوراته، وانبرى اليها بكل حذر وتوأدة ، وتسمرت حدقتا عينيه في تحديقها، تحدوها رغبة جامحة في معرفتها وتفحصها، وما عليه الا أن يكون حذرا حتى يتخلص من الاحراج الذي وقع فيه وهو غارق في تخيلاته، بعد ان سحبته من بين اصدقائه وامسكت يده بقصد وتعمد لتقرأ له المستقبل من خلال باطن كفه...
عيناها يالزرقة السماء وجنتاها يالشقائق النعمان، وإن افترت شفتاها بانت اسنانها بالبياض الثلج. هتف صديقي: من تصف؟ قلت: فتاة عرفتها. أجابني متهكما: كنت أظنها “اليصابت تيلور”. رددت: لا هي “اليصابت تيلور” ولا انا “ريتشارد بيرتون”. واصلت حديثي قائلا: في المدة الأخيرة كانت تمر على الرصيف الموازي للرصيف...
كان الفرح يأتلق كالبرق في عينيها حين يزورها فى مكتبها ولا تكف عن الضحك ومناغشته حين يتأخر قليلا ثم يتوارى مختفيا عنها فتبحث عنه وتضحك مازحة قائلة له : - أيها الماكر أين أخذك الغياب .. أسبوع يمر دون أن اراك؟ فيتأمل عينيها المندهشتين وتطل ابتسامة عريضة على وجهه ويصمت دون ان يجيبها كى لا يدخل معها...
“ أنا لست في خضم عاصفة، أعرف العواصف جيدًا، وما أنا به ليس بالعاصفة. ألقى أحدهم قنبلة دخان، فما استطعت أن أنشق الدخان لأبدده، ولا استطعت الركض خوفًا من الضباب. لا أعبأ الآن بهوية من ألقى القنبلة، لا أملك سوى أن أجلس ساكنًا، أنتظر أن ينقشع الضباب، ومن ثمّ سيكون هنالك وقتٌ للتحرّي، رُبما تبيّنت في...
بالنسبة لها، لم تكن حياتها حقيقية، كانت وهمًا باهتًا، كحُلمٍ يحوي آلاف الأشياء الغير منطقية التي لا يجمعها شيء: تطأ أرضًا خضراء بقدمها بينما يختال ذهنها في صحارٍ بوار، ترتشف شيئًا من قهوتها المُسكرة بينما تتذوق علقمًا. كانت غائبةً في حاضرها، حاضرةً في كل الأمكنة عدا تلك التي يشغل جسدها مساحةً...
أثناء جلوسي في الكرسي الأمامي للباص الصغير ملثما ً بيشماغ , كان الإسفلت يجري إلى الخلف سريعا ً والسيارة إلى الأمام . أيهما يسير والآخر متوقف الإسفلت أم السيارة , نحن أم الزمن ؟ فوق ظهر الباص كان يرقد محمد الحاج ـ مؤقتا ً ـ في صندوق خشبي طويل , الصندوق ملفوف بذات قطعة القماش رباعية الألوان لكنها...
بعد ليلتين مؤرقتين، قضاهما بالتفكير و محاولة السيطرة على ذلك الشعور الاسود المنبثق من هول الصدمة، وقع نظره على صورة قديمة بالابيض و الاسود بين اغراضه المُتبقيّة في صندوق صغير، انها الاكثر ايلاما له لكنها الأخف وطأة على قلبه المُنفطِر. سقطت دمعة على يده و انسلت الى الصورة الفوتوغرافية التي احتفظ...
في “ رانية” عسكر لوائنا بعد أن خرج من معارك “مهران” الرهيبة وجسده مثخن بجراح كثيرة، بدأنا بالتدريج بالمسح على الجراح ، ولملمة البقية الباقية من الجنود وتقرر أن يعاد تنظيمه في مكان قريب من الشارع العام حيث وضع أحماله وهو ينفض بقايا بارود المعركة الشرسة التي أصابته في القلب حيث سال دم كثير، ولم...
أمضي في شوارع لا أعرفها، واسعة بلا حدود، ولا أحد غيري في كل هذا الفراغ المظلم، فمشيت متوجساً في منتصف الشارع، أملاً في أن يدلني أحد على بيتي. عندئذ ظهرت سيارات كثيرة وانطلقت في اتجاهي فصرخت وجريت. إنهم لا يضيئون أنوارهم حتى أراهم، فقط يطاردونني، يهددونني بالموت المباغت في كل لحظة، وكنت اتفاداهم...
من وقتها أنفقت الكثير، لتبقى صورته لامعة. لأجل ماذا كانت تفعل ذلك؟ لخاطر السمعة والبرستيج؟ أم الرجاء؟، لكنها تعلم يقينًا أن لا أهمية لكليهما، ربما القليل من الأهمية كانت موجودة، ذلك النصيب الطبيعي الذي نحصل عليه من القرابات والصلات، الوظيفة، والمال، لكنها لم تكن تتجاوز ذلك بالتأكيد. لمَ أجهدت...
تراهنت أمريم الفتاة الأكثر سوادًا من الليل مع الفتيات الأكثر بياضًا من النهار على أن حِرّها الحار جدًا يحرق الجرادة، بينما حرورهن لا تقدر على ذلك، فقامت إحدى الفتيات البيض واصطادت جرادة من الجراد الذي ينطط حولهن بينما هنّ جالسات في البرّ يتسلين بلعب الحلوسة بالحصم.. أخذت أمريم الجرادة ورفعتها...
أسهب كثيراً في الحديث عن طفولته في أزقة الصابري التى تناثرت فيها ألعابه وعلى مدارج شوارعه التى انطلقت فيها ضحكاته وعن رمال شاطىء جليانة الذى كان يلعب ويسبح في بحره سرح بنظراته بعيدا وهو يستذكر طفولته ،رأت في عينيه شارع دكاكين حميد ومحل والدها ،وضحكة عمتها ياسمينة وحكايات ذاكرتها المتوقدة...
تقول اللوحة المثبتة على البوابة "شيان ميشان!"* إحذر. كلب عقور!، و الكلب "عقور" دون شك، فكلما مرت به يرمي بنفسه على البوابة نابحا بضراوة وكله رغبة في أن يصل اليها ويمزقها إربا. إنه كلب كبير، كلب خطير، من نوع كلاب الرعاة الألمانية أو الروت وايلر (هي تعرف القليل عن سلالات الكلاب). عندما يندفع نحوها...
كل ليلة تقابله من وراء الستار، يبدآن حديثهما في هدوء مقتضب. وعندئذ تقول، وكأنها تحدث نفسها، يداي ضعفت مؤخراً، أصابعي اضيقت، كما لو كانت مخصصة فقط للتقليب بين الصفحات. ودون أن تنتظر أن يتحدث، أعدت لنفسها كوباً فيه كيس شاي وأوراق كثيرة أيضا، أفرطت في السكر الأبيض دون حساب وخلطته بلحن طارق شجي...
أعلى