سرد

فقدت فتاة في العشرين من عمرها، حيث أن كل الذين صعدوا الى الجبل للبحث عنها ، فشلوا في العثور عليها. والحكاية بدأت ، عندما كنا في الباص الذي اقلنا من مدينتنا التركية الصغيرة، الى هذا المكان حيث تكثر الجبال والشلالات الهابطة من أعاليها، كانت هي اكثر الفتيات حركة وخفة، تغني بانطلاق مع الذين يغنون...
أحيانا يبقي الضيف العجول وراءه سيجارة متوهجة عند حافة مطفأة، أحيانا ينسى الراحلون شعورا في غور النفس ولا يعودون لإطفائه . في التاسعة من عمري كنت صغيرا في عالم عجوز ، جديدا في دنيا قديمة . وكنت نحيفا بسروال قصير وقميص خفيف حين أسندت رأسي على ذراع أمي ونحن جالسين متلاصقين على دكة خشبية بغرفة مأمور...
- قصة طويلة أو رواية قصيرة أو شيء من هذا القبيل.. الحلقة الأولى (١) يصر عمي على أن أتزوج، ليس لديه سوى هذه الأسطوانة السخيفة. والحق يقال أن كل الشعب يركز على هذه النقطة تركيزاً يبدو للأجنبي كما لو كان مبالغاً فيه، لكنه بالنسبة لي أمر مفهوم. فالشعب فقير، والفقراء لا يملكون سوى ارتباطهم...
مرة، ذات صباحٍ رائق، بينما كنتُ غارقًا في أحلامٍ بلونِ وسِحر الماضي المكلَّل بالنور، سمعتُ فجأةً صوتَ قرعٍ خافت يأتي من خارج الغرفة. كما لو أن أحدهم كان يطرق بأظفاره طرقًا فوق تمثالٍ من رخام. أيُعقَل أن هناك مَن يريد زيارة الغراب العجوز الوحيد بعد كل هذا العُمر؟ تمتمتُ لنفسي: ربما. بلا مزيد من...
نشأت في بيئة صحراوية حيث الصعاب و المسالك الوعرة فأكسبتني مراسا صعبا وقلبا صلباو عزيمة فولاذية وحكمة أشد بها شكيمة الجماح. رغم ما توفر لي من جاه وحسب ونسب إلا أنني مثابرة أقف على كل شؤوني وشؤون قبيلتي وقد حباني الله بمرتبة مرموقة بين ناظري والدي ،يرسم لي طريق المجد على عكس ماكانت تلاقيه النسوة...
بقيت لأيام أدرس بعناية كيف سأغالط ذلك العجوز الذي يطوف القرى على حماره ، يبيع البسكويت والحلويات للأطفال ، لم يكن في جيبي ريالا واحدا ، لكنني قررت أنني أمتلك 100 ريال دفعة واحدة .! في كتابي المدرسي صورة لمائة ريال ، جئت بالمقص وقصصتها بعناية تامة ، ولكي أخدع ذلك العجوز يجب أن أترقبه وهو عائدا...
عندما زرت القرية قبل عام لم يكن للناس من حديث إلا عن الكنوز ، في كل مقيل كانوا يتحدثون عن كنوز كثيرة في الجبال ، وأن أشخاصا يأتون من مناطق بعيدة في جنح الظلام يحفرون ويحملون تلك الكنوز ويمضون ، أشخاص لديهم خرائط ، يأتون إلى أماكن محددة ، صائدو كنوز يتعللون بأنهم يبحثون عن الأعشاب الطبية ، لقد...
"الكراهية المقدسة" محمد الشرادي (إذا رأيت القاسية قلوبهم، صف لهم رحمة الله.) محمد بن عبد الجبار النفري قمت في جوف الليل، ملبيا نداء ربي. أعطيت لكل عضو من أعضاء الوضوء حقه. وضعت السجادة أمامي. رفعت يدي بتكبيرة الإحرام. سمعت طرقا عنيفا مصحوبا بصراخ حاد: - الباب...افتح يا ابن ! حين دنوت من...
خفق قلبي بالحب لأول مرة وأنا صبي في الثالثة عشرة. خفق بحب شريفة، التي كان للفيلا الخاصة بوالدها شرفة مفتوحة على الشارع الطويل المعتم، وكانت تجلس وحدها كل مساء في الشرفة تحت ضوء مصباح صغير معلق ينشر هالة من النور الخفيف حول رأسها ويتفرق في هواء الشارع الصامت. لم أحدثها قط، لم أقترب منها، والأرجح...
حان أوان كشف السر الذي حاولت تكتمه؛ فقدت ذاكرتي أسبوعا كاملا؛ لم تجد محاولات أمي نفعا، بكاؤها استمر ليل نهار؛ تندب ولدها، حين يدهم الداء الصغار فالأمهات قلوبهن تصاب بالحسرة، أخذت- كما قالت لي اليوم- تعيد على مسامعي بأنني ذو لقب مبارك، يحلو لها أن تدعوني المصبح، لم تنم منذ دخلت السرداب القهري،...
كلُّ ما في الأمرِ أنه نسيَ البابَ مفتوحًا، لم يكن يقصدُ فِعلَ ذلك؛ في الآونةِ الأخيرةِ يُكثرُ من النسيان، لا يعرفُ إن كان بدايةَ مشكلةٍ حقيقيةٍ أم أنه نسيانٌ عارض، مع أنَّ البابَ لم يدمْ مفتوحًا طويلًا إلا أنَّ بعضَ الحشراتِ وجدتْها فرصةً كبيرةً وكأنها كانت تختبئ قريبًا لتدخلَ إلى المنزلِ الواسع...
ودّعها، قبّلها، قال لها سأشتاقكِ كلّ يومٍ، بل كلّ ساعة، بادلته المشاعر والكلام، قالت له: حاول أن تتّصل إذا تسنّى لك ذلك، أتمنّى لكَ سفرةً موفّقة. ركبت سيّارتها منطلقةً، وقبل أن يدخل قاعة الزوّار التفت ليلوّح لها مودّعًا، كانت قد انطلَقَت. المطار مزدحمٌ كأنّه يوم الحشر، كأنّ الكلَّ هاربٌ من هذه...
يهدهد صوت في داخلي، ورجْعُ الصدى يؤرقني، أصمُّ أذنيّ لكنّ الأصوات تنبعث من باطني المتعَب، أخلد لسريري هاربا أحتال على النوم فيحتال عليّ كابوس يلاحقني منذ سنين. إنّها تطاردني في كلّ حلم، بقرة سوداء مذبوحة تسير ودمها لا يقطر ورأسها مربوط بشريان رفيع يتمايل ويصوّب عيونه إليّ، استيقظ مذعورا، أصلّي...
تعبتْ حقائبهُ من كثرة التجوال .. طلبتْ منه هدنةً ، لكنّ خفيَّاً أقوى من الشَوقِ يُحرّقه .. لم يأبه لتوسلات ثيابه التي أبلاها السفر وتـناوُب الشمس والرياح العاصفة .. ولم ينتبه للأصوات المحيطة به تشدّه .. تحاول منعه .. لكن لا حياة لمن يلملمُ شخصيّته الجديدة يطويها بعناية ويخبئّها بين طيّات أغراضه...
جاهزٌ بثيابه السوداء الرسميّة، وكلّ ما يكسوه مشتقٌّ من الأسود. بذلتُه مكويّة مراراً وتكراراً، واقفةٌ حدودُها كعرف الديك، وياقة قميصه مقسّاة بمنقوع النشاء، وربطة عنقه معقودة سلفاً يكفي أن يعلّقها بعنقه ويشدّها لتلتصق عقدتُها بثغرة نحره، وحذاؤه القديم ازداد وزنه من فرط طبقات الشمع اللمّاع، كلّها...
أعلى