سرد

حان أوان كشف السر الذي حاولت تكتمه؛ فقدت ذاكرتي أسبوعا كاملا؛ لم تجد محاولات أمي نفعا، بكاؤها استمر ليل نهار؛ تندب ولدها، حين يدهم الداء الصغار فالأمهات قلوبهن تصاب بالحسرة، أخذت- كما قالت لي اليوم- تعيد على مسامعي بأنني ذو لقب مبارك، يحلو لها أن تدعوني المصبح، لم تنم منذ دخلت السرداب القهري،...
كلُّ ما في الأمرِ أنه نسيَ البابَ مفتوحًا، لم يكن يقصدُ فِعلَ ذلك؛ في الآونةِ الأخيرةِ يُكثرُ من النسيان، لا يعرفُ إن كان بدايةَ مشكلةٍ حقيقيةٍ أم أنه نسيانٌ عارض، مع أنَّ البابَ لم يدمْ مفتوحًا طويلًا إلا أنَّ بعضَ الحشراتِ وجدتْها فرصةً كبيرةً وكأنها كانت تختبئ قريبًا لتدخلَ إلى المنزلِ الواسع...
ودّعها، قبّلها، قال لها سأشتاقكِ كلّ يومٍ، بل كلّ ساعة، بادلته المشاعر والكلام، قالت له: حاول أن تتّصل إذا تسنّى لك ذلك، أتمنّى لكَ سفرةً موفّقة. ركبت سيّارتها منطلقةً، وقبل أن يدخل قاعة الزوّار التفت ليلوّح لها مودّعًا، كانت قد انطلَقَت. المطار مزدحمٌ كأنّه يوم الحشر، كأنّ الكلَّ هاربٌ من هذه...
يهدهد صوت في داخلي، ورجْعُ الصدى يؤرقني، أصمُّ أذنيّ لكنّ الأصوات تنبعث من باطني المتعَب، أخلد لسريري هاربا أحتال على النوم فيحتال عليّ كابوس يلاحقني منذ سنين. إنّها تطاردني في كلّ حلم، بقرة سوداء مذبوحة تسير ودمها لا يقطر ورأسها مربوط بشريان رفيع يتمايل ويصوّب عيونه إليّ، استيقظ مذعورا، أصلّي...
تعبتْ حقائبهُ من كثرة التجوال .. طلبتْ منه هدنةً ، لكنّ خفيَّاً أقوى من الشَوقِ يُحرّقه .. لم يأبه لتوسلات ثيابه التي أبلاها السفر وتـناوُب الشمس والرياح العاصفة .. ولم ينتبه للأصوات المحيطة به تشدّه .. تحاول منعه .. لكن لا حياة لمن يلملمُ شخصيّته الجديدة يطويها بعناية ويخبئّها بين طيّات أغراضه...
جاهزٌ بثيابه السوداء الرسميّة، وكلّ ما يكسوه مشتقٌّ من الأسود. بذلتُه مكويّة مراراً وتكراراً، واقفةٌ حدودُها كعرف الديك، وياقة قميصه مقسّاة بمنقوع النشاء، وربطة عنقه معقودة سلفاً يكفي أن يعلّقها بعنقه ويشدّها لتلتصق عقدتُها بثغرة نحره، وحذاؤه القديم ازداد وزنه من فرط طبقات الشمع اللمّاع، كلّها...
تجلس في المكان الخاوي إلا من أطياف الماضي، تراقب زخات المطر في الخارج، تتساقط دموع السماء تغسل زجاج النوافذ ووجه الرصيف المضطرب. تشعر بغربة، كفراشة خرجت للتو من شرنقة اعتادتها.. تجول ببصرها في المكان، ترى الورود الحمراء تحتضر في يد البائعة العجوز، فتى وفتاة يتعانقان بجوار جدار عتيق يوشك أن...
يصر عمي على أن أتزوج، ليس لديه سوى هذه الأسطوانة السخيفة. والحق يقال أن كل الشعب يركز على هذه النقطة تركيزاً يبدو للأجنبي كما لو كان مبالغاً فيه، لكنه بالنسبة لي أمر مفهوم. فالشعب فقير، والفقراء لا يملكون سوى ارتباطهم بغرائزهم الأولية.. وهم الأقل قدرة على الإبداع، ولذلك يملأون هذه الفجوة بإبداع...
هربت من جحيم الحرب اللعينة مع ابنتها الصغرى وتركت كلَّ شيءٍ خلفها، الأرض المحروقة والحيوانات الأليفة وكل مقتنياتها، لم تحمل معها غير ذِكرى سوداءَ مُرعبةٍ سُطِّرت في كتاب الموت الغادر على صفحاتٍ من الدم والدموع، قاومت الحياة والمتاريس واستقرَّ بها الحال مجبورةً خلف المدينة في رواكيبَ صغيرةٍ...
تنويه: العديد من الشخصيات والتفاصيل من نتاج خيال الراوي الذي روى للكاتب الذي كتب. نحن الصغار كنا نتراكض حول سيارة الفولكسفاجن الخضراء ذات القفص التي حضر فيها حافظ أبو لبدة، وزميله أبو بسام الجلماوي، فعندنا عرسٌ، ونحن مبتهجون، صغارا وكبارا، إناثا وذكورا. العريس من عائلتنا والعروس من...
عندما رأيت تلك الأزرار الذهبية في جاكيت جارنا التي جاء متدثرا بها على اثر مطر غزير لمعت في ذهني فكرة الاستحواذ على هذا الكنز الثمين ، كنت أرى أن كل ما يلمع ذهبا ، لذا فقد تسللت إلى تلك الأزرار الذهبية ونزعتها كاملة وأخفيتها في مكان آمن ، وبدأت بعدها أفكر في كيفية استثمار هذه الثروة الكبيرة التي...
-(١)- في البدء كان الله ولم يكن معه شيء ثم كانت الاوطان ولم يخلق معها الا الحزن والعذاب ! - (٢)- كل مآسي العالم كانت تجري تحت سمع وبصر السماء المتجهمة ساعة حدثت الفتاة المتانقة نفسها فقالت : (ها قد جاء الشتاء وعظامي باردة والبيت يشكو قلة الفئران وابي العسكري البائس...
يبدو أن شتاء هذا العام يحمل في تجاويفه حالة من الخوف المسكون برغبة في الانزواء بعيدا عن المحيطين بي، بحثت عن الثياب المخزنة لهذا البرد القارس، أمعنت في خزانة الأشياء المكدسة فقد تعودنا على هذا كثيرا؛ نرتق القديم ونضع عليه بصمة اليد التي تدل على أنه شذب وصار يصلح لعام آخر، وكلما مر فصل تحملنا...
نصحني المترجم، أن تكون نظراتي الى أعضاء اللجنة الطبية، نظرات بلهاء، وعندما يسألونني عن السبب الذي من أجله غادرت بلادي، أن تكون أجاباتي عن إسئلتهم لا علاقة لها بالاسئلة . عرفت ما يريد المترجم، فبادرته بالقول مازحا " أعرف هذه اللعبة وأجيدها" سألني: كيف؟ فقلت له : أنت مثلا تقف الان في وسط المطر،...
مدتْ شجرة البلوط جذورها عميقًا في الأرض، شعورها بالأمان جعلها ترفع أغصانها المورقة عاليًا نحو السماء، فاحتضنت بحنان طيور الكركي التي اتخذت من تلك الأغصان موطنًا لها. لم ينل منها شيئًا تقلب الفصول فالخريف لا يغنم منها بعد كل معركة إلا ببضع وريقات صفراء متمردة تحملها الريح لتتركها تواجه قسوة...
أعلى