سرد

طيلة عدة سنوات وحين تأذن لي وحدتي، أذهب معها حيث أختلس بعضاً من نسمات الصمت والسكون، أطل من نافذتي التي أسطو بها على عوالمي المفقودة، قلبي يصرعلي أن يجتر الذكريات الدامية، يطربني صوت نزيفه وأنينه أبكي. صوت تمزق اوصالي يصم أذني، أمط شفتياي في محاولة لتجنب الاحتكاك بسطح ذكرياتي العفن، فشلت في...
على مقربة من نهر مدينتي الذي أعشق السير حافية القدمين على ضفافه، وبينما أنا منشغلة بصوت جريان مياهه، تعثرت بشيء، إنها امرأة. دنوت منها حتى كدت التصق بها. إنها المرة الأولى التي أشاهد فيها جثة إنسان. ألقيت بجسدي قريبًا منها. قلت لنفسي وأنا أحاول العثور على بقايا حياة فيها: يا ترى ما الذي كانت...
في بداية الخليقة كان ماء وسماء وأرض، ظلام ليل وضوء نهار، شمس وقمر؛ ثمة حياة، وبعد؛ فما بعث الله غرابا يبحث في الأرض؛ الليلة الأولى بعد الألف تعيد البشرية سيرتها ؛ قابيل يمرح لاهيا وينتشي حين يراقص سالومي يشرب نخب دم أخيه، يلهو سعيدا، تأتي الغربان لتعلمه كيف يمزق جسده، يقطع عضوه، في وهج الخمرة كل...
ليل/ خارجي، ساحة مولد سيدي عبدالرحيم القناوي، لقطة عامة، حشد من مرتادي المولد، وصوت المنشد يغلف أجواء المكان. لقطة قريبة جدًا لطفل صغير، حافي القدمين، يرتدي جلبابًا متسخا، ويلف شالًا أبيض حول رقبته النحيلة، يمسك بين يديه الصغيرتين بعصاته الخشبية، يقفز عاليًا؛ فيتطاير التراب على الأرض التي...
حَلِمتُ ذاتَ مرةٍ بانني قدْ صِرت حاكماً على قَضاءِ "طي لِسانْ"* بَرمتُ شارِباً ضَممتُه لشاربي فَسارَ إسمي شَارِبانْ! فَقاتُ عيْنَ حارسي بكيتُ باسماً ضَحِكتُ كالحِصانْ! فَارغةٌ، فارغةٌ سفَائني كانني أتيتُ هارباً من عَالًمِ الجِنانْ! فارغةٌ، فارغةٌ قَصائدي كأنني نَظمتُها مُخضّب...
الحمارُ الذي وصفتُه بالغباءِ ظَهرَ أذكى مما أتوقع ، كنتُ فتىً شقيًّا تجاوزَ مزاحي الثقيلُ أبناءَ الحيِّ لأمزحَ مع حمارِنا الوحيد ، والوحيدُ الذي كان يُوثقُ فيه هو أنا من أجلِ امتطاءِ هذا الغبيِّ لأجلبَ عليه احتياجاتنا ، ذاتَ يومٍ وأنا صاحبُ مزاجٍ عندما أمتطي صهوتَه قلتُ لنفسي : اركبْ بطريقةٍ...
ذات مساء شتوي انقطع التيار الكهربائي عن منزلي، كان هذا لإصلاحات يجرونها في غرفة الكهرباء أسفل العقار، ولن أقول أنني تكاسلت في تشغيل مصباح الطواريء، ولكنني في حقيقة الأمر قد سررت كثيرًا بالهدوء والظلام اللذين سادا، والسكينة التي حلت على جو المنزل، وكنت إذ ذاك ممدًا على سريري أجاهد في استدعاء...
على موعده الدائم "الخميس من كل أسبوع" تنتظره نساء قريتنا، ضعيف البنية، قصير، دقيق ملامح الوجه، له صوت جهوري، تتعجب حين تسمعه ، كيف لهذا الصوت أن يخرج من هذا البدن الهزيل! عباراته قاطعة لها قفلات محكمة، لو سمعت نداءه دون أن تراه لخيل إليك أنه قائد جيش ينادي على جنده ليتجمعوا في ساحة المعركة، تحول...
وقف في الافق قمرا عاريا خلف سترة ضبابيه مقلمه بضوء خجول في السماء يحدثنا عن ذلك الليل الحزين الذي وثب على شاطئ طويل يحيك حبال سوءته بقتل اخيه النهار يحاول اقناع ابنته المشرقة بالبقاء معه. لتذوب بعناد على صفحة فضية حركتها امواج دافئة آتية من قبر ابيها . سويعات وتستأذن بالغوص في قلب المحيط تبحث...
عندما غزا الألم الموجع منطقة البطن المنتفخة بعض الشيء، والذي يتحرك من يمينها إلى شمالها بحركة شبه بندولية في منطقة السرة التي غارت في العمق، رقد سلام بشعر منفوش، وتضاريس وجهه متبدلة بين حين وآخر، وبدا كالليمونة الذابلة، وهو مغمض العينين، غائرهما. أخذ يفكر، وهو في فراشه، بما كان يعيق عمله في...
أستيقظت المدينة الجنوبية الصغيرة النائمة على شط الفرات، على صراخ شق عنان السماء، فزّت علياء من نومها، على جلبة مسيرة راجلة، تحت نافذة غرفتها المطلة على الشارع، هبت الى النافذة، فوجدت أهل المدينة يمشون مسرعين بإتجاه الشط ، وجدت نساءً ورجالاً وشباناً، رأت نسوة، بملابس البيت وبعضهن بلا حجاب، على...
وعلى الوسادة نفسها التي كنت أتوسّدها كانت تغطّ في نومٍ عميق ، تأمّلْتُ وجهَها المكسوّ بعرق الدفء ، كملاكٍ مستحمّ بقطر الندى الصباحيّ ، تلتصق على جبينه خصيلات شعرها المتناثرة كالإكليل الفوضويّ ، وكأنّ تلك الخُصيلات ضرَباتٌ مُستعجَلة من ريشة فنّان غير مهتمّ لتصفيف شعرها بعد أن بذل كلّ الجهد في...
(قصةاونلاين) محمد مباركي هل سمعتم بروائيّ ندم على كتابة رواية؟ ربّما لم تسمعوا بذلك. إنّه أمامكم أنا العبد الفقير إلى رحمة ربّه. كتبتُ روايتي الأخيرة وندمتُ على كتابتها، لا لأنّها رواية دون المستوى، أبدًا. قد تناولها عدد مهمّ من النّقاد في الدّاخل والخارج بالدّراسة والتّحليل حتّى إنّها نالت...
اليوم كأيّ يوم يعصف فيه الضّجيج على حواجز الانتظار، ريتا القادمة من ليل الاغتراب، الآملة برؤية المدينة، أتعبها الوقوف أمام الحواجز المغلقة، مشت على الجسر المقام فوق حاجز قلنديا، بدت العيون غائرة في وجوه متعبة، اتكأ المشاة على آلامهم، مضوا في أوجاعهم، المسافة تتمدّد على جسر طويل، يزيل السّتائر...
... لم تكن ميلارا تملك جمالا جذابا كجمال أنجلينا تلك الفتاة القادمة من النمسا، و لم تكن تمتلك ذكاء و دهاء ليزي فيلاسكيز المقبلة من تكساس أمريكا، كل ما كانت تملكه وجدانا معبأ بالأحاسيس لو قسمت على البشرية جمعاء لعم الحب و السلام أرجاء العالم، و لإنسحب الجنود من ساحات القتال تاركين حقول الدمار...
أعلى