سرد

تتكدس أضابير المراجعين أمامي، وأنا أتامل وجوههم المحتقنة فاغرا فاي "كالمسطول"، يصعب عليّ تسيير أمورهم، وأنا في هذا التشتت والقلق. زميلي الفيلسوف يدق بأنامله على المكتب، ولا ألتفت إليه .. صراخهم لا أسمعه وحده صوتها يدوي: ـ طلقني الحياة معك باتت مستحيلة. أي طريق مسدود هذا؟ لا أنكر بأني صرت...
سرى نبأ في كفرنا انزلق من لسان هنومة الداية تلك التي تدب في الحواري وتتسمع الوشايات، يقولون عنها: أذنها ملقاط وفمها الذي به ناب من فضة وآخر ذهب يشبه الإذاعة ترغي من راديو فتوح القهوجي؛ وإن ماء سبيل أم عباس مبارك؛ تأتى به جنية من سحابة تنتظرها أعلى جبل المقطم من جهة قلعة الجبل، على أية حال تبعتها...
السماء صافية، لا يعكر زرقتها سوى غمامة بيضاء قادمة من الشمال لا يبدو أنها تحمل مطرا. رغم الصلاة والدعوات والوعود التي قطعها سكان القرية لضريح الولي الصالح، بقي الجفاف يتوالى يوما بعد آخر، حتى دبّ اليأس إلى النفوس.. العلف ارتفع ثمنه، ولم يعد في متناول صغار الفلاحين.. ما تبقى من رؤوس الماشية لا...
الشّارِدَةُ: مشتقَّةٌ من شَرَدَ، بمعنى هَربَ، فَرَّ ، نَفَرَ، وَلّى مُسرعًا في جميعها. كلمَةٌ فصيحةٌ موجودَةٌ في الدّارجة. وهيَ موجودَةٌ في القرآن (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أيْ فَرِّقْ وَبَدِّدْ جَمْعَهم. الشَّارِدُ هو الطَّريدُ للإنسان الذي يُطارَدُ مِن عَدُوٍّ والشَّاردَة ، وجمعُها...
نهار جمعة ربيعي .. لا تخطئ حبيبتي موعدها معي، أقبلتْ يسبقها حسنها، يعلن عنها بهاؤها، عطرها ملأ الأماكن التي مرتْ بها، شالها الأصفر زادها غموضًا وإجلالًا، حينما ابتسمتْ لي، أطلق الليل سراح الشمس السجينة،عيناها حدثتني بما عجزت عنه كل حروف العشق، أخبرتني أنها لا ترى سواي رجلًا على الأرض. قالت لي...
في الكون أسرار، لدي أهل الطريق منها الكثير لا يبوحون بها إلا لمن خلصت نيته، يعرفونهم بسيماهم، يتناثرون في الوادي والدلتا عقود جمان، يمشون بها، يفكون بعض ألغازها، شيخ مبارك يجوب الحارة عند منتصف الليل، يطرق الأبواب الغافية وراء السكون، يمسك بمفتاح منقوش عليه " لا غالب إلا الله" مخطوط من جلد عنزة...
السلم مظلم، لا يسرج لمبة السلم من الجيران سوانا، ذكرتِني كثيرا أن أشتري لمبة للسلم بدلا من التي تلفت، فلأصوب (فلاش ) الهاتف علي ( كالون ) الباب وأفتحه على ضوئه، الشقة على حالها منذ تركتها، الغسيل الذي جمعته من على منشر الغسيل كما هو على كنبة ( الأنتريه ) في الصالة، أوه ...ما هذه الرائحة المنتنة...
* مقهى الشرق.. نعم.. أعترف بأنِّي جبان، وأخاف، وصاحب قلب ضعيف.. فليضحك منُّي من يشاء، وليسخر، بل ليتهكم عليّ ما طاب له، ولا يرافقني أو يصطحبني معه إن أراد، أو لا يمشي معي أبداً. كنَّا وأصدقائي، نجتمع ونجلس في مقهى (الشرق) الكائن بالقرب من عبَّارة الماليَّة (بناية العداس) وكان...
بيضاءُ, بيضاءٌ كالثلج, بليغةٌ الأنوثة, ضامرةٌ الخصر، هيفاءٌ القدّ، ذاتُ عينين واسعتين، ونجلاوان بحدّة عالية، تشعان بلمعة ذكية كعيني قطة كأنهما تنيران أية ظلمة. يصعد الدم إلى وجهي كلما كانت تقترب مني.. يفور في ذلك الذي أجهله, يضغطني فلا أحتمل, فأقترب منها أيضاً، مقاوماً كل ما يخيفني، فقد أشاعوا...
أعشق السفر و لو أن لي إمكانيات لطفت العالم كله ، أحب السفر كان حلمي ان ألقب بالرّحالة انطلاقا من العنوان الذي أورده الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه "جدد حياتك" و إن كان هو أراد به تجديد المسلم عهده مع الله و علاقته به الإقبال عليه، أي من الجانب العقائدي ، فالسفر يجعلنا نجدد حياتنا، طالما...
لا أعرف، ولا يمكن أن تعرف السبب الحقيقي الذي جعل مثلا هؤلاء الذين أسمعهم بهذه الأذن يتهمونك، يكبر لديك الهاجس لما تقوله ومن تكرار تعابير واشارات تسمح لك بالقول بأنك خشن أو أنك تتصرف بجنون، أنك متيم بحب فلانة وأنها تستغلك ولا تستطيع أن تقول شيئا لكل ما يقال ويتردّد. تحتمل، وتظل تحتمل الضغط، تحب...
12- قالت "أمي": أحضر لك "أبوك" حزمة "شيتات"[67] من السينما، تكفي لتغطية جدران غرفتك إن رغبت، وسيكون ذلك مؤقتاً، حيث الطلاء لا ينفع مع جدران متداعية، حيطانها من الطابوق الأحمر.. وجدت الأمر يروق لي وقررت العمل وحديّ. دون ان اجعلها تشاركني، اذ أتعبها الحَمل، وبالكاد تجرّ خطواتها، لم تكاسل لحظة عن...
كان يسمع صفيرا، أو ضحكة، أو: بس بس بس، أو الساعة كام من فضلك... وهو يمر كل يوم تقريبا، بجوار البلوك الآيل للسقوط، وسط المساكن القديمة، حال انتهاء ورديته في مصنع البلاستيك مساء، جائعا ومتعبا، يريد أن ينام بأي طريقة، لذا لم يرفع وجهه ليرى مصدر الصفير، أو الضحكة المفاجئة، أو غير ذلك، مما كان...
خاب ظنه حين لم يجدها في مكانها المعتاد داخل مكتبته حيث يطيب لها الجلوس على كرسيها الجلدي الأسود تحت مينوارة الشمعدان سباعي الرؤوس تطالع الكتب وتراجع مؤلفاته وترتب أوراقه وكتاباته. شعر بالقلق وهو يفتش عنها في حجرات البيت وبالغرابة حين ناداها فتجيبه من حديقة البيت ليجدها كامنة بين شجرتي الغرقد...
بعد أن صهرتنا مرائر السنوات وأفراحها الشحيحات في روح واحدة، كانت ميتتها المباغتة، أول طعنة غدر وأشدها أذى على الأطلاق، واجهتني في حياتي... واليوم، وقد بلغت الستين، وحيدا دونما حبيب أو أنيس، وسلال أيامي توشك على النفاد، أفتقد حضورها البهي، وأشعر باليتم المكتمل، كما لو كنت طفلا غريرا أفلتته قبضة...
أعلى