سرد

لصباها عنفوان، وعبير، تستنشقه وهي عارية، وتدور حول نفسها، تتحسس مفاتنها أمام جزء صغير من مرآة كان مستنداً على جدار حالك اللون. رأت فيها نفسها، في لمحةٍ خاطفة، عجوز، بحاجبين أبيضين، مثل شعر الرأس الخفيف، وبملامح كرمشها إنطباق الفكّين الخاليين من الأسنان، وثدييها، اللذين كانا بين كفيها في هذه...
آخر الليل، وبقعة زيت بجوار العربة. بقعة رغم دُكنتها قادرة على عكس الجسد المقلوب لكل قادم جديد. أرفع رأسي من مكاني بالكرسي الأمامي فأرى القوام المنعكس للبشيرالمنتظر. غالبا يأتي بالهاند باج ويدخل مهدودا مرتميا. ألتفت خلفي وأحسب الباقين. أربعة ربما أو خمسة، والسائق بوجه ناشف ينظر في الداخل ويقول...
"والله تنقصنا سهرة عائليّة على شاطئ بحر يافا. يقولون إنّه رائع. ما رأيك يا أخي؟" منْ الّذين يقولون؟ أهي أختك تسرُّ لكِ ببعض عهرها وتُدارين أنتِ عليها؟ " والله يا أختي يقولون إنّه شاطئ العشّاق ونحنُ كما أعرف تجاوزنا مرحلة العشق. أم لكِ رأي آخر؟" لم يكن يهمّه رأيها بقدر ما يهمّه أن يجد توتّرا في...
(1) كثيرًا ما كنت أراه على شاشة التلفاز، لا يمر يوم دون أن تطل صورته على الملايين من داخل هذا الجهاز السحري، الذي لا يعرف فضيلة الصمت؛ حتى ساد لدىَّ اعتقاد بأنه يقطن داخله، كنت ألمحه فى المباريات، يكون هناك دائمًا فى الثلث الأخير من المدرجات تجاه مرمى خصوم فريقه المفضل، حيث يحاصر لاعبوه هذه...
أجلس في صالة بيتي تغيرت ملامحها بعد أن نقلنا المكتب و"الكنبة" ، والمنضدة المغطاة بلوحة من الرخام الأسود الجميل إلى المطبخ، فأصبحت شبه خالية، بعد أن أسدلنا ستارة زرقاء كثيفة على نافذة الشرفة، وبعد أن تبدلت الأماكن التي كانت تُوضع فيها صور الأسرة على رفوف المكتبة الكبيرة الداكنة ذات الحشوات...
وأنا هنا وأنت هناك كش ملك.. وكنت قد خلقت من الوقت وقتا جديدا ثم أنني عصفت بالأزمنة والأمكنة التي ذهبت عساكرنا إليها ووجهت الريح كما شاءت حين اقتلعت جذور الأشجار وعصفت بالجبال. تذكرت الحكمة القديمة التي تقول أن الريح أقوي من كل شيء ولا يوقفها إلا الجبال بجبروتها.وأن النار تأكل كل ما حولها...
خرجنا فى الهزيع الأخير من الليل نزحف نحو المزرعة كالذئاب الجائعة ، ومع أننا كنا مسلحين بأحسن طراز من البنادق ، فقد كنا نتجنب الحراس ونراوغ كالثعالب ، لأننا نعرف قيمة الدم المهدور فى الصعيد ، ولهذا كنا نتخير الأوقات التى تقفل فيها العيون وتغفو . كان الظلام على أشده فى تلك الليلة ، وكانت وجهتنا...
ثمة ما يدعوه اليومَ إلى التأمل بحزن أكثر من أيّ يوم مضى. أدار محركَ سيارته، وعاد مسرعاً إلى داخل البيت، أحسّ رغبةً في احتساء كوبٍ آخر من الشاي قبل أن ينطلق إلى عمله. جلس باسترخاء وراء مقود السيارة، عبثت أصابعه للحظات في مفتاح المذياع، ولم يلبث أن تحوّل عن تلك الرغبة، وانطلق يجوب الشوارع، يحاول...
(تبدأُ الأرضُ بعد أن تنشأَ الأسماء) ظلوا ينقلون الرفاة من ضفة إلى أخرى. وظلوا في شك مما لاسبيل لتخمين الغرض من أجله على غير النحو الذي تخيلوه له. تخيلوه بجسوم الأسود والفهود وأعناق النياق، والثعابين وأجنحة العقبان. وكانوا كلما نبشوا قبراً وجدوا خمس حجراتٍ ما مَــن يعثر فيها على عظام موتى. قال...
تجلس السكرتيرة على مكتبها الصغير وهي تحدق بشاشة الحاسوب. باقي المكاتب خالية. تتلقى اتصالا على هاتفها. - أهلا.. يأتها صوت خطيبها: - كيف حالك؟ ترد ببرود وهي تحدق بالشاشة مركزة على لعبة الكوتشينة: - بخير... يصمت الخطيب ثم يقول: - أين أنت الآن؟ ترد بذات البرود: - في المكتب.. يصمت الخطيب مرة أخرى...
يكاد قلبي يقفز ليقف لصقها .. جميلة ، شفافة . والأهم ان كل شيء فيها مدور.. أكتافها ، عجيزتها ، نهداها , رأسها ، فمها بل حتى خصلات شعرها . دار رأسي بأفكار شتى ، وبدأت أتمتم بكلمات ، يقينا أنها لا تفهم منها شيئا . وهذا ليس مهما . فالمهم عندي أن تفهم أنيها هي المقصودة ، على أقل تقدير ، و إلّا سأكون...
(1) في ارتجافة تلك النجوم التي أفِل قمرها، وهدوء البحر الذي بدا يلعق اصدافه والفنارات المتوهجة بأضواء شاحبة، وفي هذا الليل الذي يبدو نصفه كحيوان مطعون يقعى كئيباً على الساحل يداعب فقمة تغتسل بالزبد والرمل ، ما كان للصحاري وجغرافياتها أن تتظلم من ذلك السكون المتوحش في عراءها السحيق، ولا من رمالها...
✍ (سيارة مرسيدس حمراء برقم 56549 .. نرجو من صاحبها التوجه لمكانها)... تكرر النداء عدة مرات عبر مايكروفون صالة الزفاف دون أن يهتم صاحبها بالاستجابة للنداء حينها تلقى المذيع ورقة مطوية فقرأها: (المرسيدس الحمراء تحترق الآن نرجو من صاحبها الاسراع نحوها). هنا أطلقت امرأة اربعينية صرخة رعب وتركت صالة...
أعلى