سرد

(1) في ارتجافة تلك النجوم التي أفِل قمرها، وهدوء البحر الذي بدا يلعق اصدافه والفنارات المتوهجة بأضواء شاحبة، وفي هذا الليل الذي يبدو نصفه كحيوان مطعون يقعى كئيباً على الساحل يداعب فقمة تغتسل بالزبد والرمل ، ما كان للصحاري وجغرافياتها أن تتظلم من ذلك السكون المتوحش في عراءها السحيق، ولا من رمالها...
✍ (سيارة مرسيدس حمراء برقم 56549 .. نرجو من صاحبها التوجه لمكانها)... تكرر النداء عدة مرات عبر مايكروفون صالة الزفاف دون أن يهتم صاحبها بالاستجابة للنداء حينها تلقى المذيع ورقة مطوية فقرأها: (المرسيدس الحمراء تحترق الآن نرجو من صاحبها الاسراع نحوها). هنا أطلقت امرأة اربعينية صرخة رعب وتركت صالة...
مَرَاثِي لِشهِّيدِ السُّودانْ الْجَديد(د.جون قرنق) { شفافاً كما النيل ،شَاهِقاً كَما الأمَاتَونجْ } أحمد يعقوب (1) في متاهاتِ تلك المجاهيل وتُخومِ تلك الأزمنة البعيدة، كانت الآلهة تُناقش في فردوسها مولد هرقل السودان الجديد سيدنا ( جون قرنق دي مبيور) وفي أيُّ بقاعٍ من كوش سوف يولد؟ حاملاً معه...
بشر يمشي ووجهه إلى الأرض.. أشفار عينيه الملتهبة تلفظ آلام الخمسين سنة الضائعة من عمره.. يخيل لرائيه أن عينيه تفتّشان في جوف الأرض عن نقود ساقطة.. يقضي حاجته دوماً في العراء.. يرفض استعمال المراحيض، فهو يصرخ عند لومه على ذلك بقوله: - إنها آنية نظيفة و جميلة يجب ألا تتسخ.. حاول مرة نزع واحد منها...
اللّيمون متجعّد في الصّناديق الخشبيّة المتداعية٠ الخوخ ازداد احمرارا ثمّ تعفّن يزحف بداخله دود لا مرئيّ الباب الصفيح ذو المصراعين مفتوح نصف فتحة تعابثه ريح خبيثة فيئزّ متمارضا.... أنت هنا ياعم! لا أحد يردّ ، لكنّ رائحة آدميّة عطنة تنبعث من الظّلمة الملفوفة في الغبار . وقع أقدام...
يجلس سليمان مسندا ظهره إلى جدار نال منه الزمن وتهيأ لسقوط. لقد خلت يداه من متاع الدنيا، بعدما كان وكان، ويبقى (كان) فعل ماض يصير بائسا إذا تلاه النقيض، إذا ضاعت ملامحه وتاهت كل سبل العودة إليه؛ فماذا يبقى لصديقنا غير الصدوق، سوى الجلوس هنا منتظرا قافلة الموت لتسافر به من عبير منسي في الدنيا،...
فتحت صندوقي الأسود لأجد فيه: بقايا من نزق طفولي أحتفظ به بعيداً عن أيام الكهولة، بعضاً من طيش مازلت أمارسه بحذر شديد خوفاً أن ينفد مخزونه لدي، طفولة أمارسها عندما أكون وحيداً: أقفز ببلاهة مثلاً في غرفة نومي، أو أرقص بعفوية ورشاقة على موسيقى باخ، أتدحرج على العشب في الصباح الباكر عندما أمارس...
ما الذي يرمي إليك بوجه امرأة حسناء من تبوك في هذا الصباح الشتوي البارد، وتراه بزينته الكاملة، زينة الشفتين والعينين والخدين، فوق رغيف خبز أفغاني أبيض مدور، وترى فيه وجهها الجميل المستدير الباسم كما نظرت إليك لأول مرة قبل سبعة عشر عاما، وينتشر من جوف الرغيف عطرها شانيل5، ويهزم رائحة الخبز الشهية...
تبسّم النّهار خجلا لمّا فاجأته الشّمس ممدّدا في حجر اللّيل يغمغم حُلما. نسائم تتلوّى من حرّ في الفضاء. المدينة تنهض من نومها على صفير القطار كسلى منتفخة الجفون ومنبّهات السّيّارات تنوب عن أصحابها في إضرام العراك الصّباحيّ بعد نَوْم أرِق. تضوّعت ذاكرة المنزل، في غفلة من دلاء الماء وشراسة...
لم يكن أبي يهتم بالشكل إطلاقاً ..مادام الشيء يؤدي وظيفته بكفاءة , وأنا لم انتبه للأمر إلا بعد أن وصلت للمرحلة الثانوية وبدأ الغمز واللمز . النظارة التي تم لصقها من المنتصف بصمغ أخضر يترك أثره على أنفي أحياناً .. الحذاء الذي تم تغيير نعله بلون مختلف ..وساعة اليد الكبيرة والتي كانت تخص جدتي...
شبت في القرية صدفة; عائلتها المكونة من الأب الكهل وحمار عجوز ومعزة وحيدة وكلب أسود; نزلت ذات صباح تحت شجرة الحراز المنتصبة في حافة الوادي. شجرة معمّرة تكره العيش في فصل الخريف; وهي ترى الحياة من حولها تكتسي بخضرة داكنة; فيشتعل عودها بنار غامضة. نار لها حفيف مخيف; تستعر من بعد المغيب حتى بزوغ...
ليل الليلة جلست راوية امام حاسوبها، لا شيء يغري بالكتابة ، لكن الرياح المزمجرة تحمل مع سكون الليل صوت سعال جارها الثالث على يمين بيتها، منذ سنوات فقد زوجته بتوقف قلبها فجاة على النبض ذات فجر شتاء بارد بعد ان فجر صمامتيه حزنها على فقدان ابنتها العروس بنفس السيناريو المرضي المتوارث بين افراد...
إنها قريتي" قالها وعيناه تسبحان في النور، ثم أردف: "المكان الوحيد في هذا العالم الذي أستطيع أن أدخله نائماً.. المكان الوحيد الذي أستطيع أن انساب بين طرقاته مغمضاً.. ملتحماً في الجدران إلى أن أصل حجر أمي.. المكان الوحيد الذي أستطيع أن أتحسسه فأعرف أن هذا الجدار لصاحبه فلان، وتلك الشجرة لصاحبها...
الوقت ليلا.. أحدق في شاشة التلفاز في شيء من البلاهة، عيناي ترفعان لافتة المطالبة بحقوقهما؛ النوم.. النوم.. لا، أعترض.. فك اعتصام !. آليت على نفسي السمر، فمازلت من عشاق الليل وسكونه، إنه أجمل وقت حين ينصرف البشر نيام، لأبقى أنا أحرس نومهم، رفقة نداءات طائر الخبل في شرفة منزلي، ونباح كلب الجيران...
أعلى