سرد

الظلام الدامس يحيط بالمكان ورائحة التبغ الإفرنجي المغشوش تنتشر في الجو وهناك من يمسكُ بي من كل جانب، احسُّ نفسي مضغوطة بشدّة، لا احد يستطيع العيش هكذا، كل محاولاتي ومحاولات الآخرين معي بالخروج من هذا المكان المكبوت باءت بالفشل، ليس لنا إلّا ان ان ننتظر الخلاص، هذا الخلاص الذي لا نعرف متى يأتي...
الدكتور محمود رجل قلق بطبعه، ظافر خنصره الأيسر لا يكف عن العبث في قوس شعر الشارب المشذب بعناية. عيناه الضيقتان تبدو قاسيتين، تخترقان بشراسة زجاج نظارته الطبية السميك، تزوغان نحو الضيف الجديد الوافد حديثا للعمل بالمستشفى في ريبة واضحة للعيان. معروف عنه انه لا يثق في أحد، لا يصادق أحد، يعلن ذلك...
تطلع إلى كف يدي هنيهة!! بدت تعبيرات وجهه جامدة... ثابتة وكأنه لا يعبأ بأي شيء. شيء واحد لم يستطع أن يخفيه، نظرة عينيه العميقة المشوبة بحزن غامض سحيق: أنت تبحث عن شيء، ولن تجده أبدا، أتظن أن السعادة في ذلك؟! نظرت إليه والدهشة تعتريني... لم أستطع أن انبس بكلمة. تطلعت إليه في قلق، وددت لو اذكر له...
يمسكُ الظلَّ قبل أن يهرب، يحضر مع الشمسِ حتى يضمن الظلَّ الكامل ، يقبضُ بيديه على طرفِ الظلِّ ويغمضُ عينيه وهو يستروحُ نسائمَ الصباح، يشعرُ بالحرارةِ قد امتدت إلى يديْه فينهضُ جريًا ليلحقَ بما بقي من الفيء، يقبضُ عليه بقوةٍ وتستمرُّ الشجرةُ ساكنةً دون أن تتساقط أوراقُها ، يواصلُ الإغفاءةَ في...
اعتلى المنصة ذات فرح استثنائي، لم يكن الطريق إليها سهلا، وضع قصاصاته أمامه مرتبة بالحروف الأبجدية: ألف. باء. تاء. وبالأرقام أيضا: واحدة، اثنتان، ثلاثة...خمسة. أخرج نظاراته القديمة من جيب سترته السوداء. وضعها فوق أرنبة أنفه، لامس الميكرفون الجميل بضغطه على الزر الأيمن، تلألأ اللونُ الأخضر إعلانا...
جميعهم أشاروا عليه بأن يستغل الوسيلة الجديدة في عالم التطور والحضارة "الفيس بوك", ويهبط من عليائه ويخاطب شعبه الذي ينتظر سماع آرائه وأفكاره المضيئة التي ستنير طريقهم للعيش بسلام، والانطلاق نحو بوابات الحرية المفتوحة وأسواق الشبع بعد الجوع والظمأ. بعد أن تعرض الرئيس لحادثة الإغتيال قرر أن...
غريب لا أعلم متى سأصل إلى داري، منذ آويت إلى هذه الحارة أعاني من الوحدة، لا أحد يهتم بي؛ تنفر مني النساء يبدو أنني مصاب بالجرب، هل كتب علي التشرد في بلاد الله؟ أشعر بأنني بلا جذر يشدني إليهم، أو على أقل تقدير لم أجد منهم اهتماما، إنه ازدراء بلا سبب، ربما لخلقتي السوداء المتفحمة، رغم أنهم لا...
الغيم يُسابقنا يتغلغل في ارواحنا يرسل اشاراته نحو قلوبنا دخانه الابيض الجميل يُعمّدُ سطوح بيوتنا هنا حيث الغيم يصاحبنا هنا تُسجل ُّ مواطنتها حيث تدخل الفُصول في هذا الجبل .. هنا لايشيخ ُ الانسان حيث المسافة بينه وبين السماء قريبة حيث الاله ينظر الينا هنا نشاهد سِفر التاريخ وگلگامش...
كان عليَّ أن أصعد السلالم في الظلام، وعليَّ فوق هذا أن أصعد بتؤدة، فهذه السن لا تتحمل كسر المخاريق. أصابع يدي بدأت ترتعش، أسناني صارت رمادية، عيوني باهتة العدسات. وضحكت وهمست: "أنا أتداعى". أربع درجات ثم أتوقف لأخذ أنفاسي، ثم ثلاث، ثم درجتان، ثم درجة، ثم جلست على عتبة السلم. تمدد لي ظل داخل...
منذ نعومة أظافر عزوز ، وهو بارع فى أعمال الجزارة، بإمكانه أن يشفى، وحده عجلا فى اقل من ساعة،مستعرضاً مهارته الكبيرة فى ذبح ،وتقطيع ،ونزع أعضاء الحيوان المسكين!! نال إعجاب وفخر أبيه المعلم عطية، أمام نظرائه من التجار والقصابين . أهمل دراسته،تعثر بها كثيرا. لم يحزن عطية، أو يهتم ، لم يكن يعنيه سوى...
لبست عائشة الكمامة ، ووضعت عُثمان في الرَكّاب . لحسن الحظ أنها تستعمل رَكّابا عصريّا يمكنها من النظر لابنها أمام صدرها . ستُقامر وتركب في الحافلة ، وتطلب الله أن يحفظها من كورونا . منذ مُدة لم تخرج من البيت . توحشت أمها وجيران الحي القديم . شدّها الحنين إلى الحومة حيث نشأت وكبرت وتركت جزءا جميلا...
سامحيني، يقولُ لها سامحيني وهو يمسحُ دمعةً صغيرةً من عينِه اليمنى ، عندما قبَّلتُكِ لم أكنْ أُحبُّك، تماديتُ لدرجةِ الإغراقِ في التقبيلِ كي أُرضي نفسي لا لأرضيك، كلُّ همِّي هو أن أُشبعَ غرائزي المدفونةَ داخلي دون أيِّ اعتبارٍ آخر، حتى الغطاء الأخضر الذي غطيتُ رأسَكِ به لم أضعْه ليقيكِ لفحةَ...
هي قالت :ــ "لا أريدك ".. وأنهت الحوار, وأنا قلت: ــ "أريدك ".. وطال الانتظار, ثم تفرقنا كل منا في طريق, لكنها قبل أن تتركني, أطفأت الشمس في عيني, وبعثرت النجوم في الماء, وانشق الرتْق , وأخذتْ معها النهار, وأُسدل الستار, وتفرق الجمعُ الذي كان يجمعنا, وصمتْ صوت القيثار, وفرغ القلم, وجف المداد...
في ظرف غريب، نادرا ما يحدث،ثار بركان كبير في أرض مملكة الطيور، مما جعلها تهرب إلى مملكة الأفاعي، لتحط فوق أغصان غاباتها المتكسرة، كي تضع بها مضطرة، بيضها، لم يكن لديها الوقت لتتمهل كي تبصر أو تحذر، ثعابين الغدر الآثمة،التي هاجمتها فكادت تفتك بها جميعا سوى قلة لاذت بالفرار . و أمسكت الثعابين...
كان على الموت أن يأخذ روحاً صغيرة، لطفلٍ صغير، في مدينةٍ صغيرة، في مكانٍ ناءٍ على سطح كوكب الأرض. في اليوم الموعود نزل، نظر في ساعته فوجد أن الوقت لا يزال مبكراً، وكان مكتئباً جداً فقرر أن يتسلى قليلاً، فتنكر في هيئة عجوزٍ بلحيةٍ بيضاء كثة وشعرٍ مسترسلٍ بلون الثلج، تمشى قليلاً عبر طرقاتٍ غير...
أعلى