سرد

تعوّدت الدّروبِ سحنته ، كما ألِفت الأزقة خياله الباهِت، اتحد بذراتها حتى صارَ جزءا منها ، ترِن ضحكاته السّمجة ليل نهار ، تتخللها كنعيقِ البوم ، أينما سَارَ تُساوره الظّنون والرِّيب ، دائم الشكاية من تصَاريفِ الأيام ، فهي لا تعرف سواه فقرا ومسغبة، يلهث مطرودا خَلفَ عبق الشاي المطبوخ ، يتسمّع...
(الظاهر أمام أعيننا، وإن كذّبناه، حان وقتُه) قدَمٌ تشد من أَزْرِ أختها، تَتَناوَبان صعود الدَّرَج القديم، تشاركهما الأنفاس المتعبة المتلاحقة، عسى تخففُ عنهما، يدٌ تستند إلى الحائط، حاكَ الشقاء تجاعيدها. سيدة في العقد الخامس تدخل شقتها، وبصوتٍ خافتٍ لا يقوى على الظهور: (السلام عليكم يا حاج...
ذاك البغل ذو الوجه المنتفخ، و الكرش المندلق أمامه كجثة، ما زال متسمراً في شرفته بالبناية المقابلة، بلباسه الكتاني الأبيض ذي الحبلين المتدليين كمشنقتين، و صدره المشعر كغوريلا، أمرت زوجتي ألا تفتح الشباك المطل على الشارع الرئيسي، أو تفتح باب الشرفة - لماذا؟! تسأل مستغربة - هكذا تمسح باطن كفيها في...
بعضكم لا يعلم بذلك الحادث الذي تعرضت له؛ كنت أتحدث كثيرا؛ أخرج زائدتي الدودية التي تسكن فمي، تلونت بألوان الطيف السبعة، أتعاطى أدوية تقلل سيلان اللعاب، أبدو ببغاء غريبا؛ أتراقص في جنبات الأمكنة العطبة ألوك العبارات الغريبة ساعتها يراني زملائي عبقري زمانه. الآن لم تعد لي غير تلك الأصداء تدق في...
سألت فاطمة صديقتها ليلى : ـ هل تعرفين حليمة زوجة إبراهيم الاسكافي ؟ أجابت ليلى باقتضاب : ـ لا . لا أعرفها . ما لها ؟ وضعت فاطمة كأس الشاي فوق المائدة وقالت : ـ اسمعي ، حليمة امرأة بعشرة رجال ، تشتغل في كل شيء إلا الحرام . تخدم في البيوت ، تبيع الخضر في السوق العشوائي ، تعمل (طيابة)* في الحمام...
هذا الجسد المنحوت بعناية، لابد أن يسجي!! وهذا الرسم المحفور بين الثنايا،لابد أن يمحي!! فهل كنت لي يوما سوى شوك لزهرة بغير عطر؟! لا وبريق عنيك... لا والسحر بين شفتيك... لا وإن سجد العالم كله بين يديك. فما كنت دوما إلا ذكرى لأحزاني، وأشجاني. **** ذلك الضريح الرخامي، وهذا الحجر الصلد ، الذي...
تمتد الخضرة، في ويلز، على امتداد البصر، متوزعة في كثافتها دون اتساق فوق تلك المستطيلات المنفصلة عن بعضها ، بخطوط مستقيمة، متكونة من أشجار شوكية، وأينما يلتفت المرء، سيواجهه المشهد نفسه، سواء كان هضبة أو وادياً، أرضاً فسيحة أو وعرة. تعود هذه الخضرة الدائمة إلى خصوبة الأرض، وغزارة المطر، الذي يهبط...
هل كانت روحي - متيقنه تماما- أنه حين يأتي ليقرأ لي سأشفى؟؟؟ أم أن هذا الجزء الهمجي المجهول من جسدي كان يتوق لهذا الفعل المغلف بورق المراوغة!!! يتعالى صخب الاستعداد لمجيئه ، وكأن الأمر لا يعنيني أقف شاردة انظرعبر النافذة لساعات ثم اعود لأحاول ان ألملم فتافيت روحي المبعثرة والمتناثرة على...
هل الجحيم مكانٌ مظلمٌ وبارد؟ هل الجحيم نارٌ وسعير؟ هل الجحيم ... مالي أفكر بهذه الأفكار الآن؟ مالي وبما يعتقده الهندوس أو البوذّيون أو غيرهم عن الجحيم؟ وعادتْ لتجيب عن سؤاله: - آسفة، لا شأن لي بعلاجات صداع الرأس. أنا لست طبيبة. - لكني سمعتهم يقولون لك: مع السلامة يا دكتورة. - صحيح، هذا لأني...
هل تستطيع أن تضحك؟ لعلك تريد أن تبتسم!! ولكنك تتريث. تريد أن تفرح، ولا تعرف كيف!! تتساءل ، لماذا هذه المسحة من الحزن الخفي؟! لما ذلك الألم؟! ذلك الصمت، الحذر الذي يستكين دائما في قلبك؟! تريد أن تضحك... تفشل... تتساءل في عبثية : هل أنا لا أقدر؟! أم لا أعرف؟! وفي النهاية تتملكك حالة...
عهدناهُ يَتقلّب شتاء تَحت شَمس الظّهيرة الفاترة ، كفحلٍ من فحولِ القرية العِظام، موفور الصحةِ ، مستقيم البنيان ، يُرسِل أنفاسه المكتومة وقد زمَّ شفتيهِ ، تبدّى وكأنّما يستجدي أشعتها المتراخية ، وخيوطها المهتزة ؛ أن تنشب أظفارها بينَ حَنايا جسده المُترهل ، تعوّد هذه النّومة مُنذ كانَ في سنتهِ...
ربما ماركيز وصفَ هذه العزلةَ بالمقدّسة ليقينه بأنّ المرءَ يعيشُ فيها ملءَ حياته بعيداً عن ضجيج الواقع وبما يقابلُه الأكثرُ ضجيجاً وسائلُ الاتصال الاجتماعيّ التي ينعدم فيها التواصلُ.... غيرَ أنّ الأنفسَ الكبيرة تحيّي بعضَها عن بُعد في فترات متباعدة ، فغربةُ المكان تستبدُّ بالمرء وتفضي به إلى غربة...
بعدما مرت علي نرجس السنوات صعبة مريرة، وزوجها عمر غائب عنها، تأكدت أنه يمثل قيمة كبرى في حياتها ،بل ربما أدركت أخيرا أنه كان أهم شئ لديها، تساءلت في أعماقها : هل هي حقا تحبه،أم أنها مجرد رغبة مجنونة للامتلاك؟! ، وخاصة وأنها على طول عشرتها له لم تصرح له يوما بأنها تحبه، بل إن كل ما كان يحدث...
كان يراها ويشتمها في كل أنواع الفاكهة ويذهب خياله بعيدا إذا ما رأى في الأطباق المفضضة أو المذهبة أو على الأشجار المخضرة المزهرة رمانة أو كرزة أو حبة من الفراولة الناضجة أو العنب الأحمر .. كانت فاكهة في جسدها وتلون لباسها بلون قشور البرتقال والليمون والزيتون والبطيخ ..في المساءات المملة حين...
بلغ من العمر عتيَّا، لقِيَ معظم جيله حتفه وقليل منهم بعدد أصابع اليد الواحدة ما زالون على قيد الحياة، عاصر عدة أجيالٍ بمفاهيم مختلفة، لكنه ثابت كالصخرة الصماء لا يتغيَّر فيه سوى ميقات التواريخ والأعوام. العم (حمدان) أمِّيّ لا يجيد القراءة والكتابة، لكن له ذكاء فطري، حافظ لسور القرآن الكريم...
أعلى