سرد

أن تتحدث عن الحقيقة بوجهك المزيف الذي ترتديه لا يمنحك أي حق في أن تكون في محل النصيحة، فما انت سوى وجه تديره أيدي خفية من وراء كواليس سلطة تقبع في دهليز عميق. هذا ما قاله محمود الى من كان متصابيا بعد ان عاثت ذوائبه تقلبات جهل في أيام معدودات والذي يصر على ان يكون مواليا من كان في زمن ولى رفيق...
عينان عسليتان .نهد خمري , قبضة كف, مكور ومنتفض ,عشرون عاما مضت منذ تعرف عليها , دار ت به وبها عجلات الزمن ,لم تترك لونا من اسلحة الارادة الا وجربته لمقاومة الانهيار ,وحيدة هي الان في قرية قصية بالجنوب .. بلبل في قفص وقطة جميلة هي ما تبقى من ضجة الاصدقاء والاقرباء ... مضى على ذلك اكثر من ربع قرن...
الفصل الأول حين قررت كتابة هذه الرواية والتي أقل ما يقال عنها أنها رحلة تعددت أزمنة حكيها ما بين الماضي البعيد والقريب والحاضر المشوش والمستقبل الغامض ...شخوصها سقطت غائبة عن أجسادها حين احتجزت بقاعة انتظار بمطار دولي، فأحست وكان أجسادها ليست ملك لها، وبينها وبين الأجساد الأخرى حقيقة يجهلونها...
القطةُ ذات الألوان الثلاثة ظلت طوال سنوات تقيم رابطًا شَرطيًّا بين فتح الباب والطعام الذي يأتيها من فائض أطعمة البيت. اقتربتْ اليومَ من سيارة العائلة، وانتظرتْ تحتها قليلًا، لم تجد من يناديها ليقدّم لها شيئًا مما اعتادت عليه، فألقتْ نظرةً بمواء حزين نحو الباب. ظِلال تدخل وتخرج، والقطة التي...
جلس يتأمل غبش المصباح الشحيح الضوء، المشنوق بسقف غرفته، بطريقة تدعوه للخوف، وهو من دأب على تحصين نفسه طول الوقت، من أتفه الأمور وأقلها، خشية الموت، غير مدرك أن الموت يحصد الخائف والجبان، لذا قرر أن يؤجل البت فى مسألة الموت حتى الأيام الأخيرة، حينها يكون الوقت قد تأخر على حلها، ويكون قد تأخر...
في قلبي سيماء تدلّ عليّ لا يخطئها بصر من يحببنني ، هي أوّل ما يبدو منّي ويبرز من ملامحي، تلخّص دهراً من العشق الالهي والتهجّد والدموع والخشوع والعبادة والتوبة والاستغفار والمجاهدة ومحاسبة النفس، لقد بقيت الصلاة قرّةَ عيني وغايةَ مهجتي، فيها جلاء قلبي وصفاء روحي وسكينة نفسي. ظل قلبي...
ما الذي ذكّركِ بيّ؟! سمعتهُ يهمسُ لها متعجبًا.. اقتربتْ منه أكثر بينما تركتْ أصابعها تتسللُ ببطءٍ نحو هامته المتيبسة حتى سرتْ قشعريرتها في كامل جسده الطويل، فارتعش بقوةٍ ولذةٍ تاركًا إياها تعبثُ به وتدندن قائلة: -ومَنْ غيره ٠٠ أنه الحب الذي سرى بيّ فولّد شوقًا عظيمًا لم أتمكن من إخفاءه! شعر...
عندما شاهد ملعب كرة القدم، في المدرسة التي سبق وأنْ تلقَّى التعليم فيها، خُيل إليهِ وكأنَّ شبحَاً يطالعه بابتسَامة سَاخرة ويقول: - أهلاً بهدَّاف المَدرسة. كان ذلك قبل بضع سنوات، يوم كان تلاميذ المدرسة يصفِّقون إعجاباً به وهو ينطلق بالكره مراوغاً هذا ومدافعاً ذاك، حتَّى تستقرَّ في المرمى، هدفاً...
(جزء 3) محمد عبد الهادي فاجأني ما عرفته مصادفة عن الأحداث التي تدور في الشركة التي يعمل بها والدي، قابلني "الأسطى" حسين خلال إحدى جولاتي وأخذ يسرد لي في ضيق بالغ ما يواجهونه، كنت أعرف "الأسطى" حسين منذ الصغر وأعرف عصبيته الشديدة فحاولت أن أطمئنه رغم مفاجأتي بالأمر، حرصت على العودة إلى البيت...
أذكر جيدا حصون النمل في حقلنا الأخضر، بجانب كل نبتة (تالما) جبل بركاني الشكل، شيدته نملات صغيرات، تخرج وتدخل في فوهته حاملة حبات قمح أو شعير تفوقها حجما، سرقتها جهارا نهارا من حقل أبي، لم يكن ذلك يزعجني ، بل كنت أساعدها، فاقطف لها من السنابل حباتها، وأضعها أمام بيتها، واستمتع بمراقبتها وهي...
جلس جواري فى القطار كهل أبيض الشعر نحيل القامة، تجري فى صفحة وجهه بعض حيوية، إرتسمت بشفتيه إبتسامة مقتضبة، أخرج من حقيبته الجلدية الصغيرة أجندة وقلم، كتب سطرا إلتقطته عيناي فضولا، يمكنني الإعتذار عنه، لا أنكر هنا أن السطر الذى قرأته، هدهد روحي الموشكة على مغادرة جسدي، كتب فيه : حتى الحشرة...
بعد ربع قرن يصله سلامها، هل كان يتخيّل مثل هذا الفعل بعد كل هذا العمر؟ بدت كهبّة الرّيح التي تشعل جمرة راح رماد النسيان يلّفها مع الوقت... خيّل إليه أنه نسي عمر الماضي بما حمل، الضحكات والأحلام والجري تحت وابل المطر، دنيا طويلة عريضة من الآمال، سوق " الحلفاوين " الذي شهد على هذا الحبّ المشتعل،...
داس عقب السيجارة تحت قدميه في حركة دائرية ، وعاد الصمت المترقب من جديد ، ليكتسي بسكون مظلم ويلتف بغشاء ضبابي ، مثير. قتلا للوقت أخذ يوسف يذرع الغرفة جيئة وذهابا ، عاقدا يديه وراء ظهره مرة ، تاركا إياهما إلى جانبيه مرة أخرى ، وفي رأسه تتأرجح أفكار كثيرة ، توقعات ، أحاسيس ، والسكون يمر على جدران...
"الأسطى" عبد الهادي توالت الأخبار والحكايات حول عملية البيع المرتقبة، تكاثرت فلم نعرف الحقيقي من المزيف، أفادت إحدى الحكايات أن هناك أربعة أو خمسة عروض مؤكدة وأنه قد بدأت دراستها بالفعل، حكاية أخرى ذكرت أنه لا يوجد إلا عرض وحيد وأن هناك تكتما شديدا يحيط به، من جهة أخرى قال بعض الموظفين والعمال...
قال لي بائع التّذاكر: - أتذكرُ أني رأيتكَ البارحة هنا، أليس كذلك؟. - نعم. لقد وصلتُ المحطة متأخرًا، فاضطررتُ لتأجيلِ الرّحلة لهذا اليوم... قاطعني مندهشًا: - ألم تسمع نشرة الأخبار،ألم تقرأ الصّحف؟!. نفيتُ بهزةٍ من رأسي، لكن لم يمهلني طويلًا، إذ قال وكأنه يسردُ فيلمًا سينمائيًا: - ليلة البارحة،...
أعلى