سرد

في المقهى، في انتظار منتصف النهار، وما يترتب عليه من ازدحام مروري لا يليق بمدينة مثل مدينة الكاف، جلس قريبا مني ثلاثة شبان يافعين من تلامذة الثانوي. كانوا بلا هواتف تشغلهم. لا يعني ذلك أنهم من أبناء الفقراء فملامحهم كلهم تدل على أنهم من أبناء الطبقة الوسطى وكانوا يتحدثون بصوت مسموع وبعفوية وصدق...
ﻟﺑﺳت ﺛوﺑﮭﺎ اﻟﻣُطرَّز الأﺳود، ﺣﻠَّت ﺷﻌرھﺎ وﺣﻣﻠت ﺳﻠَّﺔ اﻟﺗﯾن اﻟﺧْﺿﺎري، ﻗطْف اﻟﻧَّدى. "عيشة" اﻟﺗﻲ ﻛُﻧّﺎ ﻧﺳﻣﻌﮭم ﯾﻧﺎدوﻧﮭﺎ "ﻣﺎﻣﺎ ﻋﯾﺷﺔ" ﺗﺄﺧذكَ ﺑطوﻟﮭﺎ اﻟﻔﺎرع وﺟﻣﺎﻟﮭﺎ اﻟﻐﺟريّ وﻣﺷﯾﺗﮭﺎ الإرﺳﺗﻘراطﯾﺔ، أﻣﻲ ﻗﺎﻟت ﻋﻧﮭﺎ إﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت ﺣﻛﯾﻣﺔ وﻋﻧﯾدة، ﺗﻠﺑس اﻟﺛوب دون أيّ ﻗطﻌﺔ ﻣﻼﺑس أﺧرى ﻻ ﻣن ﻓوق وﻻ ﻣن ﺗﺣت، اﻧﺗَبَه ﻟـ"ﻣﺎﻣﺎ...
أسعل وأتلفت حولي .. لا يلفت انتباه الناس عادة رجل وحيد يسعل، سأتماوت إذن: أرتمي بالقرب من شاورما الريم ويهرع الناس. تقول فتاة جامعة: أنا أول من رأى الجثة..تتصور معي سيلفي وتمضي! تمر شاحنة بيت الدفن الإسلامي.. يقول السائق: هيا إلى الصندوق الخلفي. يرد معلم الشاورما: الإسعاف بالأول. ثم يحدث الشجار...
ورقة أولى : أعمارنا قصيرة كما الزهور ماتلبث أن تذبل، لذا نلجأ للكتابة تعبيرا عن الآلام التى لا يخفف من وطأتها سوى البوح، بدلا من الصمت أو الجنون، الكتابة الورقية لها مذاق خاص، حروفها حية تتحرك على الورق، لغتها مصقولة مغسولة فى نهر يشع بالأضواء والظلال، تتهادى مع النسيم تلثم الشاطيء وتعود الى...
كنت أنفض عني غبار السنين وأنا ألثم جبين الجبل الذي كان يحمينا لنصف قرن. ممدد تحت هذه الكومة لكن يدك معنا في كل منجز، رأيتك البارحة تخفي هامتك بين جمهور المباركين وقد غمرت الشمس مقلتيك، بلغني دعاؤك الحاضن لي كل أيامي وليالي لذلك كان الإهداء الفاتح إلى روحك النورانية... الكثير حاول محاصرة...
علياء وأدهم زوجان لديهما طفلة جميلة ، تزوجا بعد قصة حب دامت عدة سنوات ، تقابلا فى الجامعة ، وقتها كان أدهم طالباً فى السنة النهائية فى كلية التجارة ، بينما علياء فى السنة الأولى لنفس الكلية ، أحبا بعض بمجرد أن ألتقيا ، عارضت عائلة علياء هذا الحب بشدة ، تقدم أدهم للزواج من علياء عدة مرات إلا أنه...
يَشرد؛ فتمثل أمام ناظريه صورة والده وهو مَحنيٌّ في الحقل يعمل أجيرًا، وصورة الأمِّ وهي تُتاجرُ في عدد قليل من الدجاج الأبيض تبتاعه من صاحب المزرعة التي يعمل بها والده ولمَّا تنتهي منها تبتاع غيرها وهكذا، فيفيق على قُوةٍ داخليةٍ تجعله يزيد من فترة حبسه الانفراديِّ الذي فرضهُ على نفسه مع كُتبه...
الغالية لم يسبق لها أن ظهرت في شريط فيديو.. لأول مرة ستقف أمام الكاميرا، وتُدلي بتصريح.. لم تسمع سؤال الرجل الذي قدم لها الميكروفون.. اعتقدت أنه يعمل في التلفزيون.. وأن الشريط سيمر في نشرة الأخبار، ورسالتها ستصل إلى العالم أجمع.. بعد الزلزال الذي ضرب المدينة، تفقّدَ رجال السلطة مصحوبين ببعض...
استفاقت على صوت بائع الخضر المتجول تذكرتْ: آه لم يعد هناك ما أعده للغداء. نهضت بسرعة دون أن تغسل وجهها رمت بخمارها على رأسها وأسرعت نحو الباب. آه نسيتُ النقود أين المحفظة؟! آ، ها هي هنا؟! أخذتها في يدها، دفعت الباب وراءها، نزلت درج العمارة مسرعة، تذكرت أن الجيران في هذا الوقت نيام، والعمارة من...
لفت انتباهه نظرات زوجته له ودورانها حوله وهو يتأنق أمام المرآة، شعر بأن هناك أسئلة تتلجلج داخلها, ربما تحدث نفسها الآن ... لماذا اليوم أخذ كل هذا الوقت أمام المرآة ؟ لأول مرة أراه يصبغ شعره وشاربه ، كل ما يرتديه اليوم جديد بذلته , رابطة العنق ، حتى هذا العطر أتى به أمس رغم أنواع العطور...
لم يتعرف عليه رواد المقهى الجدد، ألقى عليهم السلام لم يردوا التحية كما كانوا يفعلون فى السابق، كانوا يلتفون حوله يحبون حديثه، لم يعد لديه مايرويه بعد أن جفت الينابيع، والحكايات بدت ماسخة إنه على أعتاب الخمسين، ذبحته مقصلة الخصخصة أو المصمصة وألقت به خارج المصلحة فى معاش مبكر، إختفى وجهه النضر...
على الطاولة آثارُ شيءٍ دافئ، إحساسٌ غريبٌ يتسلل إليه، يخطف قلبه ، يُشعره بأنه في عالم آخر، ماسر هذا المكان؟ قال له أحد العاملين : كانت على المقعد الذي تجلس عليه امرأة طلبتْ مشروبًا ساخنًا، عندما شاهدتَك قادمًا لم تُكمل احتساءها له ، اكتفتْ بالنصف وغادرتْ وهي تنظر إليك، قال له: فهمتُ الآن، نظر...
في أزمنة لاحقة لليال كانوا يتحلقون فيها حول العم موحى، فيفحم منطق الأساطير خرافات التاريخ ، اعترفوا لبعضهم غير ما مرة أن صوته ما ينفك يحوم حولهم في الهزيع الأخير من الليالي المؤرقة، يهدهد قلق الأيام فتستيقظ النفوس رشيقة تحلق على أجنحة الحنين ... كان يا ما كان ... لازمة يتردد صداها...
بلا عينين لم يستطع رؤية الأكياس الفارغة، والنّفايات الطَّافية على صفحة الماء. ربما دفعته الرَّوائح الكريهة إلى استشعار أنَّ المنظر شديد الكآبة لدرجةٍ دفعته إلى الاستدارة، وإعطاء النَّهر ظهره، لكنَّه سرعان ما تذكر ما خرج من أجله؛ فعاد إلى استقبال صفحة الماء بصدره من جديدٍ. خمسمائة خطوةٍ لركبتين...
تعالي نقتسم الأرزاق بيننا، فمنّي الخبز ومنكِ الملح، والماء الشّروب يبلبل منّا الريق. كالمتسكّعين في أزقّة الزّحام العمياء والمشرّدين من فراغ اللاعمل واللامأوى واللاهدف والمنتظرين على مقاعد الحدائق العامة يتأمّلون ويأمَلون وينتظرون . والليل إذا أتانا تدريجياً لا يُخيفنا ولا يرهبنا، فنحن...
أعلى