امتلأ ميدان التحرير عن آخره، شباب وشابات شيوخ وأمهات وأطفال، لافتات تحمل عناق الصليب والهلال، سيمفونيات من التآخى والحب، مكبرات الصوت تذيع أغنيات الشيخ امام واحمد فؤاد نجم :
مصر يامه يابهية يام طرحه وجلابيه، الزمن شاب وانت شابه،هو رايح وانت جايه، هرج وتدافع كأنهم فى ساحة معركة، خيول وجمال...
الأقدار رتبت لقاءهما أثناء فرارهما من موقعة الجمل فى ميدان التحرير، هو طبيب من المنصورة أخذ أجازة للمشاركة فى ثورة الخامس والعشرين، وهى خريجة أداب قاهرية، تساقط العديد من الجرحى والقتلى، الثورة المضادة التى تضخمت ثرواتها فى عصر الفساد، تحاول إجهاض ثورة الشباب، عادا للميدان شاركته إسعاف الجرحى،...
إمشي علشان أمشي وإمشي علشان إيديا اللى شايلة اليافطة تعبت وإمشي كفاية عليك كده، لافتات إرتفعت فى الخامس والعشرين من يناير سنة الف وتسعمائة وإحدى عشر، سقف المطالب إرتفع من عيش وحرية وكرامة إنسانية الى الرحيل، ورحل .. حكايات وثرثرات طريفة فى محيط الأسرة، الجد يقول : حزب الكنبة نزل الميدان...
قمحية فى عينيها حزن غير معلن، فواحة الحضور، تشبه اللوحات القديمة فى الزمن الجميل، شاركت فى ثورة الخامس والعشرين من يناير، ومنذ ذلك الحين والسياسة طبقها المفضل على كل الموائد، أصيبت بجرح قطعي فى يدها اليسرى أثناء موقعة الجمل، عندما أفاقت وجدت نفسها فى مستشفى ميداني، لم تنسى قط إبتسامة الطبيب...
بعد الفجر، ايقظه "كوع" هزَّ المخيَّم، تلاحقت الصور في وعيه المتمايل،قفز من فراشه، غسل وجهه بعُجاله وخرج، راح يشارك نظارائه الترصد والالقاء،إنسحب الغزاة بعد أن قيدوا "جمايكا" و"الهندي"،... انسحبوا هذه الكلمة التي تطفأ النار... فعاد الى بيته ليجد امه الخائفة تنتظره بوابل التوبيخ... دس كتبه العذراء...
منذ عرفت نفسي وأنا أنتظر وفاة عمي .!
لم أكمل دراستي ، ولم أفكر بأن أعمل ، فقط أنتظر وفاة عمي لأرث ثروته الطائلة فعمي ليس له زوجة أو أولاد ولم يبق من أسرتنا إلا أنا وهو .
ذهبت إليه مرارا ليدعمني أو ليجد لي وظيفة مناسبة ، لكنه نظر لي باحتقار ووبخني وألقى علي محاضرة طويلة حول الكفاح والعمل ، وكيف...
توقف على سطح البناية الشاهقة لخمس دقائق... ماذا شاهد؟
سرب حمام مضطهد يطالب بلجوء إلى سماء محايدة!
كفيل يتمشى في الشارع مضطرب الخطى.
المدير في المكتب يتثاءب الآن، يغلق النافذة ويمرر يده على كرشه المندلقة.
شجرة تتعرى على رصيف مبلول بماء الشطف وشرطي يحرر مخالفتين: واحدة للشجرة وأخرى لطفل يترنح على...
تحديدًا في موعد استيقاظه، أرسلتُ له عبر الماسنجر أغنية " وقلت بكتبلك " التي يحبها، ثم كتبتُ له أسفل الرّابط:
- أين كنتَ مساء البارحة، لِمَ لم تردَ على رسائلي؟!.
انتظرتهُ ليقرأ الرّسالة بعد ظهور الشّمس الخضراء التي وهّجتْ قلبي حالما رأيتها!.
انتفضَ قلبي حينما وضعَ قلبًا أحمر أسفل الرّسالة وبدأ...
لم يكن فى حسبانى حضور أدهم فجأة ،خاصةً بعدما استبدلنا المطعم الذى كنا نلتقى به بكافيتريا أخرى فى منطقة العجمى .
نظر أدهم إلىَّ والإبتسامة الصفراء تكسو وجهه ، ثم قال بهدوء مريب :
- مفاجأة ليست فى الحسبان أليس كذلك ؟!
- ...
- عموماً أنا كنت ماراً بسيارتى من أمام الكافيتريا ، ولما لمحت سيارتك واقفة...
منذ عدة أعوام وذات فجر علمت بنبأ وفاة شقيقتي.
انعقد لساني، وصدرت عني أصوات هجينة، من كلمات متكسرة وأنين، وأنا أردد واجب العزاء على من جاءوا لمواساتي فى مصابي ، وأنا أحمل هاتفي الجوال، اردد واجب العزاء على من يهاتفني .
هرعت الى حاسوبي تعلقا بأمل وأه ظننت أن باستطاعتي أن أغير مسار القدر كما...
یرقُّ عندما یسمع المغنّي الشَّعبي، یغنّي، یُطلق الآھات، یحیِّرنا في وصف البنات..
"كلّ البنات نجوم یا عنیِّد یا يابا".
في داخل خیمة المقھى، كان الصوت البعید ینقل الشَّجن:
"نِزلِنْ على البستان یا عنیِّد یا یابا".. كان صبيّ المقھى یتراقص مثل ساحر معتوه أمام طالبات المدارس، وكلھنّ أنیقات یضعنَ...
في المشهد أمهات طيبات مهووسات بالغسيل..ينهين غسيل العائلة باكرا ويتوجهن على شكل سرب إلى المستشفى ليغسلن الكلى !
في المشهد ضوء طازج يسقط على الفاترينا المملة..يد ترتب الأشياء..رائحة الصيف الحارة تتسرب من ردهات البيوت العتيقة.
في المشهد صوت أغنية ريفية ممزوجة برائحة الهيل والعرق بعد أن يجف على...
قرص الشمس فى كبد السماء يرسل حمما،
نال منها التعب وهى تبحث عن بقع الظل الشحيحة بين زحام الباعة والناس والمركبات، بعد جهد وجدت فى آخر السوق ثمر البامية التى تحبها حماتها، لدى بائعة وحيدة والذى كان شحيحا لانه فى غير موسمه، الحياة لا تسير هادئة مع أم الزوج التى لا تكف عن الشكوى من زوجة إبنها،...
سألني صديقي الذي لا يقابل في غرفتي أحدًا غيري:
- ما الذي فعلته في الأيام الماضية حينما غبتُ عنك؟.
أجبته:
- كالعادة، مرت الأيام بشكل روتيني، لكن الغريب هذه المرة أنني ما أن أضع رأسي على الوسادة، حتى تتزاحم الأحلام عندي!.
صديقي هذا لا يفكر في مقاطعتي أبدًا. اكتفى بهز رأسه مشجعًا لي على متابعة...
كان الكثيب الرملي الذي يصعده مرتفعا كما جبال الحجاز، لقد أضناه الحر وأتعبته رمال الصحراء، والمشي فيها. راحلته ما عادت تتحمله ولا تتحمل العطش الشديد، فجمله الرعوب كاد أن ينفق من قلة المياه.
آخ لولا هذه العاصفة التي ضيعتني عن رفاقي في أطراف الدهناء لا أعلم أنا الآن في أي اتجاه أسير وأين هي نجدٌ...