سرد

أنا ذاكرة مفقودة، امضي وقتي عابرةً الشوارع المؤرشفة في ملفاتي كل يوم باحثة عن جسد كنت خزانة لحظاته ذات عمر، أراقب المارة وأتبين ملامح وجوههم لعلها تطابق شخصية كنت خاصتها،مضى الكثير من الوقت و أنا على هذا الحال حتى أنني اعتدت الأحياء التي تجولت بها و اعتدت أهلها. ذات لحظة ومض سؤال حيرني: لمّ كل...
خرج من ( البنك) بفم جاف وشفتين ملتصقتين بأحكام كما لو أنهما فرج مومس بعد انقطاع العادة الشهرية. رأسه فقمة متجمدة تعلو كتفيه المتهدلتين. عيناه فارغتان من الايمان بكل قيم العالم. حسابه البنكي تعوي في غابته المعدنية ذئاب الإفلاس . الميت ممدود على سجاد يعج بالثقوب. ينتظر ثوبه الجديد . الكفن الذي...
نظرت إلى عينيها الجميلتين، كبيرتان براقتان، لا تعبران سوى عن الحب والحنان. ابتسامتها لا تزول، لا خبث فيها ولا تصنع .. ابتسامة تكفيك لأن تبقى فرحا طوال اليوم. حضنتها .. قبلتها بابتسامة مرتجفة لم يعهدها ثغري.. وراح قلبي يلذغني كأنه ينوي التوقف في أقرب لحظة. ورغم هذا واصلت احتضانها والتبسم في وجهها...
ما انتابنِي وقتها شعور بالحاجة! كنت صغيرا على التعبير آنذاك ولا زلت، لكن، مُذ دخلت تلك المدرسة الإعدادية وأنا أذرّع الساحة بعينيّ الصغيرتين، أختزِل الوجوه بحثا دون جدوى، كان يوما شاقا ومُتعِبا للغاية. ما الذي أتعبني؟ !!! لست أدري. لكنه استمر عقدا من الزمن . وأظنني سأسرد ما لم أسرده يوما هكذا...
كان شديد العناية بهندامه واثقاً في خطواته، منعزلاً في مجلسه، يحيط به الغموض، لا يدري أحد اين يسكن ويقيم في دوائر باريس العشرين، لكنه كان يغشى مقاهي معدودة قريبة من المدينة الجامعية، يلمّ فيها ببعض أخبار "عالمنا الثالث"، كما كان يطلق عليه، وكان غالباً ما يحمل صحفاً ومجلات يسارية نحو (ليبراسيون)...
وقف بسيارته الرباعية الدفع عند حنجرة الربوة المترامية الأطراف، يتأمل الأخدود الذي نحتته يد الخالق بين الهضبتين في لوحة ساحرة. تسارعت الذكريات تباعا إلى ذهن سعيد و هو يرتعش بين يدي الفقيه الفظ يتلو عليه ما حفظ من القرآن في الأمسية الماضية. تستهويه الذاكرة و هو يعيد نفس الفعل كل يوم بين يدي...
لم يبق أحد في البيت المجاور لمقبرة المدينة. الله وملائكته جميعا رحلوا.. لم تبق غير روائح الشياطين المتعطنة. والخفافيش التي تملأ المكان بوطوطات مخيفة. لم يبق أحد غير كائنات شريرة عمياء تتقاتل في الليل وتصدر أصواتا بشعة مقرفة. القطة الأم بلكنة مرتعشة : - أيها الملعون الفصامي - ألم تخمش فرو أطفالي...
صمّاء.. وتسمع ما لا نسمعه بكماء..وكلماتها مفهومة في كلِّ الأصقاع صامتة .. وصمتها يروي ألف حكاية تحكي بيديها حكاياتٍ متعدّدة التفاسير ويجوز فيها ما لا يجوز لذوي الألسن الناطقة.. وروايات الأصابع لا ضيرَ فيها ولا تطالها محاكم القضاة .. ولا تسجّلها دواوين التنصّت والاستخبارات! حكايات تنسجُها...
مررت بأب مصري يقول لإبنه الشاب بعنف: - اللي باعك بيعو...اللي باعك بيعو.. والود يعيط بحرقة... ... كدت أن اعطيه بالشلوت وأقول له: - قوم يا عجل... قوم اوقف وانت بتكلمني قوم اوقف بص لي وفهمني... ... والمصريون شعب فيه رومانسية وفظاظة .. فهو يجمع النقيضين وانت تظن كل الظن أن لا تلاقيا... ... ولو كنا...
الثالثة مساء ندف الثلج تتدافع.. شهر يناير ذئب قطبي ما فتئ يعوي منذ أيام قلائل فوق أسطح البيوت القرميدية. كان حاجز بلوري يفصل بينهما. كل يضع سماعة الهاتف في أذنه المستنفرة. الكلمات تتساقط مثل أوراق الخريف من شفتي إبنه السجين. الإبن متلعثما عيناه تحلقان مثل عصفورين مذعورن. - لست أنا الذي رشق...
لا تتوقف غرائب وعجائب الحياة وقصصها...إنني أفتقد للاعتقادات بالماورائيات لكنني رغم ذلك ألتقي بمن تحدث لهم تلك العجائب كثيرا. ولا أعرف كيفية تفسير هذه الغرائب. فمثلا صديقي عاد قبل أيام من المدينة إلى الرياض ثم اكتشف أنه أضاع إقامته وإقامات أولاده وزوجته.. أعرفه منذ أيام المدرسة وهو من الدراويش...
لم يكن في البهو أحد سوانا ، فالشقتان متقابلتان ، تطلان على الشارع و الحديقة العامة ، اليوم تهطل الأمطار بغزارة تغسل كل شيء ، النوافذ و الحوائط و الأشجار و السيارات المرصوصة ، تملأ الحفر بمائه الندي . تختال : هل عاد قلبك إلى مكانه ؟! تبدو كمن فقد شيئا ؟ فمنذ رأيتني مع حبيبي القديم على...
فارع الطول يعرفه الناس من بعيد،ذو شخصية قوية مؤثرة،يشد إليه كل من يجلس معه أو يتحدث إليه،يَطْمئِن الشباب للجلوس إليه،والآن طعن في السن،وتجعدت أسارير وجهه،وتنكرت له الدنيا،لم ينجب ذكورا،صار يعيش وحيدا في بيته،تخلت عنه زوجته والتحقت بأهلها،وتركته ابنته من زوجة أخرى لا يعلم عليها شيئا،في هذه...
الليلة باردة، أنظرُ إلى ما يُخيل لي بأنها نجوم... أعدها لو استطيع! تجفل عيني، الألم في عظام الرقبة يحول دون التحديق عالياً لمدة طويلة... أطرق! ينسل دبيب القلق إلى القلب، كيف عرف عنواني هذا القلق؟ حمولته من الحروف الناقصة والمعاني غير الكاملة، متجددة. السماء في مدينة أخرى، تبدو أكثر اتساعا، لا...
أعلى