سرد

أعلنت الصحف أن موكب المسؤول الكبير سيخترق شارع الكورنيش في طريقه للمنطقة الصناعية لافتتاح مصنع جديد ، وفي الصباح تدفقت الحشود إلى الشارع المحظوظ حتی اكتظ بالبشر ، وكاد أن يختنق بالزحام . ورغم تسابق الناس وتكالبهم على احتلال مواقع قريبة من الطريق ، فقد نجح في أن يدس جسده النحيل بين الأجساد...
طالعت اليوم في كتاب أصفر تآكلت حوافيه، أختزن في بيتي مجموعة قيمة من تلك الكتب، توراثت عن جدي بعضها؛ أما البقية فقد جاءتني من قريب لي يهب لمن أحبه نصوصا تقاوم النسيان في بلاد تحوطها العجائب من كل نواحيها. تقول الحكاية: ذيل طويل يمتد مسافة ليلة ونصف، ظهر في مرآة عملاقة لطيف يتراقص عند منتصف الليل...
أتذكر حوارا قدمه ميلان كونديرا؛ التشيكي، صاحب كائن لا تحتمل خفته، مع نفسه.. ذاك كان في زمن لا تتداعى فيه الاشياء، بل ترقص التانغو. كنت استل الكتب، والتهمها بجوع معرفي، جعلني الى اليوم بمعدة فارغة. أحببت الحوار مع الذات، أحببت الفكرة، التهمتها برمشة عين، وأوقدت تحتها كاز الرغبة في ان أبتلى بها...
لا يكاد الناس يعرفون له اسما غير الكنية التي شُهر بها بينهم فكان الجميع ينادونه الإشكيمو وكان لا يغضب من ذلك أبدا بل لعله هو أيضا نسي اسمه الحقيقي وهو الباهي بن الزاهي وابن ڨمرة بنت زهرة. والاشكيمو على ما يبدو كنية ألصقها به أقرانه في المدرسة فصارت بدلا من اسمه. وأصل هذه الكنية أنه كان لا يحسن...
كنت شبه ضائع، وسط تلك الساحة الحجرية المُشجّرة بالتماثيل العارية،وفي وسط الحوض تمثال طفل عارٍ مكتنز وأجعد الشعر تنبثق نافورة الماء من عورته،وأشاحت امرأة تركية ترتدي الحجاب بوجهها خجلاً،وهرع طفل إلى وسط الحوض متلمّساً عورة التمثال،وهرعت والدته وراءه ضاحكة ووقفت تحثه على الخروج بإشارة لحوحة من...
انتهى يومه الحافل بالعراك،عصاه التي نقعها في الخل والزيت طيلة شهر أحسنت مساندته،لقد فعل كل ما توجبه الفتوة من مهارات،استطاع أن يرد الخصوم،ولم لا؟ فشاربه الذي قيل إن الصقر وقف عليه حتى زها به! نظرات عينيه القوية وعضلاته المفتولة مثل حبل الدلال حين يمسك بلجام الخيل يوم السوق،جسده ذو اللون...
" ما بالهم حين مررت كشروا عن أنيابهم ثم مضوا لا يرجعون.. ما بالهم لم يبق منهم في المدى سوى صدى نباح... " ـ محمد الخمار الكنوني – ديوان رماد هسبرس – - ها هي المدينة أخيرا.. المدينة التي طالما سمعت عنها.. عفريت بالليل وغول بالنهار.. أرصفة وجدران مقروءة بالعيون واللواحظ .. وصلت إليها هذا...
يمتد الأفق لك .. الفضاء الرحب يخبؤك خلف الغمام بين النجوم .. كلما تخاطرت مع طيفك . .. رأيت نورا وبهاء وحياة ,,, تسافر في عمق البحر .. أو نجمة تضيء دروب السفر إلى زمن الرؤيا ,,, كلما رحبت بقدومك ,,, غطت المزن وجهك ,,, وطافت بك فوق صحارى لا ترتوي ,,, مرة في شكل ملكة البحر ,,, يبرز نصفها الأعلى...
في جو قائظ جرجر قدميه على طبقة الأسفلت المتآكلة. ضج الشارع بالمارة، و مرقت السيارات غير آبهة بأحد، و أسرفت في إطلاق عوادمها، مكونة سحبا سوداء، غشي دخانها وجهه المربد؛ فشعر بالاختناق و الغثيان، و ما إن لمح مقهى بلديا، يناسب ما في جيبه من جنيهات معدودات، حتى تقدم نحوه بفارغ الصبر، و ألقى بجسده...
يبدو والله أعلم أن الزمن تغير منذ غادرت البلد- حتى إنني أنسيت كم لبثت في تلك الغيبة- حين طالعت وجوه المارين في الشوارع وجدت شيئا عجيبا؛ الناس شاخت عن ذي قبل؛ تجاعيد وابيضاض في الشعر، انحناءة في الظهر، كل هذا وأكثر منه لا يعرف بعضهم بعضا، إنهم بلا أسماء، يتنادون بألقاب مغايرة؛ هذا الأبيض، وذاك...
يفوحُ الصباحُ بريحِ قهوتها، تنسابُ روعتُها فتصحو نساءُ الحيِّ على شذى الرائحة، تمتدُّ الظلالُ وكأنها تفرحُ بهذا الجمال، تبادرُ الجاراتُ فيسألنْها عن سرِّ قهوتها، عن الخلطةِ العجيبة، وعن قشرِ البنِّ والزنجبيل، لاتكترث للسؤال، ترتفعُ على كرسيٍّ خشبيٍّ كي تنالَ الفناجينَ المعلقةَ في السلةَّ...
في ممرٍّ ضيق ترَاصّت موائد الطّّبخ ، تهدِرُ فوقها آنيةٍ مُختلفة الأحجام ، بشعة المنظر ، تَهبّ منها روائح نافذة حريفة ، نكهات باردة وحارة ، دسمة وقليلة الدَّسم ، بين آنٍ وآخر تَقتحمُ هدأت المكان " طشّة" عنيفة ، تعبق ما حولها ، ينُبئك أزيزها المكتوم ، أنّ صاحبها من أمهرِ الطُّهاة ، فهذه الجَرأة...
تعالوا نلملم أركان القصة الخمسة ،حتما، ستكون على غير المعتاد، وأكبر وأعمق من المفهوم من حيث الحدث والدلالات،فنحن هنا على مسرح مخيم جنين من حيث المكان، أما الزمان فهو امتداد طويل عمره سبعة عشر عاما تقريبا، من ربيع نيسان 2002، إلى تشرين أول من العام الجاري،أما الركن الأول فهو الأسير يحيى محمد عبد...
مهداة إلى ثوار تشرين .. إلى الذين ينامون بينما يتركون أحلامهم خلف الأبواب. كانت الشمس توشك على المغيب حينما أمسك به رجلان ورموه بقوة داخل سيارة لتنطلق به مغمض العينين مكمم الفم .. بعد ساعات من الانتظار، أدخلوه إلى غرفة تفوح منها رائحة سجائر فاخرة وعطور اختلطت برائحة الزمن المتعفن .. كانوا...
أما أسلوب المنفلوطي في هذه القصة وفي سواها، فأسلوب رجل لا يبالي من أي مدخل دخل على القارئ، ما دام يقدر أن سيصل منه إليه، ولا أي بلاء يهديه في احتياله ويقحمه عليه، وإذ كان يعرف من نفسه التلفيق والتصنع، فهو لا يزال يعالج الإقناع والتأثير بضروب من التأكيد والغلو والتفصيل، وغير ذلك مما ليس أدل منه...
أعلى