سرد

• إلى عبد الكريم العامري في بصرة الله (والليل أسلم نفسه دون اهتمامٍ للصباح وأتى الضياء بصوت بائعة الحليب وبالصيام بمُواء قط جائعٍ لم تَبق منه سوى عظام بمُشاجرات البائعين ، وبالمرارة والكفاح بتراشُقِ الصبيان بالأحجار في عُرضِ الطريق بمسارب الماء الملوّث في الأزقّة، بالرياح تلهو بأبواب...
لولا أنه قابَلها صدفةً عند باب المدرسة، لمر هذا اليوم كغيره من الأيام. رؤيتها ملأت الجو بعطر أتٍ من أزمنة سحيقة، ثلاثون عامًا من الغياب غرست أظفارها عميقًا في بشرتها ،غطتْ شعرها بشال حريري أسود، لعل شعرها الآن أصبح رماديًا مثل شعره، البريق المنبعث من عينيها عندما التقتْ نظراتهما، أخبره أنها ما...
كنت أعرفه، لكني أعرفها اكثر، طوتنا السنين، ومضى كل إلى غايته، وذات يوم التقيته، فأمسك بي، وأصر على دعوتي لبيته على فنجان قهوة، بالرغم من محاولاتي الفاشلة للاعتذار، إلا أن إصراره قيَّدني، وما كان مني الا الاستجابة على مضض، وصلنا، دخلنا، كان فرحا بهذه الزيارة، وكأنه يقلب الذكريات، نادته من...
كلما أدخل غرفته، يدير بوزه الى الجهة الآخرى، وعندما أقول له " السلام عليكم " يرد ببرود وأشمئزاز، بكلمة نافرة لا تحمل إي معنى " سلام "، فأخرج من الغرفة بسرعة، ذلك لأنني خجول و " معيدي " لا يقبل لنفسه أن تثلم كرامته بهذه الطريقة المشينة. حتى جاء اليوم الذي وجدتُ فيه نفسي قادرا على الانتقام من ثلم...
قمت من نومي فزعا؛ الكلاب في الخارج تواصل نباحها، يبدو أن ما رأيته كان كابوسا مصنوعا من سراب؛ آلة عملاقة تحرث النهر، تمسك بي زوجتي، يصرخ أولادي؛ فالجوع في هذه الأيام أنواع كما الجنون؛ ندور في حلقة مفرغة، كارثة تلو الأخرى تمثل وحشا، فتحت جهاز التلفاز، مذيعة تنشر شعرها وتضع أصباغا على خديها، حمالة...
أعلم أنّك تغط في نوم عميق... أخبرني همس مجهول في لوحة على جدار غرفتك. بذلك ولعلك تتقلب في سأم بسبب حر سيعبر.. ثقيلًا بطيئَا دبقًا كذلك الألم المستبد بي في هذه اللحظة. فتلفظ الغطاء الرقيق عنك و تحيطها بذراعك فتغمران المكان بكما..ويغدو شديد الضيق رغم اتساعه....قلبي. تتململ مجددًا فتسكن الغرفة...
من قال إنّ الصّور لا رائحةَ لها، انظر إلى صورتك وأنت صغير.. ستشمُّ رائحتك القديمة، وسينبتُ الريحان في دروب ذاكرتك لثواني، أما صورتك وأنت شاب قوي، ستفوح منها رائحة عزة النفس التي ولدت معك وستنتشي فرحاً وأنت تقلب ذكرياتك فيها، أما إن شاهدت نفسك بلباسٍ يغزوه الغبار وحُطام الأبنية ملطخاً بدماء...
للموت رائحة غاز خامل، تسللت إلى رئاتهم ببطء. بينما راحت أعينهم المشدوهة تتفحص الجثة الغارقة في الدم، و التي تمددت بلا حراك على قطعة من حصير مهترئ. قبل وصولهم بدقائق، تعالى صراخها؛ فكان أولئك الخمسة، هم أول من تنبهوا إلى صرخاتها، التي شقت سكون الليل، حيث كانوا عائدين من سفر طويل إلى النجع، في...
أرخبيل العزلة الفردوسي / الواحة لم تعد وطنا ؟/ حمود ولد سليمان "غيم الصحراء" أرخبيل العزلة الفردوسي أكجرت أيها التراب الحبيب.. ها أنا أقف علي مشارف الوادي. خالي الوفاض إلا منك ،ليس لي إلا الذكري والماء ، والريح يهمس ويرقص لي ،فأحتضنه وأحلق معه في خفة طائر" العيس" .. واهبط علي...
أومأت فأخذتني رعشة التّلبية إليها.. إلى معابثة جدائلها وافتكاك ناصيتها من الرّيح والتماعة عينيها من سناء البدر..هدأت فورتها قليلا وأشرعت رمشيها فأسرتني المقلتان الزّيتون .. صفت وجنتاها للون الورد.. كم هي محرقة أنفاسها ففي القرب منها خَدَرٌ بالجفون..وبعد حُضنين وعناق انفرطت جدائلها من بين أناملى...
... أتذكر جيدا عندما كانت جدتي تستيقظ في الصباح الباكر لتصلي الفجر ثم تذهب مباشرة إلى المطبخ لتحضر فطور الصباح، كنت و جدتي نتشارك نفس الغرفة و أحيانا نفس السرير عندما أشعر بتوعك، بمجرد أن تجهز القهوة ، تضع الصينية المزينة بعراقة الماضي على الطاولة الموجودة في غرفتها، تفتح النافذة على مصراعيها...
حياة المكان الذي تجلس انت فيه الان ..ربما كان يقف فيه قبل مئات او عشرات الملايين من السنين ديناصور ما .. وربما مر قبل مليون عام او اقل ماموث نابض بالقوة وبالحياة حيث تجلس انت الان حاملا فنجان قهوتك .. وبعدها بالاف السنوات ربما كانت تقيم عائلة من سكان العصر الحجري في كهف ما تماما حيث تقع...
كنت في الخامسة من عمري عندما اصطحبني والدي إلى المدرسة لأول مرة، كان من دواعي سروري أن أكتشف عالما جديدا ليس كعالم رياض الأطفال ولا مثل عالم المنزل ولكنه عالم أكثر جدية. احببت كثيرا الذهاب إلى المدرسة، ما لم أكن أحبه هو أداء واجباتي المدرسية، لم يكن صديقي "سام" يعجبه القيام بواجباته المدرسية...
في ساعات العصر الحارة، حيث أويقات تترامي بين الرابعة والخامسة قبل أن يغزو الغروب السماء، ينفث التراب رائحة السموم من بطنه. شيء غريب يتمدد حول الروح، شيء كالاغتراب، وأمنية بأن لا يطفر السواد من فوق السماء. تلك اللحظة المائعة، التي تبدو فيها الذات منفصلة عن الواقع، جعلت سكون الغرفة إلا من صوت...
" إنهم يريدون خلق جيل من الضباع" ذ. محمد جسوس عو عوو عووو عوووو بدأت في العواء، وخرجت بدوري إلى ظاهر البلدة، في البدء كانت الأمور عادية جدا، عادية تماما، عادية كسرنمة، مثل ما يحدث في أحيان عديدة، كما في الأفلام مثلا أو في أحلام اليقظة، وتحولت الأحداث إلى ما يشبه الأمر الواقع، ثم بدأ التحول...
أعلى