" ما بالهم حين مررت
كشروا عن أنيابهم
ثم مضوا لا يرجعون..
ما بالهم
لم يبق منهم في المدى
سوى صدى نباح... "
ـ محمد الخمار الكنوني
– ديوان رماد هسبرس –
-
ها هي المدينة أخيرا..
المدينة التي طالما سمعت عنها..
عفريت بالليل وغول بالنهار..
أرصفة وجدران مقروءة بالعيون واللواحظ ..
وصلت إليها هذا...
يمتد الأفق لك .. الفضاء الرحب يخبؤك خلف الغمام بين النجوم .. كلما تخاطرت مع طيفك . .. رأيت نورا وبهاء وحياة ,,, تسافر في عمق البحر .. أو نجمة تضيء دروب السفر إلى زمن الرؤيا ,,, كلما رحبت بقدومك ,,, غطت المزن وجهك ,,, وطافت بك فوق صحارى لا ترتوي ,,,
مرة في شكل ملكة البحر ,,, يبرز نصفها الأعلى...
في جو قائظ جرجر قدميه على طبقة الأسفلت المتآكلة. ضج الشارع بالمارة، و مرقت السيارات غير آبهة بأحد، و أسرفت في إطلاق عوادمها، مكونة سحبا سوداء، غشي دخانها وجهه المربد؛ فشعر بالاختناق و الغثيان، و ما إن لمح مقهى بلديا، يناسب ما في جيبه من جنيهات معدودات، حتى تقدم نحوه بفارغ الصبر، و ألقى بجسده...
يبدو والله أعلم أن الزمن تغير منذ غادرت البلد- حتى إنني أنسيت كم لبثت في تلك الغيبة- حين طالعت وجوه المارين في الشوارع وجدت شيئا عجيبا؛ الناس شاخت عن ذي قبل؛ تجاعيد وابيضاض في الشعر، انحناءة في الظهر، كل هذا وأكثر منه لا يعرف بعضهم بعضا، إنهم بلا أسماء، يتنادون بألقاب مغايرة؛ هذا الأبيض، وذاك...
تعالوا نلملم أركان القصة الخمسة ،حتما، ستكون على غير المعتاد، وأكبر وأعمق من المفهوم من حيث الحدث والدلالات،فنحن هنا على مسرح مخيم جنين من حيث المكان، أما الزمان فهو امتداد طويل عمره سبعة عشر عاما تقريبا، من ربيع نيسان 2002، إلى تشرين أول من العام الجاري،أما الركن الأول فهو الأسير يحيى محمد عبد...
مهداة إلى ثوار تشرين .. إلى الذين ينامون بينما يتركون أحلامهم خلف الأبواب.
كانت الشمس توشك على المغيب حينما أمسك به رجلان ورموه بقوة داخل سيارة لتنطلق به مغمض العينين مكمم الفم .. بعد ساعات من الانتظار، أدخلوه إلى غرفة تفوح منها رائحة سجائر فاخرة وعطور اختلطت برائحة الزمن المتعفن .. كانوا...
أما أسلوب المنفلوطي في هذه القصة وفي سواها، فأسلوب رجل لا يبالي من أي مدخل دخل على القارئ، ما دام يقدر أن سيصل منه إليه، ولا أي بلاء يهديه في احتياله ويقحمه عليه، وإذ كان يعرف من نفسه التلفيق والتصنع، فهو لا يزال يعالج الإقناع والتأثير بضروب من التأكيد والغلو والتفصيل، وغير ذلك مما ليس أدل منه...
رفع السّاحر قبّعته وأمرني أن أضع قبعتي جانبا. وقال لي: ماذا تريد أن أصنع لك هذا اليوم؟ وليمة ؟ أم أنزل عليك من السماء كساء أخضر وعمامة؟ أم تريد...
قاطعته قائلا: امرأة على مقاسي...
نظر إليّ بكثير من التعجّب والحيرة. ودار حول نفسه دورة وهو يردّد : " امرأة... امرأة...". ثمّ قال لي بعد أن ابتسم...
النُّكتَة جاءت في موعدها. قالها أحمد فجأة: مُدرِّسة دراسات تاهَ زوجها، فذهبت لتبحث عنه في الخريطة! ضحكنا في نَفَس واحد، وبقينا في انتظار دخول الأبلَة سناء التي لم تظهر طول اليوم. في الفصل "دَوْشَة" كبرى تُصاحب دائما الحصة الأخيرة، أصوات ونداءات وخبط وزعيق. من كلمة إلى كلمة اكتشفنا أننا جميعا...
أرسله ناشره إلى المطبعة في شاع " السجينى" لكى يراجع بروفة كتابه, أشترى قلما جافا من مكتبة في شارع ابن الخطاب, فهو لا يضع أقلاما في سترته خشية أن يسيح الحبر فيها ويفسدها.
في كل مرة يذهب فيها لمراجعة بروفة كتاب؛ يشترى قلما رخيصا , ثم يرميه بعد المراجعة.سأل في شارع ابن الخطاب عن شارع " السجينى" ...
بدأت الوشايات تتناقلها شفاه الناس في كفرنا، فهم في زمن الخواء يقتاتونها بدل أرغفة الخبز الشهية؛ يسكنون علبا مميكنة، يدبون على الأرض بأحذية مرصودة؛ يعبثون مع نسائهم في ليال محددة، يدعون أن الجنون بلغ منتهاه، ربما أكون الوحيد في هذا البيت، الذي لم يصب بعد بتلك الحالة، سيذهبون بي إلى السرايا...
القينا بعناقيد العنب، وانطلقنا في جميع الأرجاء، وخطر لي أنني ان توقفت لحظة واحدة عن الركض، فانه سیدرکنی وينهش قفای.
ولعدة شهور ظلت الأسنان المرعبة تطاردني كل مساء، بل وتوقظني من نومي مفزوعا، حتى لاحظت أمي ذلك، ولكن لم أجرؤ قط على مصارحتها بما حدث. ولأن الحارس قد نجح في ترويعنا، فقد توقفنا تماما...
لم ينقطع المطر منذ يومين... كان الصقيع ينخر العظام ... وأصبح الخندق موحلا كريها ...تنبعث منه رائحة العرق و الجثث و الجرذان النافقة و المياه الراكدة...
أخرج لفافة التبغ من جيبه بيدين متجمدين مرتعشتين ... اتكأ على جذع الشجر الداعم للجدار ... اغمض عينيه لبرهة ثم نظر الى السماء و نفث الدخان و قال...