سرد

دائما ما يأخذ جانب الطرقات، متحاشيا ألا يعترضه أحد، فهو يريد لروحه والجسد أن ينفردا بفضاءات بلا ضجيج ومزاحمة،سالكا الدروب الخالية كمسارات يقطعها على غير هدى، فطالما هناك أمتدادا في الشوارع يكون حيز رحلته اليومية، التي تنتهي مساءً عند حائط جامع أو جذع شجرة وارفة يُتكئ ظهره لحين أنبلاج الفجر،...
أخيرا لمستْ قدماي أرض الوطن، لقد تمنيت تلك اللحظة منذ زمن بعيد، كِدتُ أخر ساجدا لأُقبل ذرات التراب، واختلطت آنذاك رائحة الهواء برائحة طعام أمي الشهي، وخُيل لي أنني أسمع صدى ضحكات أسرتي الدافئة. لكني اكتشفت بعد قليل أن كل شيء قد تغير! الشوارع والبيوت... والوجوه أيضا! أرجحتني مشاعر متضاربة ما بين...
إنفرط الدر حين وطأت قدمه الأسفلت ، ترك فى القرية الطيب أهلها، والمشاعر النبيلة، حقائب الأشواق، التى لن يجد مثلها فى المدينة، إرتعدت فرائسه حين هجره الدفء، الوحشة والوحدة من حوله لها ضجيج، يطحن عظام الصمت، إفتقد حبيبته التى أدار لها ظهره وهى تلوح بيدها، مرمرية التكوين، ما عداها عدم، إبتسامتها...
مهداة إلى مانيكان آلان روب جرييه كان أبي ( باترونيست حريمي ) مهنة تأتي بعد مصمم الأزياء، لتصنع من خياله وجودًا جماليًا.. أليس هذا ما تفعله الكتابة بنا؟ تداهمنا بالأحلام والأخيلة، نكتبها فنخلق منها وجودا حيا؟ الآن..حتى بعد كل هذه السنين، وأنا أجلس على مقعد متحرك أمام بحر صامت بلا موج، أدرك أن...
تَشْخَصُ عُيُونَنَا فِي رَهْبَةٍ وَخَوْفٍ؛ لِنتَابعَ حَرَكَات سَيّدنَا الشَيْخ عَلِي نُوفَل السَرِيعَة والمُتَلاحِقَة، مِنْ تَحْتِ إِلَى تَحْتِ، ولا نَجْرُؤْ عَلَى تَدقيقِ النَظَر نَاحِية وَجْهِهِ، مِنْ بَعيدٍ نَرْقُبُ عَصَاهُ الجَرِيد ــــ الطَوِيلَة، والمَلفُوقة مُقدمَتُهَا ــــ حَتَّى...
ثمة غصة موغلة فى الداخل لم تستطع كسر أغلال الوحدة، يرى الناس ويرونه من خلال حواجز زجاجية، المسافات تقوده إلى بساتين المواجع وحقول التعب، ماأبشع أن تخلو الحياة من غصن رطيب وزهرة يانعة، وماأقسى الخضرة حين تتحول إلى أوراق يابسة صفراء تكنسها رياح الأيام، ترك بعض أحلامه فى محطات السفر وقليل من الجنون...
عَصَفَت رياحُها المجنونة بقلبي . فقَطَعْتُ الدروب الموحشة . و بعد طول عناء ، وصلت إلى غابة من الكروم و الزيتون و أشجار التفاح. دلّني أحد الجيران .كانت ( ريما ) مستلقية بكل بهائها في دروب الضيعة التي تتنفس مدينة بيروت من عطرها. حيث ترقد بذلك الوجه الحكيم ، و الجسد الذي طغت أنوثته . تفيّأتُ معها...
الآن يحلو لي أن أسرد عليكم بعض نتف مما شاهدته؛فأنتم تعلمون منه الكثير ، ربما لا حاجة بكم لمثل هذه الترهات التي لن تغير شيئا ، هي تثقل كاهلكم جراء تلك الفوضى التي تحيط بكم، لكنني مولع بهذا الحكي، هذه الأيام الجو حار ويحتاج فراغا تسبح فيه عقولنا، والحديث عن أبي قرن قد يخفف من ثقل الهواء، يتناثر...
ركن دراجته تحت جدار المتحف الطبيعي، ومسح على بدلته بكفيه ثم عقدهما خلف ظهره. بعدها سار مطأطأ الرأس حتى بلغ البوابة الغربية فاستند قليلاً على الباب واجتر شهيقاً مُرهَقاً. مسح شعره بيده ودخل إلى القاعة الرئيسية. كان وجهه متجهماً كئيباً. مع ذلك فقد صفق جمهور الجالسين لحظة دخوله، ونهض البعض ثم جلس...
عندما طلبتُ من أمي، وأنا بعدُ جنينٌ في رَحِمِها، أن تحدِّثَني عن الألم، أنجبَتْنِي وعندما لفُّوا جسديَ الغضَّ بغطاءٍ أبيضَ رقيقٍ، طلبتُ منها أنْ تحدِّثَنِي عن الأمل، فأرضعتْني وكنتُ كلَّما طلبتُ منها أنْ تحدِّثَنِي عن الحبِّ، كانت تُطيلُ النظر في عينَيْ مبتسمةً، فأُزهرُ ولم تلبثْ أسناني...
إزدادت نظراتها حدة، حين قررت فى وقاحة مقصودة طرق الباب بعد أن علقت بوجهها إبتسامة ميكانيكية باهتة لا روح فيها، - هى جارة للزوجة التى فتحت لها الباب، الكلام بينهما محدود أو معدوم، بقليل من الكلمات الهامسة والناعمة ، أبحرت الزائرة فى زوارق الزوجة التى بقيت مدهوشة لبعض الوقت ! لتكتب الزائرة أول...
"مشهد يتكرر كل لحظة، وبصور مغايرة، والنتيجة واحدة..أمهات في مهب الريح..لم تكن الأم مدرسة فحسب بل جامعة يتخرج فيها أجيال جديدة" هكذا بدأت مقدمة القصة..رغم ان أي قصة لا تبدأ بمقدمة، ولكن التجريب والتجديد من سمات الكاتب التنويري.. ولتبدأ أحداث القصة.. قلوب تغلفها الإنسانية..استوقفتها سيدة...
في وقتٍ لم أكُن فيهِ غَيرَ قِطعةٍ من اللَّحمِ، لُفت في أقماطِها ، تتقاذفها الأيدي في تأففٍ، وتتبعها العيون في اشمئزازٍ، قالت "كريمة"الدَّاية ، مع أولى صرخاتي :" تتربّى في عِز أبوها "، قذفتني مُكرَهة لجدتي ، التي غَامت الدُّنيا في وجهها ، لتَضعتني فِي غَصّةٍ بجِوارِ أمي التي كانت في سكرةِ ،...
لم يستطع كبح إنفعالاته أمام هجمة أنوثتها المتوثبة حد الإشتعال، الذى تكاثف بخار فوق زجاج المقهى، ونظارته التى حجبت عنه الرؤية، كانت تجلس على طاولة مقابلة امرأة قمحية العينين، منحته إبتسامة مقتضبة حين لمحت إرتباكه وعجزه عن تفادى نظراتها، التى تذيب الجليد وتنشر الإرتياح، تشبه المرأة الحلم التى...
يراها كشجرة مثمرة فى حديقة، كل أشجارها ذابلة الأوراق غير مثمرة ماعداها عدم، يجلس على شواطئ العمر بالساعات، يراقب أمواج السنين وعواصف العمر، سنوات عشر على رحيل زوجته، التى كانت تغمره بالحنان، وتغرس الزهور فى حدائق أيامه، تكثفت العتمة بين ضلوعه، عبثا يحاول نسيانها، كيف وهى تمشى فى دمه ! فى...
أعلى