سرد

ولم أعتد بقائي تحت الشمس المحرقة لساعات كل يوم متنقلًا بين السيارات، متوسلًا وعلامات اليأس والذل مرسومةً على وجهي. يائسًا أرجع لبيتي أحيانًا وفرحًا مهرولًا تارة اخرى وأنا أطوق بذراعي أمي واضع خدي على صدرها لأشعر بأمان ضاع مني وسط الزحام، لكن الذلَّ الذي يلازمني يأبى أن يزولَ او على الأقل أنساه...
ارتفعت أصوات الباعة في ساحة السّوق المكتظة بالناس في هذا الصباح الشتائي البارد. تقدم بخطوات حذرة لكنّها ثقيلة جداً، وبين فترة وأخرى يقف متردداً، خائفاً، يتلفت هنا وهناك، يراقب بتوجس حركات الباعة والناس الذين أتوا للتسوق في وقت مبكر جداً، ثم هؤلاء العمال الجالسين على جانب ساحة السوق منتظرين أيّة...
رفضت كل الاغراءات التى قدمها صاحب الشركة التى تعمل بها، وردت كل هداياه ونقوده، وهى الفقيرة التى لم تمتثل لإغراءت العجوز الثرى، المتزوج ولديه أسرة، صغيرة،هى فى سن إبنته، لايرى هناك مانع ولديه المال الذى يشترى كل شىء، لابد بالفوز بها، لم تمانع فى أن تكون الزوجة الثانية، إشترط عليها عدم الإنجاب،...
المرأة تندب وتنوح على خرف زوجها في سنوات عمره الأخيرة. هكذا تظل تعتقد دائماً أنه موشك على الموت لكنه لا يموت وتظل هي تُرحِّل خوفها من موته عند بداية كل عام. لكنها تدعو عليه بالموت لأنها تعبت من تصرفاته الخرفة. لقد أرسل داعياً صاحب الكشك وأخبره بأنه يرغب في بيع كرسيه المتحرك. غير أن الزوجة نحت...
غدا سأجلس تحت شجرة الرمان التي غرسها أبي بيده الطاهرة، لي مع هذه الشجرة حكايات، وبيني وبينها أسرار، أظنها تخفيها عن كل الناس حتى أبي نفسه، لا يعرف أني حفرت اسمه بالأزميل على أعلى فرع فيها، كنت أحمل ولدي " يس" وهو ابن عام واحد، وكنت أهمس في أذنه: هذه شجرة جدك، إذا أرهقتك الدنيا يا ولدي: تعال...
أخيرا، انتبهتُ إلى أن أختي التي تصغرني بسنتين تقريبا تتذكر أدق تفاصيل طفولتنا، بما تخللها من أفراح وأحزان، من عُطَل وحفلات، من رحلات ومشاجرات وعقوبات... كما لاحظت أن والديَّ، وقد تجاوزا الثمانين سنة، كثيرا ما يحكيان لنا قصصا عن طفولتهما! بينما أنا الذي لازلت في الأربعينيات، لا أتذكر نصف ولا ربع...
"عند آخر شهقة نفس لك -وأنت تحتسي قهوتك- تنطبع أسرارك كمنحوتات إغريقية على جدران فنجانها المقدس. تنسرب روحك أسرارًا/ أطيارًا في سماوات سحر دنانها، وترسم منحوتاتك وطلاسم روحك على جدران معبدها المعبق برائحة الياسمين، وخشب الصندل، وقرنفلات التعشق والتوحد والهوى. حبات البن التي استلبت من الهيل سره،...
إعتاد رسم بورتريهات لأشخاص يراقبهم، فى الغالب لا يعرفهم، يرسمهم دون ريشة، بقلم فحم فهو كاتب روائى وقصصى، يرتاد الكافيهات والمقاهى، ويطلق قرون الإستشعار لسماع مايقوله العشاق، لديه قدرة مدهشة على قراءة ماتقوله الشفاه وما لم تقوله، يصطاد أبطال قصصه من هنا ومن هناك، تختاره طاولة فى ذاوية من المقهى،...
كان اسمه «عاطف زغلول» .. بدا هذا الاسم غريبا، متنافرا، جذابا في مجموعة تحمل أسماء: محمد ، وأحمد ، ومحمود ، وعبد الحافظ، وسالم .. مع أنه كان ينتمي إلى الريف مثل سائر المجموعة . غير أنه عندما التقت جماعتنا على باب مطعم الكلية، أراد أن يبدو مختلفا، ربما تجاوباً مع اسمه المختلف . مع هذا ظل مرتبطاً...
ليل الشتاء وظلام دامس أحسته ( سامية ) يفيض من أعماقها ليغرق الوجود فيه. عيونها السوداء الواسعة – وكأنها تشف ما في أعماقها من ظلمة – تحملق باحثة لاتمل عن شئ ما يطويه الظلام. تضم بين كفيها بحنان بالغ رسالة كثيراً ما قرأتها... تحتضنها إلى صدرها، تجتلب الظلام ذكريات عزيزة عليها اندمجت فيه فجعلته...
قال لي بائع التذاكر: - أتذكر أني رأيتك البارحة هنا .. أليس كذلك ؟ - نعم . لقد وصلت المحطة متأخراً .. فاضطررت لتأجيل الرحلة لهذا اليوم .. قاطعني مندهشًا: - ألم تسمع نشرة الأخبار .. ألم تقرأ الصحف؟ نفيت بهزة من رأسي لكنه لم يمهلني طويلا إذ قال وكأنه يسرد فيلما شاهده في السينما: - ليلة البارحة وبعد...
تتكدس أضابير المراجعين أمامي، وانا أتامل وجوههم المحتقنة فاغرا فاهي "كالمسطول" ، يصعب عليّ تسيير أمورهم ، وأنا في هذا التشت والقلق. زميلي الفيلسوف يدق بأنامله على المكتب، ولا ألتفت إليه .. صراخهم لا أسمعه وحده صوتها يدوي: ـ طلقني الحياة معك باتت مستحيلة. أي طريق مسدود هذا،لا أنكربأني صرت...
التقينا صدفة في منتصف الطريق، كانت أعيننا تحكي قصة نظراتنا الحادة التي تشتعل بلهيب الشوق والأسى، رمقتها بنظرة أطلقت منها شرارة الاشياق بعد غياب دام عقد.. كانت واقفة، اغرتني بفستانها الأحمر القاتم، واحمر الشفاه الذي يلمع ببريق حاد، وقدميها الصغيرتين ترتجفان من شدة الشوق محتصرة بكعب القدم...
الليلة الرابعة! ترددت أقاويل بأن ابنة ملك الجن الأحمر وقد تبخطرت في شرفات القصر الأنور، تحمل ذيل ثوبها وصيفات وتطعمها مؤنسات، أن الرشيد وقد علا رأيه السديد، وطالع عهده الحديد، أن يبني قلعة في بلاد واسط ويجعل على بابه حاجب غير قاسط، يأخذ من العامة الخراج ويزين واجهته والمزلاج، يحضر أفيال الهند...
كادت تطير من الفرح حين طلب منها موعدا للقاء، الطيور تحلق فى السماء فى مجموعات أشبه براقصات بحيرة البجع، وقفت طويلا أمام المرآة وهى تعيد توزيع الميكاب بوجهها، تسقط خصلة من شعرها بوجهها، كي تبدو أن سقوطها عفوى، معلنة نعومة ورشاقة شعرها الجميل، تتأمل جمال ثوبها الجديد، الذى إدخرته لمثل هذه المناسبة...
أعلى