تذكرت الطيب حين أحاطت بي ريح أمشير تدوي في خارج البيت زوابع تكاد تتساقط من هولها أشجار الحديقة، لم أسمع للكلاب نباحا، حين ابتدأ وحش الفولجا يرسل حمم ناره قتلت كلبتنا الصغيرة، ليلتلها بكيتها، ظلت تتأوه حين كانت في النزع الأخير ضرب كييف، ترى ماذا يتبقى من هذا العالم لو ضغط على زر الرادع النووي؟...
انسل متثاقلا عبر الزقاق الضيق في حَمِّ تلك الظهيرة بعد أن أعلن " الدَّبُّو" عن حلول وقت التحاق عمال الفوج الثاني بالمنجم. في أقصى الزقاق توقف قبالة دكان سي علي ليسترجع بعض أنفاسه، ثم استسلم لرغبته في اقتناء قنينة مشروب غازي ربما يطفئ ما أججه فيه ماء الصنبور من عطش، ومن يدري؟ قد يكون الحظ حليفه...
تناثرت أقاويل عن رجل يمسك بلوح خشبي من شجرة جميز عتيقة تربض عند ضفة النيل قبالة كفرنا زرعها الجرواني الكبير؛ يجري مشقوق الجلباب الكستور المخطط بزرقة تشبه لون السماء، يصيح في الكفر صباح مساء أنه مأمور بصنع سفينة كبيرة؛ فقد اقترب زمن الفيضان، تعصمهم من الغرق؛ لم يصدقه الناس فمن مر به رجمه بحجر أو...
بدا لي المكان كرواية قديمة أعيدت صياغة مفرداتها من جديد دونما الحفاظ على مضمونها الأصيل، بينما أتجول في شوارعنا القديمة حاملاً بيدي حقيبة سفري المنهكة من طول الطريق الذي سرت فيه نيفاً من الزمن، قطعته عدواً كأني أصارع حيوانا باطشا، غلبني الشوق والحنين، فلم أفق إلا وأنا أمام صفحة وجهها الممتلئة...
في ضواحي المدينة تقع مقبرة بلا اسم. كان هناك رجلا اسمه مَمَدْ، ينام وسط القبور، في خلاء مكتظ بالنيام. فهو غريب الأطوار، نحيل الجسم، جبهته عريضة، له حاجبان عريضان، منفوشان، يتدلى على العينين. يظهر في وقت العصر في أرجاء المحيطة بالمركز، ويمر أمام السينما، يمشي حافي القدمين في أسمال ممزقة. وعلى...
جلست تتأمله، أطالت النظر إليه ، تتفحص ملامحه ، علها تجد تفسيرأ لبعده عنها، فتور مشاعره أفقدها هدوءها، جعل قلبها يتجرع مرارة ويئن وجعاً.
تريد سبباً مقنعاً يهدئ من روعها.
-سألته ماذا أصابك؟! لماذا كل هذا الفتور ؟! لما كل هذا البعد؟ إنني أفتقدك. أشاح بوجهه -بعيداً معللاً أنا موجود ، لم...
لم تكن تدرك تماما، مدى اندهاشها، وبهجتها، وشغفها بطفولية.. لرؤية الأشياء عندما شاهدت الصحراء الممتدة في وقار ووحشة أمامها. ومن آن لآخر تخرج رأسها من شباك السيارة (الشروكي) وتشير بإصبعها: شوف بابا، الصحراء واسعة. يهز رأسه تلقائيا دون أن ينظر: آه طيب. ثم تواصل هي نظراتها وفرحها بالإمتداد، والرمل...
في زمن مضى كانت الحيل تفوق التصور وتغلب المحال؛ الآن كل هذه الأشياء صارت من الأساطير؛ كثيرا ما كنت أحلم بأنني بلا حذاء؛ ساعتها أضرب أخماسا في أسداس من تراه سرقه؟
لم أجد تفسيرا لهذا الحلم العجيب، تكرر مرة ومرة وجدتني حين أصحو أتحسسه، لا أطمئن حتى تتحرك أصابع قدمي فيه؛ ساعتها أشعر بالأمان، أشد ما...
كانا يسيران أمامي، المرأة وطفلتها الصغيرة، تتهاديان بطيئا. المرأة بجلبابها الأسود، والشال المطروح إلى الوراء. الطفلة بجلباب مهتريء، وضفيرتاها منطلقتان خلفها. كنت هناك، أسير ورائهما، أتأمل كف السيدة المتجهة نحو السماء، وهي تقترب من المارة، لا تتكلم، لا تطلب شيئا. كان الشارع متسعا، رحيبا، مكشوف...
حالا يا سعيد بك، ثواني ويكون الشاي أمام حضرتك على المكتب،
يحب الشاي مضبوط سكر وشاي، قبله محسن بك كان يفضله خفيف سكر خفيف شاي، وقبله كان محمدين بك يطلب مني الشاي بدون سكر تماما، فقد كان مريضا بالسكر، فلأحمله له فسعيد بك روحه في أنفه، لو تأخرت ثانية أخرى فربما دخل علي هنا في غرفة الشاي وطيرني...
مقيل الشيخ يمتلئ على آخره ، الشيخ يشعر بنشوة وهو يمضغ القات ويتحدث والكل منصت ، وفجأة أقتحم أحد مرافقي الشيخ المجلس وقد اجتاحه الهلع صارخا :
ـ إلحق يا شيخ
سأله الشيخ بلهفة :
ـ ما حصل تكلم ؟
ـ بنت علي محمود
ـ مالها ؟
ـ جاءت تشتكي تقول ....
ـ ايش تقول ؟
ارتبك المرافق ولم يستطع النطق فصاح...
تحركت مسرعة باولا نحو المدفئة حال دخولها شقتها لترمي بضع قطع خشبية فيها فقد قرص البرد اطرافها وحال صكصكة اسنانها الى عجزها ضم شفتيها ... اوقدتها وسحبت ذلك الكرسي اليتيم الذي رافق وحدتها طيلة انتقالها اليها ورثته كما هو في مكانه من سكن الشقة قبلها .... دب الدفئ في محيط منزلها الذي حوي اسكتشات...
باغت الأب الموت، تاركًا وراءه ثلاثة أبناء يديرون التجارة التي أسسها قبل عقود، وعاشت الأم في شقتها بالدور الأرضي في البناية التي أقامها، رافضة الإقامة مع أحدهم برغم حبهم لها.
عاش الأبناء في تماسك ونجاح، ولم يتوقفوا عن مواصلة أعمال الخير التي اعتاد والدهم عليها؛ فأكملوا قصة الكفاح.
بعد رفيق...
لم تمض بعد تلك السنوات الثلاثمائة؛ التسع الزائدة لن تأتي ربما لأن آلة الزمن مصابة بالعطب أو لعل الفأر الذي عبث بسد مأرب قد استهوته اللعبة فعاد مجددا يمارس هوايته في سرقة الأحلام الوردية.
قيل إنه سافح في أكثر من مدينة؛ خرج من " أبو غريب" يلقي بشواظ من لهب، عراة هزأ بهم هؤلاء الذبن جاءوا من وراء...