تخيّل أن تضع مؤخرتها في فمكَ, تلك المشتعلة حبّاً, تلك التي داعبَتها أصابعكَ و أنت تسحبها من جانبكَ, تلك التي شممت عطرها قبل أن تقربها من فمكَ المملوء بلعاب المدمنين, في هذا البرد القارص و أنتَ تتلذ بطعمها لأول مرّة بعد فراق طويل, بعد نوم عميق, ربّما بعد سبات تصرخ فيه الأحلام لتضاجعكَ من جديد...
كعادته منذ سنوات خَلت، يُطالع أهالي دائرته بيافطات قُماشية في مُختلف المناسبات الدينية والوطنية، يُفاجَأون بها وقد عُلِّقت بليلٍ بين أعمدة الإنارة، يُكتَب عليها عادة بخط عريض: (الحاج أبو شُوق يُهنئ أهالي الدائرة الكِرام بمناسبة...) وفي شهر رمضان يُعِدُّ الحقائب بمُتطلبات الشهر الكريم، وفي عيد...
أصاب شقيقي الأصغر ثراء مفاجئ؛ منذ هذا اليوم كلما هاتفته لا يرد ! أضطر في الأعياد أن أرسل له على الجوال : كل عام وأنتم بخير؛ في عيد الفطر يرد بكلمة " وأنتم" ، وفي العيد الأضحى يرسل سائقه بكيس فيه لحم الأضحية ، فأسارع بها لزوجتي وبناتي قائلا: عمكم لم ينس بره بكم وعطفه على أخيه .
هذا العام لم يرد...
أورثني عباءته ومحراثه، بدا لي أن أرتدي جلبابه، حين طالعت وجهي في المرآة بلغت بي الدهشة منتهاها؛ كأنما انفلقت الحبة وأخرجت نبتتها، غير أن أشياء تنقصني:
جلده وعزيمته، تلك التجاعيد التي كانت تملأ وجهه، ثمة تحاليل تجرى عن الحامض النووي؛ تلك البصمة تعوز ساكن البيت الأبيض، نمت إلى أذنه شائعة أنني...
الخوف يحاصرالقلوب ، واﻷلسن تلهج بالدعاء لتيسير ولادتها .. الزوج بلهفة المشتاق ينتظر عناق وليده اﻷول ، وفي لحظات احتبست اﻷنفاس ، تعالت الزغاريد معلنة ولادة اﻷم وخروج طفل تعالى صراخه .. ، لكن الفرح لم يكن شفيعا لدموع الأم حين علمت أن المولود يحمل (متلازمة داون) ، رغم محاولة من حولها تهنئتها وأن...
تجوب حارتنا حكايات مالها حصر، آلاف جاءوا ثم مضوا دون أن يتركوا بصمة، في بلاد تنام من المغرب وتصحو على سياط الذل، وحدها تفرد مساحة من ذاكرتها، أسرار خفية احتفظت بها؛ يوم ضرب وباء الكوليرا الناس؛ مات كثيرون، كان الطوفان الأصفر مثل رياح الخماسين غطى سماء المحروسة، تدوي صافرات الإنذار في فزع، يتملك...
يقف كعادته وسط الجموع في-مهد حضارة الأندلس_ ينثر لهم ما انطوت عليه جوانحه من بقايا حضارته المنتثرة على صفحات التاريخ، لعلَّه يتمكن من انتشال بعض الغارقين الذين استهوتهم بهرجة المرئيات، فوقعوا في المستنقعات من حيث لا يشعرون.
يمشي في المدينة ويكلم الناس بعربية جزلة كأنها موروثة عن سيبويه، وذلك...
تدخل منزلك متعباً كأنّك قد ضاجعت كلّ الهواء ليكرهك بهذه الشدّة فيمنعك عن إلتقاط أنفاسك بسيطرة و راحة، ضيق في صدرك و خطوات متراصفة مكتظّة ترتجف كلّما إقتربت من غرفتك تجعلك تحاول صنع مأذنة جديدة في حوض إستحمامك محاولاً إعادة السيطرة لجسدك تحت سلطة الدعاء و الدّين، تنزع كلّ شيء عن جسدك وأنت تتعرّق...
جارتي التي تركت الحي قبل بضع ساعات فقط، كانت توزع علينا نحن سكان البيت جميعا "عش البلبل". كان ذلك في الكثير من المناسبات، وأحيانا من دون مناسبة. وأعترف أن هذا ما حرك جرس الفضول بداخلي، وجعلني أحاول التقرب من هذه الجارة عل جرسي يتوقف عن الرنين صباح مساء ككنيسة مهجورة سقطت في يد أولاد صغار. كنت...
الرجل ممدد قريباً من رصيف الساحة.. هي ليست ساحة- نصف. إذ أن النصف الآخر يحتله درج حجري يؤدي إلى محطة القطار. مع ذلك أطلقوا عليها اسم ساحة الحجاز. ماذا كان بإمكانهم تسميتها إذن. نصف ساحة الحجاز ؟!.. لم ترد مثل هذه التسمية في التسميات, ولهذا كان الرجل ممدداً قريباً من: لا رصيف الساحة, بل ذاك...
تخيّل أنّك إنتحاري ترتدي حزاماً ناسفاً, تدخل مجمعاً تجارياً فيه المئات من الأشخاص الذين يسيرون بإبتسامة بريئة لا حول لها سوى أن تنتشر بين شفاه الجميع, كأنّهم لا يحملون أيّ هَمٍّ سوى لون الملابس التي سيشترونها أو نوع الغداء الذي سيسدّ جوعهم البسيط هذه الظهيرة, حتى تلك النباتيّة التي تبحث عن أيّ...
لم يتعبه الباص ابداً عندما وقف في ساحة الطيران ليعلن عن نهاية الرحلة التي استغرقت ست ساعات من نهار تموزي قابلٍ لتصبب العرق من الجبينِ إلى الأبط الأملس ، نزلَ إلى الشارع الموازي لباب الشرقي كأنّه للتو خرج من غابةِ القصبِ يطلب حرية ذاته المراهقة في اكتشاف حضارة المدنية من دون دراسة الثانوية وحليب...
هل كان بيننا موعداً أخلفناه سوياً، موعد لم نعلم عنه شيئاً، أخفاه عنا القدر لسبب ما، سنوات فراق طويلة لم نع مدى قسوته حينها لأن أحدنا لم يعلم بوجود الآخر؟!
هل كان بيننا حلم حلمناه في ليلة أشرعت فيها أبواب السماء تستقبل الأماني وتحنو على الأرواح التي أضناها الضياع..
مازلت أذكر كيف كنت أحتضن ذاتي...
حينما انتهى من ورد البهائم ، تأبّط اْلجيْقنّي وجلسَ تحت شجرة الهجليج اليتيمة ، ورياح السموم الشمالية تُزمْجر وتلفح وجهه ، بينما الشمس منتصبة في وسط السماء ، السراب يظهر ويَختفي على حبيبات الرمال الصفراء كأنه في لعبة غميضة مع الصحراء ، يتمدد السراب بشكل لا نهائي ، يتموّج أُفقياً مع أشعة الشمس...
كانت يدي، تلك التي رسمتُها أول مرة، لا، لستُ رسّامة بارعة، ولم أفكّر حينها في لوحة خلق آدم لمايكل أنجلو لأشرع في خلق يدٍ على ورقة! إنها مجرد يدٍ حطّت على ورقة بيضاء أحسَنَت غواية قلم رصاصٍ يتمدّد باستسلام إلى جانبها. انتهيتُ إلى رسم يدٍ أطلقَت أصابعها في الفراغ كأنها تتسوّل حكاية، أو توشكُ أن...