سرد

تطلّ من شباك بيت الجيران- الذي لم ألحظه سوى الآن- فتاة تبتسم بمكرٍ، أبتسم لها ببلاهة، تلقي بماء الغسيل فوق رأسي، ألتفت مرة أخرى وأحييها، أمشي بضع خطوات، وأتحسّر على نصف سيجارة، تحتبس في صدري. أركب سيارة الأجرة، بجانب السائق الخمسيني، يبتسم لي، بثلاث أسنان أمامية، أستلُّ سيجارة لأشعلها، فيعترض...
الحياة لا تعرف البذخ والرأفة، جاءته فرصة السفر لبلاد الثلج والضباب، وهو الطبيب النابه الساعى للرزق، والرزق قليل لا يكفى، ترك عروسه بعد شهر وسافر، تذكر قول الشاعر أمل دنقل : كل الأحبة يرتحلون / فترحل شيئا فشيئا / من العين ألفة هذا الوطن يستشعر نداوة هواء بلاده فى رئتيه، تتبعه المدن، وجد عملا...
عظيم الجسم, طويل, شديد بياض الوجه باحمرار, حاد الملامح , قاسي النظرة, جهير الصوت حتى أنه عندما يهمس إليك بسرِ, تجد خلق الله على مسافة غير قليلة قد سمعوا بالحكاية, فصعب أن تحدّثه في شأن خاص. على رغم هذا كان رقيق القلب, رؤوف بالقطط, لا يعرف التلوّن في الكلام, صريح في حديثه حد الوقاحة, فعفّ الناس...
لم يكن من الخاسرين، فقد ورث اليأس والفقر منذ طفولته. أنه رجل يشبه السفينة التي ثقبتها الثلوج غواية الأمل في حياة مثقوبة الحق، يمشي فوق أديمها في النهار شفرةٍ، وفي الليل أحلام يستريح لتحقيقها على الورق.. أنه بطل من ورق، ارتضى الأوهام بديلاً وركب أجنحة الطموح، لا يجلس بالضرورة على كرسي الحكم ولكن...
للمرة الرابعة يسحب عينيه بصعوبة بالغة ليتفادى نظراتها الثابتة الموجهة بدقة إلى عينيه تحديداً ، كان يحس ببركان يمور في داخله لا طاقة له به ، هرب من نظراتها الحادة الماكرة إلى ساعة الحائط وتشاغل بمصاحبة عقرب الثواني في رحلته الظافرة من دقيقة إلى دقيقة ، إنها الساعة التاسعة ودقيقتان ، حاول ضبط حركة...
كان الحاج مسعد جالسا على كرسيه المتحرك صامتا ساهما يتذكر دائما كيف كان وكيف أصبح، يتم تحريكه يمينا ويسارا ليستقر منزويا في ركن ما. يجيء وقت الغذاء فيأكلون كما يشاؤون ويجد في طبقه المسلوق من الأكل. اشتاق للمحمر والمشمر وإلى خروجاته التي كانت لا تنتهي وجلساته على المقهى. أصبحت من هواياته الآن...
نظّفتُ أمام دكّاني الصغير المعروف باسم "كاتب عمومي" وسط السوق البلدي، ورميتُ النفايات أغلبها من نهايات السجائر الرخيصة وبعض مسودات وثائق الزبائن من اليوم السابق في عربة الأزبال. عدتُ وفي يدي سطلٌ بلاستيكيٌ ملأته من دكان جاري سي الغزواني، وهو الحلاق المعروف بحانوت "الأناقة على قدّ الحال"، لأرشّ...
"ابنتي العزيزة ، أعلم أنكِ عندما تصحين من أثر المخدر ، لن تجديني بجوارك ، وأنتِ تعلمين كم يؤلمني ذلك، اني خَجِلٌ من نفسي أمامك ، خجل من شعري أمام شعرك الناحل ، وجسدك الهزيل ، وعيناك الغائرتين . لا أستطيع مهما حاولت أن أبرر عدم وجودي بجانبك بعد الآن ، أتمنى لو كنت أمنية محققة لكِ ، أو صلاة لا...
هرب من ضوضاء العمل وتكدس الملفات، ونفاق السكرتارية المفتوحة أفواههم طول الوقت، على إبتسامات بلهاء باهتة، إختارته أبعد طاولة مهملة بالمقهى، جاءه النادل بقهوته المعتادة، يحتسى قهوته متلذذا، مقلبا فى ذاكرته عن أمسيات طيبة حلوة، ذهبت مثل كل الأشياء التى تذهب، حين كان يصحو على إبتسامة زوجته،...
كانت الناس تتطلع إلى في تعجب !!! وكنت مشدوهاً حائراً … لم أكن ميتاً ، هذا ما أستطيع أن أؤكده. إنني أثق تمام الثقة أن هذا العالم ليس وليد اللحظة ، وأن كل ما أفعله الآن قد فعلته من قبل عشرات المرات، ولكن في هذه المرة يبدو لي الأمر وبعد طول الزمن وكأنه يحدث لأول مرة. إن الأشجار تكاد ترقص فرحاً ،...
كوني أحمل فكرا معظم من يعرفونني يسلمون بإعتقادي به،...لا تخلو جلساتي وحواراتي سواء المباشرة او عبر الشاشة الافتراضية من النقاش به، احدهم،هرب من نقاشه معي بالقول هناك استاذ جامعي يحمل شهادة رفعية بتخصص السياسة والتاريخ يناقضك الاعتقاد، ويمكن أن يكون مالكا للحجة التي تنفد معتقداتك وآراء السياسية...
لا أعرف لماذا أتبع صديقي المجنون، أسير خلفه أنى ذهب، ربما لأن مراقبة جنونه، يوفر لي بعض السرور في غربتي الموحشة، وها هو اليوم، عندما وجدني في باب العمارة أدخن سيجارتي، حدثني بالإشارة، وبعض الكلمات التي بالكاد أفهمها، أن أصعد معه الى سيارته، التي هي عبارة عن غرفة معيشة متنقلة، تتوفر فيها كل لوازم...
الِمشْكاةُ التي فيها المِصباح تُحشرجْ . ضوؤك ناس. لا زيتَ في الزجاجة …ولا الفتائل مرويّة..! القمرُ ذهبَ هذه الليلة ليضيىء جهات أخرى، وبيوت القرية لم تغفُ بعد..! ثمّةَ تبّانُون، ودرّاسُون،وحطّابُون،ورُعاةٌ مُتعبون،يجرّونَ أنفسهم على الطريق المتربِ الملتَوي، مع حميرٍ مثقلةٍ بأحمال الرجوع..! ثمَّة...
وصل متأخراً. فتح الباب فأطلق صريراً عالياً أحسّهُ نذير شؤم، دخل الى المنزل شاعراً بالقلق وتأنيب الضمير لعدم وفائه بالوعد الذي قطعه لامّه صباح هذا اليوم عندما قالت له: - - انني اليوم لست على ما يرام ابقَ معي. - لن أتأخر سوف أنهي بعض الأعمال وأعود. لم يجدها، ناداها فلم يسمع جواب. رفع صوته...
ذلك الشاب الساخط المتذمر ، يُطِلُ من بين ماكينات التصوير ، رافعًا حاجبيه كدلالة على أنه لم يسمع ما يريده الطلاب ، ثم يعود ليدس رأسه في ماكينة التصوير ، التي أقامت وأصابعه علاقة طويلة الأمد ، حتى صار بامكانه التعامل مع آلتين في الوقت ذاته كأنه -ياني- حين يعزف على أكثر من أورغ في آن واحد . تلك...
أعلى