سرد

مازال أبى يُصِّر على أننى، منذ تركت ربوع البادية وأقمت فى المدينة، صِرتُ أتعامل بلامبالاة، يسمونها فى البادية «همالة»، مع قضية يعتبرها البدو حساسة ومصيرية، ويرونها لا تحتمل التأجيل، بل إلى ترجمة فورية وحاسمة لمقولة «هاملت»: «أكون أو لا أكون».. ومازال يعتبر المدينة ألد خصومه، ولا يمل من تكرار...
كنت خارجا للتو من مكتب المدير, ممتلئ قلبي بالغيظ والغضب, تعوَّد على أن يرفع صوته على كل موظفي الإدارة, يواري ضعفه بصوته المرتفع؛ هكذا قال لي زميلي شعبان, حينما خرج من عنده ملطخا بشتائمه وكلمات التنقيص التي أدمنها, قال لي بأسًى وقهر لا أنساهما: هذا الرجل يواري ضعفا ما في هذا الصوت الرهيب, -...
كلما بعثرت مكعبات الحروف... الطفلة التي بداخلي تسعى جاهدة كي ترصف كلمة احبك مثل كل مرة دون كلل فأمنحها وصلك، فأنت وحدك كل قوتي وضعفي، العالم الوحيد الذي لا أتركه خلفي، يا طفلي المدلل، يا من اول ما تعلمت الكلام نطقت بحرف يا جملة أحبها أن تكون خالية من الظرف، كل ما عليك ان تبعد هالة غيوم الشك...
تعبر ذات الطريق كل يوم وتمر من أمام ذات المحل، ليس محل بالمعنى المتعارف عليه، وإنما دكان صغير، يعرض ملابس للنوم وملابس داخلية حريمي، عادة تجد بعض الرجال يمرون خلسة للمشاهدة، وبعضهم يقف لدقائق بقلق مربك. يقوم صاحب الدكان في الصباح بتعليق قمصان النوم على شماعات أعلى باب المحل ولضيق المكان يضع...
الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، الوقت الذي استغرقه في النوم استهلكته بسبب النوم المبكر، كل شيء حولي نائم باستثناء مروحة السقف التي تعمل ببطء وكأن عليها بعض الجزاء أوالعقوبة، أجمل شيء تعمله هذه المروحة التعيسة أنها تحرك بعض أغطية الأسرة فتحركها وسط الصمت، تحول العمر إلى عمر طفولي يراقب...
كان في المدينة رجل يصنع أشياءً عديدة. كان يحرث الأرض ويبذر البذور، وكان يشق القنوات لكي يروي الماء العذبُ الحقول. وكان يجري المعادلات الكيمائية ويدون في مفكرة صغيرة ما كان يراه من حركة الأفلاك في السماء مستعيناً بمنظار صنعه بيديه. كان ينسخ المخطوطات القديمة ويرمم اللوحات التي أذهب الزمن ألوانها،...
في ريف كوردستان الجميل في مجتمع يسوده العادات والتقاليد القديمة التي كانت اغلب علاقات الحب سرية للغاية حفاظا على سمعة البنت وأهلها بيشنك كان شابا هادئا ذا خمس وعشرون عاما معروف بطيبة قلبه وانحداره من عائلة راقية لها وزنها الاجتماعي . هيلين فتاة يانعة جميلة لم تتجاوز بعد الثامنة عشرة كانت بجمالها...
دق جرس التليفون، كما هي العادة لا أحب تلك الرنات المباغتة؛ صوت غريب نبراته غير معهودة؛ يطلب مني أن أسرع لمقابلة أحد الرجال القادمين من العاصمة يركب سيارة فاخرة؛ يحمل رسالة خاصة؛ تكليف من نوع خاص، دارت برأسها الأرض؛ هل وجه إلى اتهام ما؟ بدأت الوساس تفترسني، احتمال أنهم يطلبونك لتتولى مهمة ما-...
ها هي حقيبة سفرك أمامك، وأوراقك الهامة قد اكتملت. تقترب من مراسم الوداع وأنت تُفضّل أن ترحل بلا ضجيج، بلا دموع أو عناق. فليس للوداع عنوان ولا مكان لأنه سفينة بلا شراع. إنه أبواب مغلقة بلا مفاتيح. كنتَ تودّ أن تمنح مفتاح قلبك لشخصٍ يحبك كثيراً قبل أن تغادر لكي لا يقتله الشوق من بعدك، ولكن من...
رأيت شبحًا، يقطع بهو السلاملك ذهابًا وإيابًا، ولا يؤنسه إلا الصمت والظلام، وخشخشة ارتطام أرجل الفئران في مخلفات حريق من الأوراق والكتب القديمة. رفعت رأسي بحذر، ترامى من الحرملك فحيح أفاعي، رأيتها تتلوى على الجدران، متدلية صوب نافذة مقابلة، والشبح يفرك يديه مرة، ويعقدها خلف ظهره تارة أخرى، يركل...
يسافر مسعد كل يوم إلى محافظة من المحافظات القريبة من محافظته ، إقترب من الستين ومازالت المسئوليات كما هى بل ربما زادت، تزوجت ابنته الكبرى ، وانتهى ابنه من الجامعة، لم يجد عملا بشهادته الجامعية، بعد طول بحث وجد عملا فى محل لبيع الهواتف المحمولة ، مازال لديه ثلاث أبناء مابين الثانوى و...
كانت نافذةَ الغرفةِ مفتوحة، لا زلتُ أتذكرُ لونَها الأخضر، تركناها تحاكي الطبيعةَ الخضراءَ في ذلك الوقتِ الذي أنشأناها فيه، لم تكن العصافيرُ البريئةُ تفرِّقُ بينَ الأغصانِ الخضراءِ وسياجِ الحمايةِ للنافذة، تثيرني بفضولِها وتغريدها الحزين، النافذةُ وقتذاك جديدةٌ ويثيرُ طلاؤها الشجن، لم يعد لونُها...
هكذا، في هذه الليلة التي تبدو بلا نهاية، في هذا المقهى الأدبي الذي أعلم أنّك من روّاده، ومن مدمني مشروباته الساخنة والباردة، وحتى الروحيّة المختمرة، هكذا وأنا بأوج زهوّي قررت أن أعتزل هذه المهزلة، مهزلة الكتابة أو ما أدعوه إبداعاً فيما هو لا يعدو أن يكون مجرّد ثرثرة.. ثرثرة لا أكثر. انطفأت...
أبحثُ عنكِ....في عالمي الضيّق المدجّج بالرّجال ...في مخيّلتي المزدحمة بالصور ..في مرمى مدفعي الرشاش ..في منظاري المقرّب خلف َ التلال...ثم أحتضن سلاحي وأُرخي العنان لأحلامي الجامحة تقودني إليكِ .... وعندما رأيتكِ تتوسّدين ذراعي رسمتُ على شفتيَّ ابتسامهْ.. - (لا تمكثي طويلاً يا فتاتي ...فقد...
تناول الشيخ إفطاره المعتاد، يتبلعه كيفما اتفق له، لبن وجبن وشطيرة خبز، يزدرد كوب الشاي وينكت الأرض بعصاه التي لا تفارقه، يرسم ألف وجه ليوم نترقبه من حديثه حين تنثال كلماته، يحلو له الحديث عن عالمه المنقوش في ذاكرته، أنصت إليه، حين تشرق الشمس تذوب كتلة البرد التي تخيم فوق منزلنا الحجري، نحن هنا...
أعلى