سرد

على أطراف قرية نَحْس التي تبدو كقرية الأطياف مغروسة في المستنقعات الآسنة تحت مظلة هائلة من الغيوم السوداء، كان هناك بيت قديم مهجور منذ زمن مضى. لم يتجرأ أحد العيش فيه او التقرب منه حتى كانت الاشاعات والاقاويل أعظم تأثيرا من الحدث نفسه، حيث اعتقدت الناس ان البَيْتَ مَسْكُونٌ تفوح منه روائح كريهة،...
بعد الرحيل المفاجيء لأمي -أعظم رفاق السماء- بأيام معدودات، وبعد أن استجمعت قليلاً جداً من قواي النفسية والجسدية الخائرة من هول المصيبة، ظلت مشاهد أمي تتدفق أمام ناظري بلا انقطاع، وبعيون يغشاها الحزن وقلب مكلوم كنت أراها أمامي علي الدوام، رأيتها تحملني علي كتفيها بينما هي تغسل الأواني في مطبخنا...
ما إن تخط الشّمس بصمتها فوقَ أديمِ الأرض الرّمادي ، فتلوّنه بصُفرتها ، تتلألأ أشجار الكافور بحلةٍ ذهبيةٍ زاهيةٍ ، حتّى تدبّ الحَركة بينَ جَنباتِ الغيطان ، تختلط وقتئذٍ أصوات عائلة " أبو العجول " شيبا وشبانا كُلّ في فلكٍ يسبحون ، يعقل وليدهم فنون الحياة مُبكِّرا ، فلا يجد أوان ذاكَ إلا البساط...
ماذا سيحدثُ لو أغلقْنا الطريقَ وافترشْنا الأرضَ نسكبُ عليها آهاتنا؟ ردتْ بذهول: أنتَ مجنون؛ أتريد أن ينبتَ الحُبُّ على رفاتِ المتعبين، ألا ترى هذه التي تتأوه من فرطِ الألمِ وأنتَ تتحدثُ عن العشق، وهذا الذي يتوكأ ويده تنتفضُ من براثنِ الوجعِ وأنتَ تحبُّ فتداركتُ؛ قلتُ لها: أمزح.. أمزح كررتُها...
اليوم أسيرُ كالفراشة الزاهية الألوان ، أقطفُ من بساتين البهجة ، أزهى ورودها ، تخفَّفْتُ من سنوات عمري السبع والعشرين ، منها عشر سنوات ، مكبَّلَة بهذا القيد ، الذي يربطني من أعلى نقطة في رأسي ، إلى أطراف أصابع قدمي ، مفردات جديدة أنثرها على جسدي ، الذي ظَلَّ محتجباً عن العيون، لم تعد لكلمات...
هذه الأشجار المطلة على ناصية شرفتنا الأرضية كانت ذات صلة روحانية بأحلامنا . كانت تكبر معنا بينما كانت أحلامنا تستمد منها أملا تلو أملا محمل بطاقات تفاؤل جميلة معينها النمو المتدرج الواثق في غد أفضل نرعاه بمساعدة آخرين حيث يرويها المتعهدون بها من البلدية مرة بينما كنا نرويها أكثر من مرة في اليوم...
" سيد الناس",أكثر من عرفت صلاحًا وتقوى , هو واحد من دائرة صغيرة تضيق وتلتف حول الشيخ " عبد المولى " ذلك القطب الصوفي الكبير , رقيق الحال في مظهره , لكنه يسمو ويعلو بمرتبه فوق باقي الخلق حولنا. ما يميّز " سيد الناس " عن غيره من المريدين, إخلاصه الشديد وحبه الجارف للشيخ , فكنت أراه يدور في فلك...
لأنّي عانيتُ كالمِئات من هذه الحمّى:حمى الضياع بينَ الحدود يجلدُنا الجوعُ في النهار ،والبردُ والجوعُ في الليل،خصوصاً حينَ تنخفضُ درجاتُ الحرارة إلى أدنى مستوياتها"تجمّد الماء فوقَ الكفّ".جرّبتُ كيفَ يصفعُ الثلجُ وجوهَنا في المثلّث القبيح شكلاً و مضموناً "حدود تركيا وبلغاريا و اليونان"، ومازال...
جاء دوري في محل بيع اللحوم فأعطيتُ الشاب صاحب المكان ورقة طلباتي التي بدأ في تحضيرها ثم وللحظة لمحتُ ابتسامة ترحيب منه عندما فُتح باب المحل ودخل زبون آخر لاحظت سعادة الرجل بِمَنْ قَدِمَ، وطلب مني بلطف أن يخدم الجنرال قبلي فوافقتُ على الفور وابتسمت وقلت إلّا الجنرال!! هم دائماً على (الراس...
هذا أوان التفرح بما كان من شأنها؛ تتساءلون وما حديثها ؟ هذه حكاية لم تدونها الكتب الصفراء في بطونها إذ تركوها للعجائز يتندرن بها ليالي الشتاء الطويلة حيث الريح تلطم خدود البيوت. المترفون في المدينة يسرقون منا الأحلام والواقع، لم يعد لنا ما نعيش عليه، حجزوا لأنفسهم ولصغارهم كل شيء، تلك كانت...
حكاية هذا القطار غريبة جدا، فهو قطار يحب العمل بمزاجه، ولا يعجبه إلا عقله فقط، ومنذ أن عمل عليه سائقه الطيب وهو يحبه حبا شديدا، جعله يرفض العمل على أي قطار آخر، بل ازداد هذا الحب بمضي الأيام، ولا يعرف السائق سببا محددا لحبه الشديد لهذا القطار بالذات، رغم انه عمل على قطارات كثيرة قبله، وتسبب له...
جمع حقيبته وتوجه نحو السوق الأسبوعي لعرض بضاعته أخرج كل مافيها من أشياء يمكن بيعها للزبائن ظل جالسا في مكانه يرتقب المشترين الذين عز جلبهم إلى المكان كان يرقب تصرفات الناس وانهماكهم في المشكلات التي تخصهم كل شخص يتحرك بدافع ماسيعود عليه بالمنفعة لكل طريقه الذي لا بد عليه أن يجتازه حسب المصلحة...
اعتاد أنْ أقدِّمَ له حبة شوكولاته كل صباحٍ قبل أنْ يتناولَ طعام إفطاره، لم أكن أهتمُّ أن أحصلَ منه حتى على بندقةٍ منها؛ إلا تلك التي تسقط من فمه ،فتاتًا، وهو يقضمَ القضمة الثانية منها، كنت أتلقَّفُها بكل حبٍّ وأضعُها في فمي -مبتسمةً- دون أن أُشعرَه بذلك، بينما كان يأخذ رشفةً من فنجان قهوته،...
نظرتُ من ثقب الباب . خفت مما رأيت . تراجعت . وقفتُ جوار الحائط في الظل لاهثا مرعوبا . اقترب صديقي مني وسألني مم أنا خائف ؟. أشرت له نحو باب البيت . لم يفهم ما قصدت . حلقي جاف كخشبة . عجزت عن النطق وأشرت له بيدي ثانية نحو الباب . سار صديقي مرعوبا . وصل الباب . نظر نحوي . أشرت له بيدي مشجعا كي...
أعلى