سرد

أهاتفك ولا تجيبين، أرسل لك الرسائل فلا تردين، عند منزلك وعلى البعد أناديكِ، أصرخ بأعلى صوتي فلا تسمعين، أكاد أتمزق قلقًا وحيرةً. نورا حبيبتي! هل أنت بخير؟ يوم أمس انتظرتك هناك في الميدان، قريبًا من مدرستك الثانوية، كعادتي منذ أن افترقنا صغارًا بعد دراستنا الأولى، ربما لم يمض يومًا...
أكره شهر أبريل ليس لأنه شهر مولدي، بل لأنه يذكرني على الدوام بتلك المناسبة التي تعرفت فيها إلى "بشير"، وتدفعني هواجسي أحيانًا لاتهام شيخ قبيلتنا بالتواطؤ معه، إذ لم يزل يصِّر حتى وقت قريب على الاحتفال بها، ووجدتني بحكم انتمائي للبداوة متورطًا رغمًا عن أنفي لأكثر من ثلاثين عامًا بالمشاركة فيها...
في احد المناطق النائية من محافظة ذي قار عاش عبد الله الشاب العشريني الجميل الوقور الذي حظي بقبول وحب كل أهل منطقته وكل من عرفه وتعامل معه من خلال عمله البسيط في القصابة وكان يزور بيته الذي توسط هضبة صغيرة فيرفده بما نقص أستعدادا لزواجه المرتقب من اجمل فتاة أختارها وسط فرح الجميع وغبطتهم لحسن...
ترى من يذرع الآن أرصفة القطارات جيئة وذهابا؟ فسباق المسافات الطويلة يعجز الجياد التي ضرب التخشب سيقانها، في زمن مضى كنت أحد هؤلاء الذين لفظتهم الأمكنة العطنة إنها تعادي البشر والحجر؛ يتلمس مكانا آخر ويبحث عن بلاد أخرى؛ يجري وراء القطار الذي لايأبه بالراحلين؛ آلة نثير الصخب والزعيق؛ في دسوق كل...
في تلك السنة وتلك البراءة التي لأطفال ذلك الزمن القافزين الماكرين المتجاوزين أعمارهم وأعمار إخوانهم البالغين امر المرحوم الحاج سيدي هْلال (بتسكين الهاء) ابنه عبد الرزاق أن يأخذ العودة (الفرس) للضيعة في بوملّول - سير دّي العافسه تضرب عند حمّو، - أشنو تضرب؟ - نعلة الله عليك يا الممسيخ، تحرك،...
العمل كثير. والحركة دائبة في ارجاء الغرفة حيث التف خمسة موظفين حول منضدة كانهم في اعمال تجمعهم، وراحوا يتبادلون أطراف الحديث لقتل الملل والاستمرار بنفس الهمة، بينما راح محمود في غمرة الحديث يشاطرهم كل رأي ، وكل كلمة تقال، فقد اعتاد أن يكون الطليعة في الكلام عن تجاربه وحياته الشخصية المتدفقة...
"هادا ما اسمو شعر.. هادا اسمو علاك فاضي" قالها لي من أعلى برج معاليه وهو يرمي أوراقي بوجهي. لا أدري كيف لملمت تناثرها وأنا أكرّر اعتذاري من فخامته، واصطدم بالكرسيّ أثناء انسحابي المرتبك .. لتسقط ثانية من يدي، فأتركها وأغادر على عجل كأني أفرّ بروحي. كنت أخنق دموعي طوال طريق عودتي محدّثاً نفسي...
كرب وغم وهم وطريق نهايته موت وسلاسل من وهم اننا مُسيرون لا مُخيرون كَذب أبليسنا كَذب قسيسنا عندما عَلمونا ان بعدَ الموت .. حياة لما أنتِ حزينة ؟ ولما تبكين ماتَ عزيزا جدا و برقيّ سريعا خطفه الموت... ليتَ الموت معنا يكون هكذا الموت ليس موت الجسد وليسَ موت الروح كما علمونا الموت ان نكون وحيدون ان...
لا يعرفُ إن كان مخطئًا في عدمِ الردِّ عليها، أم أنَّه ألقى غرامَها كمن ألقى قارورةً أنيقةً لتكونَ شظايا على سطحٍ خشن ، بالنسبةِ له فقد جرَّب الحُبَّ؛ كان عندهم قطةٌ بيضاءُ صغيرةٌ في غايةِ الجَمالِ والدلال ، تتركُ الجميعَ وتقتربُ منه لتتمسحَ بذيلِها في ظهره ، يقدِّمُ لها الحليبَ ويتفرغُ لمشاهدةِ...
عاد يوسف الى بيته كامد الوجه مغموما تائها، بعد أن أمضى ساعات يجوب الشوارع والأزقة، لم يترك أي مكان لم يبحث فيه عن أمه التي غادرت بيته منذ ثلاثة أيام ، شاركه البحث القاصي والدّاني من ألأهل وا لجيران، طرقوا كل ألأبواب اتصلوا بالدّرك، بحثوا في مستودع الأموات، نشروا صورها في كل المواقع...
رسالة إليكترونية طويلة بعض الشيء , هو أمر لم أعتده منها , فتحتها , قرأتها سريعًا , فتساقطت معاني أو لم أدركها جيدًا , فأعدت القراءة بتؤدة , بعد أن ركنت سيارتي جوار سور مدرسة , كعادتها بدأت رسالتها بسلام مقتضب : ما اخبارك ؟ ثم انهمر سيل الكلام في صورة أحرف انتظمت مطبوعة على شاشة هاتفي فكانت ...
في غرفتها المغلقة، مازالت العجوز ممددة أمامهم، في سكينة لا تفيق، الوقت يمضي ومازالوا جِثيًّا حولها، رجالًا ونساءً يتحاورون. قال رجل: - لننزع القرط الذهبي من أذنيها، وتلك السلسلة حول رقبتها. سأل ثاني: - كم سوارًا ترتدي في معصميها؟ وأضاف ثالث: - يبدو أننا سنعاني في انتزاع هذا...
كنت محتالا حين كتبت أنني لن أسر إليكم بما دار في ذاكرتي. أرجو ألا أكون كذبت عليكم هذه المرة؛ إنها عادة نشأت عليها؛ حيث تحلو الخرافة في بيوت مسكونة بالجن الأحمر. أو لعلي ممن تدثروا بثياب الأجداد فيرفلون فيها وهم لا يشعرون، نحن هنا نعتاش على المفردات التي نسمع بها ومن ثم نقتاتها فإذا بها تدب...
تركته وحيدا، نصف جسد، والنصف الآخر، مقبور بالشلل، يطوي المسافة من القرية إلى المدينة، بنصف جسمه المعتل بالشحم، يمشي مائلا، يتصبب عرقا في اليوم الشاتي، يرفع بيده اليسرى منديله المحلاوي، يربت على عينيه الملتهبتين من ملح العرق، تعلم صنعة النجارة، يستهل يومه كل صباح بالجلوس على مصطبة المسجد : السلام...
تتوثب دفقة من ضياء الفجر على ظهر السحب الصامدة، أجر خلفي قدمين قد أصابهما التنميل، أغمغم بحكاية العاشقين اللذين سكنا البناية الزجاجية المقابلة، وكيف انقضت تلك الليلة التي اتفقا فيها على أن يغرقا في بحر النسيان. ما زلت أذكر ذلك العشاء الذي كنت أراقبه.. كانت المرأة ترتدي فستانًا قصيرًا قاسي...
أعلى