توجّهت إليها لتقديم واجب العزاء في والدتها.حين علمت بالنبأ,هاتفتها للاستئذان قبيل وصولي,قلت: علمت توًّا بخبر الوفاة,مثلي لا عُذر له, فرجاء تقبّلي أسفي, اسمحي أن أعزّيك بنفسي, فلم أرك منذ سنوات, لم تعد ذاكرتي تسعفني في حصرها, حتى لم أعد أتذكر لون عينيك, سوداء كشعرك الحريري الكثيف أم خضراء كقطعة...
جئت؟ أم أنني لا أزال حمامة مهاجرة؟ تلك التي تناسلت في غيابها عشرات الحكايات، ولا أحد كلف نفسه وسأل: متى تعود فاطمة؟
لو أنهم سألوا فقط، لو أنهم ترقبوا عودتي ولو على سبيل الفضول، لكان هذا أفرحني قليلا. فأن لا ينتظرك أحد، أقسى بكثير من أن لا يتذكرك.
مشهد القرية لا يزال وفيا لبكارته، وكل شيء ما زال...
نظرت خلفي .. المنظر اليومي ذاته للمقبرة التي أزورها يومياً ، طقس من طقوس الارتياح حين أزور قبر زوجي ، الهدوء الصامت يكاد يمزق حفيف أوراق الأشجار التي تحاول مغازلة الرخام النائم فوق الأجساد الهاربة من الحياة .
تأملت انانية الأحياء ، بعض المقابر عليها الورود اليانعة التي تدل على اهتمام أقارب...
آثار سكّة قديمة، قرية إستراتيجية تعبرها الإمدادات الأيطالية المتوغلة نحو الشمال، بادرة شتاءاً حارّة صيفاً، تجذب بحيراتها العذبة وأتربتها الحمراء مجاميع البعوض وتراحيل الأبالة التائهين. تتمركز فرقتان من بقايا جبهة تحرير شعوب الجنوب مدخلها الجنوبي، إنهم عبارة عن لصوص في وطن لم يعد اسمه مسَجلا...
الغربة... الشتات... الشقاء... والعودة..
غربة الروح... وشتات النفس... وشقاء الرحلة... والعودة إلى موكب الملائكة.
عودة من الحب الآثم ومهاوي الجحيم، إلى الحب الصالح ورفاق السماء.
بقلب مُرتجف وخطوات مُضطربة، أعود الآن، أخطو نحو شارعنا القديم، في جوار مسجد السلطان حسن.
في جو...
حين دخل الغرفة لأول مرة منذ ذلك اليوم، للوهلة الأولى وجد كل شيء في مكانة كما اعتادت أن تراه عينة. لكن تلك المرة كان هناك شيء مختلف شيء جعل قلبه يرتجف ألما، أنها الرهبة من الحزن الذي قد خيم على المكان. . كل شيء كما كان إلا هي فقط، لم تكن جالسة كعادتها على مقعدها العتيق المقابل للنافذة. . كان...
قلت لها: ما الحياة إلا مجموعة من اللحظات،تأخذك لحظة الى قمة الفرح وترميك لحظه في غياهب اليأس، تمر بنا لحظات كدهر لا ينقضي تتشح فيها قلوبنا بالسواد تغلبنا فيها الحياة بقسوتها فتهزم أرواحنا ونعلن الاستسلام، ثم تعود لتمد لنا يدها، تحاول أن تصافحنا معتذرة فنتوجس منها ونرفض أن نرتدي ثوب الفرح الذي...
دخَلَتَ القاعة والحُضورُ يُتابعون بإصغاءٍ شديد، تَسللَّ عِطرها في هدوءٍ ليُعلنَ عن مَجيئها، حَادَت الأعينُ عن مُتابعة المُحاضر واشرأبَّت الأعناقُ إليها في شَغَف.
تهادَت بين الصفوف في شُموخ لا تعبأ بهمس الإطراء ولا بالعيون الفاحصة، بلغت المِقعد المُخصص لها سلفًا والذي تَصادَفَ أنْ كان إلى جواري،...
انتهت من تناول قطعة الشيكولاته التي حرصت علي تناولها في صباح كل يوم عصيب كهذا اليوم، دست الأوراق في حقيبتها وأسرعت بمغادرة المؤسسة التي تعمل بها، قطعت المسافة من مكان عملها (بيت العنكبوت ) كما تسميه دائما وهي تستعرض في مخيلتها رحلتها خلف كل توقيع من هذه الوجوه العكرة التي ابتليت بالوقوف أمامها...
تراكمت السنوات على وجهه، صارت خطوطا ومنحنيات تشبه دروب حارة المتاهة في كفر أبو ناعم الذي يقبع خلف شريط القطار الواصل بين دسوق وقلين بلاد يغطيها طوفان من الذباب والبعوض، الناس هنا تنام على وقع أقدام عساكر الإنجليز يتطوحون سكارى من خمارة الزغبي.
أهل الكفر يخافون منهم على أبقارهم ونسائهم.
يضعون...
أدركت الآن سر شقاء القنبلة الزمنية ,كأنّي وضعتُ نفسي مكانها, أحسست بشعورها حينما يرتفع مستوى التوتر بداخلها , يعلو رويدًا حتى يبلغ نقطة لا تملك تراجعًا, حيث ينقطع سبيل العودة, حينها ينضغط الحاضر بشدة ليصبح نقطة من ماض, تترقرق في المآقي أو تتطاير كريشة في مهب الريح , فترة زمنية,أجزم أنها لم...
قالت السيدة:
- هراء، لا أصدق أنه كان مجرمًا، ربما لو أخبرتني أن غدًا هو آخر أيام الأرض لصدقتك، ولكن أن يكون مجرمًا فهذا ما لا أعقله، لا أستطيع أن أصدق هذا.
ثم التفتت بوجهها إلى مدخل غرفة الاستقبال، صائحةً بصوت مُتهدج غلبه الانفعال:
- لينا... لينا.
واستأنفت حديثها مع الصحفي الجالس...
بصعوبة تصل إلى السوق، تحمل أكبر فلذاتها الذي لم يتجاوز السابعة، هي المرة الأولى التي يفارق فيها أفراخها الأربعة..
الذكرى السنوية السابعة للسوق.. الزحام شديد، في مدخل الساحة ثلاثة قطارات بشرية طويلة، منها اثنان للنساء..
تقف خلف امرأة تجاوزت الثمانين، تتوجع من مفاصلها الهشة..
تنصحها العجوز...
رفع الخريطة عالياً وقال بأسى:
- لا زلنا نعمل بخرائط الدبابيس التقليدية رغم وجود عشرات التطبيقات الرقمية.
قال شرطي يقف متكأ على مدخل باب المكتب:
- يبدو عملكم شاقاً..
ثم قهقه ضاحكاً بسخرية، وغادر تاركاً وجه المحلل الجنائي ممتقعاً من الغضب.
تنفس السيد الجبري بعمق لكي ينسى سخرية الشرطي منه، ثم أطلق...