سرد

كنّا ثلاثة ، بالكادِ نرى وجوه بعضنا من شدّة ظلام البئر الذي جلسنا في قعره ، والشيء الوحيد الذي كان يُشعرنا بالراحة هو جمال بريق النجوم التي زيّنت السماء البعيدة عند اعلى فتحة "بئرنا" ، نعم لقد اطلقنا عليه هذه التسمية لأنه اصبح عالمنا ، فمع مرور الايام التي كنا نشعر بتعاقبها من خلال النزر اليسير...
كانت ترتجف من البرد والخوف حين دخل آخر شخصٍ يخطر في بالها أن تراه. مضى عشرون عاماً على آخر لقاءٍ بينهما، لم ينتبه لوجودها أو اصطنع اللامبالاة، لكنها انتبهت تماماً إلى وجوده وعرفته مباشرةً، ‏‏‏‏‏‏‏‏رغم شحوب وجهه، ورغم قسوة الأيام التي نحتتْ تضاريس وجهه بعناية.‏‏‏‏ أرادت أن تلفتَ انتباهه إلى...
تتزاحمُ النجماتِ من فوقهما على السهر، يسمران وقد توزع الضوءُ في الطبقِ العلويِّ الذي فوقهما ، أمامَهُ طبقٌ من الكعكِ وملعقةٌ ذهبية ، وأمامَها طبقٌ آخر، طبقُها لؤلؤيٌ بلونِ النجوم وملعقةٌ بيضاء ، أقربُ نجمٌ يكادُ يسقطُ بينهما من لمعانِه في ليلٍ أسودَ لايُرى فيه إلا بياضُ النجومِ ولونُ أسنانهما...
كانت الأصوات المتداخلة وضحكات الرجال ترتفع بوتيرة عالية في جوٍ من المرح والانسجام قد ملأت صخبها غرفة الضيوف، هكذا تناهت الى سمعي عند دخولي المنزل. اختلست النظر من فتحة باب غرفة الضيوف، فانساب بريق رؤيتي على جمهرة من الرجال يبدو عليهم في غاية الاناقة، ببدلاتهم الرسمية، و منهم مَنْ كان يرتدي...
قال لها :اسمُكِ هو عنوانُ كتابي الجديد ، لايوجدُ مَن هو جديرٌ بأن يحتلَّ صفحةَ الغلافِ غيرُكِ، لم يحمل أحدٌ ثلاثةَ أحرفٍ كما حملتِ أنتِ، تنازعا حتى كاد الغلاف أن يتمزقَ وتنتهي السيرة، أبدت شراسةً غيرَ مسبوقةٍ نحوه، اشتاطت غضبًا وغيرةً من العنوان، لاتريدُ أن يطبعَ اسمها كالوردةِ على ورقٍ تدوسه...
لم تكفيه الغربة التي احاط بها نفسه، إكتظت جميع الفضاءات التي هام على وجهه بين ثقوبها ومساماتها الضيقة، أوعز الى أقدام أن تطأ كل الحدود حتى تتجاوزها عنوة، فالعالم الذي يعيش لا يحترم خطوط الطول والعرض أو مساحات دول، قِيَم سَمِع عنها بأن الدين قد وضعها كعهود ومواثيق يحترمها بنو البشر الذين صنعوا من...
ارتقينا درجات البوّابة العريضة التي تفتح مباشرة على ساحة المقام المحاط بالاعمدة والغرف، كان البناء حديث الترميم. قدّمني لشيخ الحضرة الأربعيني وهو في طريقه لغرفته التي تنبعث منها رائحة الندّ والبخور. القرويّات تنشرن البهجة بساحة المقام، ولولة وزغاريد وصبية واطفال في مرح وحبور. البهجة المرسومة على...
لم تكن مجَرد فتاة ريفية عادية ، ابنة لقرويٍ فقير ، امتهن صناعة الفَخَار ، يعيش وأبنائه مما يحصل بكدِّ يمينهِ، وعرق جبينهِ ، لا يملكُ من حطام دُنياه الخانقة ؛ غيرَ حمارهِ الهزيل ، وأسماله البالية المُلطّخة بالوحلِ ، يتلهّى عن أثقالِ الشّيخوخةِ والفقر بالأمانيّ ، أن يحفظَ الله صغاره ، فيجعل حظّهم...
في غاباتِ الصفصافِ الجنوبية .. الواقعة بمحاذاة أشجار الزيزفون .. في يومٍ ربيعي مبهج .. ولدتُ لقردينِ شابينِ كانا يتمتعان بكلِ الصحةِ لينجبا .. لكنهما لسببٍ لم يعرفهُ أحد تأخرا في الإنجابِ لسنواتِ طويلةِ .. فكان مقدمي مَبعثَ سّرور لوالديّ وكل العشيرة التي فرحت بولادة ولي العهد مما جعلني مدللاً...
- هناك عند الشاطئ الأخضر كنا نزرع بذرةَ الأملِ، ونرويها حبًا واهتمامًا، فينمو الأملُ بين أيدينا جنينًا صغيرًا يخرج للعالم فاتحًا ذراعيه للدنيا، وتنمو الأماني كل يوم وتكبر، ونضيف إليها في كل لحظة موقفًا جديدًا نقيًا كشلال الجليد، ملتهبًا كبركانٍ جامح، طائرًا كعصفور الكناري، صافيًا كسماء الصيف،...
#حكايات_من_سِفْرِ_الإغتراب (2) (د. عطور، أم عفراء) إسمها ملفت جداً كما أسماء كثيرة ألِفَتَها الأذن وأطربتها رغم جِدَتها واستثنائيتها وبعض غرابتها، وقد اشتهرت هذه البلاد الجميلة بها وبأسماء تخصها وحدها… بعد أن اصبحت د. عطور طبيبة أولادي صارت صديقة وقريبة من القلب، كنت كلما داعبتْ عيني دمعة...
(ولدنا طيبين وتعلمنا الشر.. ولدنا أوفياء وتعلمنا الخيانة ولدنا أبرياء وتعلمنا الخبث ولدنا....).. يغني الأطفال، وينظر لهم بعينين خائرتين من البعد..فتقول زوجته: - ما هذه المدرسة الغريبة.. وتنظر إليه فتجده جالساً بصمت كعادته: - ألا تسمعني؟ يلتفت إليها منتبهاً: - الا تهتم بمستقبل طفلنا؟ فتجحظ...
تمت بيني وبين أمرأة جميلة سوداء ، مطلقة ، عمرها ( 24 ) عاما ، تعيش مع والدها الذي يعمل وزيرا في إحدى دول افريقيا ، دردشة عبر الفيسبوك ثم عبر السكايب ، وبعد أن تعمقت العلاقة بيننا وجهت لي دعوة لزيارة بلدها ، تصورت أن الامر مجرد مزحة وطرافة ، لكنها حين بعثت لي ببطاقة الطائرة ذهابا وإيابا، محيت...
لو حكى علي ذلك بالتفصيل الممل اليوم ، لما صدقه الناس . سيقولون بأنه عاش في زمن آخر ، وكوكب آخر . منذ شهور وهم يبحثون عنه . رأى أحدهم يجلس بجانب دكان بائع الفحم والغاز . في المرة الثانية رأى شخصان غريبان يقفان أمام دكان البقال ، ويتبادلان معه الحديث كأنه صديق قديم . في كل مرة يجدهم يراقبون مدخل...
في حي عتيق تفوح منه رائحة الماضي العتيد تمنيت أن أعيش ، في زقاق ضيق بيوته متلاصقة ، حيطانه من حجارة من طين تكسو طريقه حجارة ملساء لونها رمادي ، في منزل بابه من خشب منقوش ، شكله مقوس لونه بني كلون الخشب ، بدار غرفها دافئة ومتقاربة بها فناء تجتمع فيه الأسرة للسمر والسهر وسقيفة يحلو بها...
أعلى