سرد

خلع معطفه بعد أن أدار المفتاح في ثقب قفل شقته التي هجرها طوال رحلته في متاهات غياهب، عَلِقَ المفتاح بثقبٍ تصلب بأسنان قفل صدأ من جلوس بلا حراك, طفق يحاول معه مرة، اثنتان، ثلاث حتى ضجر, أخرجه نظر إليه وقال له: ما لك يا أنت!؟ هل نكرتني؟؟ نكرت وجودي، هل غيرت السنين معالمي لتغير أنت نواياك معي؟ أم...
منذ أن داسته إحداهن بكعبها العالي على مؤخرة قدمه وهو لا يحب تلك الأحذية ، ظلت قدمه تؤلمه لفترة طويلة، عندما يخفُّ الألم تنتابه لحظة ألم شديدة بمجرد أن يشاهد النهاية السفلية التي ترفع الحذاء من الخلف، لا يعرف تحديدًا لمَ استمرَّ معه الألم لدرجة أن الصيدلي الذي اعتاد الابتياع منه يمازحه باستمرار...
في صباح أحد الأيام الممطرة، ترجلت الآنسة (جاسيكا جوليان) من سيارتها وتوجهت إلى الجامعة. فتحت مظلتها، ثم عدلت ملابسها، وأحكمت نظارتها الطبية، احتضنت كتبها وهي تهرول نحو البوابة، خطت برشاقة بين أروقة الكلية. خلال ثوانٍ وصلت إلى قاعة المحاضرات، جلست خلف مكتبها وراحت تجهز أوراقها، تأكدت بأن جهاز...
يُقسِمُ بأغلظِ الأيمان غير حانثٍ ، إنّه لا يستطيع المرور بينَ الأزقةِ ، بعد " المغربيةِ" من رائحةِ البخورِ ، الذي تتلاقى خيوطه فوق الرؤوس ، فتبدو كذيولِ الأفاعي ، جرّه شكٌ مظلم يتخبّط فيهِ لا يقوى على ردهِ ، يمسك برأسهِ الثائر بين كفيهِ، واليأس يضعضعه ، تثور في دمهِ حمى لا يجد دونها مَصرِفا ،...
لم نعد أطفالاً، فكما نظرت إليها بطريقة مختلفة وهي تُطعم الحمام فوق السطح، هي أيضاً ابتسمت لي، ابتسامة جديدة ذات مغزى. رحت أحتضن وجهها المرسوم على وسادتي كل ليلة، بحماس شديد رحت أحسب حسبتي: ثلاث سنوات ثانوي، وأربع كلية، وأربع أو خمس مثلهن شغل بعدها أقدر أتزوج. كل الحسابات تغيرت، كنت في عامي...
هفهفت الريح شعرها، هيكلها المظلم النحيل منتصب فوق صخرة، على جرف البحر.. تبدو كمن تتأمل شبحاً قادماً من لجج الغيب. هذه الروح المتآكلة.. تترامى شظاياها على أطراف المحيطات.. على السواحل التي هجرتها النوارس.. واستوطنتها الريح الشمالية الباردة.. بين أثلام الصخور وبين ألسنتها، وحدودها الحادة، وتعرجات...
في مرآة الحكايات تقف المدن في عينيك حزينة، وكنت اسألها عما تخفينهُ ؛لكنك ِ مُـثل تانا لا تعطينني الحقيقة كما اعطيــتك رغبتي الفضولية ....ليتك تتفهمين ما معني أن تصمت شفتآك ....؟ وانا بحاجة لهما، وأوّل حكاية ٍ هي( ليلة القمر) ، حينما تراشقنا بالحصى، كان هدفك أن يخترق الحصى صدري، بينما كنت...
قبلَ مغيبِ الشمس تبدأ السيدة نعيمة رحلتها مع قلي البطاطس لتبيع من أطفال الحيِّ بضعَ شرائح لقاءَ ريالٍ واحد، السيدة ذات الخمسين عامًا يبدو عمرها أكثر من ذلك بسبب تجاعيدها، لاتهتم كثيرًا بمظهرها فتلبس ثوبًا بكمين طويلين لدرجة أن طرفه الأيمن الذي يمتد مع يدها يصيبه الزيت الحار أحيانًا وقد يؤذي يدها...
الساعة تشير الي الثامنة صباحاً وعلي غير العادة في مستشفياتنا الحكومية الهدوء يملأ المكان موظف الاستقبال شاب وسيم طيب الملامح حسن المظهر وعلي وجهه ابتسامة دائمة عكس من يختارونهم لهذه المهنة في بلادي حيث يكونا في الغالب عمالقة ووجوههم صارمة كأنهم اختيروا لهذه الوظيفة من حلبات الصراع لا من...
سقط من رحم الوجع يتيماً، تكفلّ به عمه، ربطه مغمض العينين مُلجماً بناعورة الأيام، يدور كبغل راضخ ينزّ عرقاً.. تحت أشعة شمس خبيثة تترصده، تُلهب وَبره، تسودّ جلده، وتذهب بما بقي من بياض إنسانية في دواخل روحه المعذبة. تتراكم أويقات الألم لتُعانق وجع جسده؛ تستولّد الكوابيس عنوة من واحة ظلال، يلتجئ...
كعادتها وقبل أن تبدا هي وأخيها أحمد عرضهما وبرنامجهما الخاص يشربان قهوة الصباح التي يحبان، لا تدري زينة لِمَ خطر ببالها ذكريات طفولتها عندما اخذت رشفة من شفاه فنجان القهوة التي شعرت بلسعتها الساخنة ثم تطلعت الى يدها التي عليها آثار حرق منذ طفولتها فاستعادت تلك الذكريات كأنها خيط دخان تصاعد مع...
الركود مس عصب الحياة فاصاب جسد المدينة بالحمى، الفئة الأكثر تأثيراً الحرفيين و العمال و المزارعين و أصحاب المهن الهامشية، قالن بائعات الهوى في همس الليالي حتى بضاعتهن أصابها الكساد، الأماني المؤرقة التهمها جشع الغول فاكتظت شوارع المدينة بالبطالة و التشرد في فراغ الضياع. الرضى معلم البناء الماهر...
خرج من البيت مسرعًا متحررًا من قيود كبَّل نفسه بها عن طيب خاطر، قفز درجات السلم في خفة ملقيًا على كل درجة منها أحد أغلاله ، ما إن وصل الشارع حتى طفت خطواته وكأن قانون الجاذيبة قد تغير خصيصًا من أجله، تنقل بين المواصلات غير عابئ بالزحام ، وصل ووقف منتظرًا صديقه على الباب بلهفة ، متطلعًا للدخول ،...
في أسبوع، في عشرة أيام، في شهر في سنة...في خطوة في خطوتين في ثلاث في عشر خطوات...حاولت الاختيار، غير أن البائع الذي يفترش الكتب قال: - لا تشترِ هذه الخزعبلات.. رددت يدي عن الكتاب، ووجهت نحوه نظرة متسائلة فقال: - لا تصلح هذه الكتب معك..فلن تصبح مليونيراً لا في أسبوع ولا مائة عام.. ولما رأى الدهشة...
أمام الدار الواسعة، المطلة على الجسر ، ومن خلفها مساحات شاسعة من الأراضي المنزرعة ، كان يجلس إلى جانب جده ، وجده شيخ كبير ، تسللت الشعيرات البيضاء إلى رأسه ، وانحنى عوده ، وصار يابساً كعود الأذرة الناشف ، وبصعوبة بالغة كان يميز ملامحه من وجهه الفاحم المحروق. يقبع جده على المصطبة وحده ، من بعد...
أعلى