سرد

تبقت في ذاكرتي حكاية لم تسرد بعد؛ الموتى يزورون القرية في ليالي العتمة، يتسللون من أكفانهم البيضاء، يأتون في ثياب جديدة، إن لهم نصائح لما يقدموها لمن خلفهم، يسري الليل وفي الشتاء حين تشتد الريح، تتوالى الطرقات على الأبواب، تموء القطط، نحن لا نضربها، إنها ترى العالم الآخر، ثمة أسرار لا نحيط بها،...
إن المُنتحر لا يخسر سوى التوقعات...كان يهرع دوماً ليحكي لي عن حلم رآه، يقصه بجدية بالغة..ثم يطلب مني تفسيره، أمنحه تفسيراً متفائلاً حتى لا يرفضه، بل يتعلق به. - رأيت في المنام أن نبتة خرجت من الأرض ثم تفتحت عن جوهرة في شكل بيضة كرستالية، أضاءت وجهي ثم العالم بأسره.. وحين أصمت منتظراً باقي الحلم...
خرج الرجل من الحانة وهو يرسم حرف لاماليف في مشيته. يسير ذات اليمين وذات الشمال متمايلا، لا ينتصب على وقفة، ولا تسعفه استقامة مرجوة. الرجل خرج جد ثمل، تفوح منه رائحة الجعة على بعد أمتار طويلة. لكت وبالرغم من هذه الحالة، لم يرعو ولم ينتبه، وركب سيارته. يقول دائما بالكثير من الوثوق الواثق من...
زيارتي للمكتبة العامة في مدينتي... المدينة التي لا تقرأ سوى إلتزامات قاطنيها، ومشاكلهم ووصايا الموتى المكتوبة ريحها على شواهد القبور صار عمرها اليوم أربع سنوات... مضت أسرع من استراحة البصر من غزو المشهد... منذ أربع سنوات أدخل هذا الصرح الضخم ، المنفي ، المتروك الا من غباره وعتمته وفرادته... كتب...
الهاتف الغبي يرن في الخارج يذبح بقايا ظل في حديث يعلق بالضفائر، يشدني اغتراب واصفرار ممزق, يلطخ البؤس خطيئته المرة, ما اسهل الود وترف الحب في مخدع يتقيأ اكاذيب مفتعلة لترحل بعدها اطياف ناعمة مطعونة على جنب قدر ضائع يقضم من اغواره ذكرى مسعورة, يتناول سجائر بنكهة الافتراس وارهاصات تلف في يوم سخي...
الهاتف لا يتوقف عن الرنين . رفعت هناء السماعة ـ صباح الخير ، خالتي عائشة . عرفتها من الصوت ، ورقم الهاتف ، ثم أضافت بغبطة ، قبل أن تسألها : ـ أمي وضعت مولودا صبيا . زغردت الخالة في الهاتف ، وتابعت : ـ مبروك يا بنتي هناء ، أصبح لك أخ ، يشد عضدك ويحميك . كيف حال أختي زهرة ؟ هل المولود في صحة جيدة...
كان عقربا منتصف الليل متعانقين حين تركت الغرفة ومن فيها، تلك الليلة المشهودة من أيام العطلة الصيفية. فرشت لحافا فوق الحصير بالهواء الطلق، وسط منزل الأسرة في البادية. تمددت على ظهري، يداي خلف رأسي، ورفعت عيني إلى السماء. لم أر شيئا سوى نور خافت، ينبعث من نجم هناك في السماء البعيدة، يراقص حبات...
من يدعي أن لك في الرؤى شبيه وإن كنت تحمل في ثناياك نرجسية أو غرور فستكتب قصائد في رؤاها حداثة الحرف والشعور تغار من تضاد حرفك ونوبة الجنون تطير في مواكب قوافل السطور على متون بحرها نوارس تعود من جديد ببال طفلها تسكن ظلالها من همس أو وجود تعانق المدائن . قوامها يلامس الشعور كنيسها يسابق الحضور...
الموج عاتي والسفينة خالية الصواري دُسُرها متآكلة تُبحر بربان كسيح الى الجزيرة المفقودة، كل من عليها يضمر شيئا فهم في عالم المباغتة وإن تشاركوا في مائدة واحدة فلا حرمة لملح وزاد، فعملهم يكثر فيه لواط الألسن حين يأتي الحق عاريا حتى بدون فتنة، والأغرب أنهم يبيعون غايات دون وسيلة فَهمِهم الذين...
بدأت الشوارع تضيق شيئاً فشيء كلما توغلت الحافلة السفرية إلى داخل البلدة، كان المطر ينهمر في غزارة والرعود والبرق تعصف في جنون كأن حواراً غاضباً يدور بين ماردين عملاقين عند سقف السماء؛ ليس حواراً بل معركةً في أوج إحتدامها! كلما أضاءَ البرقُ تكّشفت ظلال بيوت البلدة البائسة، كانت الشوارع خاوية من...
إنَّ المسرح الذي تتحرك جدرانه وتتراقص قاعدته، لا يمنحك كممثل القدرة على لعب دور جاد..إنه مثير للضحك..وهكذا اختار هذا المخرج المجنون أن يكون مسرحه كأغنيات تو-باك.. لقد ضحك المتفرجون حتى ضرط بعضهم، وتقيأ البعض الآخر وأغمى على الفتيات الرقيقات، ونحن نتأرجح فوق خشبة المسرح المتراقصة، نسقط يمنة...
إنها المدينة الفاضلة العالقة في ذهنك كم هي ذاكرة التفاصيل الجميلة عالقة... بعكس كل توقعاتك الواردة في مخيلة الأحلام وما لم تصدقه من نصائح أمتلئ بها رأسك الكبير العنيد حينا إقترب موعد رحيلك إليها آنفاً: الإنسان بينها بلسانه هو نقيض فكره أو حضارته؛ أو لا يمكن أن تكون كل تلك الحضارة المدهشة في نظر...
حارتنا محاطة بأسوار قديمة، كل الذين تركوا بصمتهم في التاريخ هدموا من أحجارها الكثير؛ والآن بوابة المتولي مصابة بداء جديد عجز الجميع عن معرفة أسبابه، سكن أبو النوام درب الدراويش على حين غفلة من أهله، جعلهم يتثاءبون كل لحظة، سرى النعاس إلى درب سعادة والسراجين وقلعة الكبش ودرب الهوى وحارة...
الحقيبة الأولى في ميناء "بني أنصار" ركن سيارته في ذيل طابور مع سيارات أخرى محملة يقودها مهاجرون عائدون مثله من ديار الغربة، بينهم نساء قليلات وراء المقود، وكل سيارة تتبدى من الخارج كما لو فرّت من مصير مجهول إلى مصير آمن، لذلك، فضلا عن بني آدم، هناك أحمال كثيرة داخل وخارج السيارة، بل وهناك...
لم يكن لأحدٍ في القريةِ ، أن يصدق هذا التحول المفاجئ الذي انتابه، فبعدِ حياةٍ قضاها في بحبوحةٍ من العربدةِ مُتسكِّعا ، أصبحَ " مرسي" بينَ عشيةٍ وضُحاها وليّا من الأولياءِ ، تتدلى مسبحتهِ الطويلة الكهرمان فوق كرشهِ ، وعلى شفتيه يتطاير غُبار الأذكار الملتهبة أينما سار، يغشى الدروب والأزقة في...
أعلى