سرد

كان يسمع صفيرا، أو ضحكة، أو: بس بس بس، أو الساعة كام من فضلك... وهو يمر كل يوم تقريبا، بجوار البلوك الآيل للسقوط، وسط المساكن القديمة، حال انتهاء ورديته في مصنع البلاستيك مساء، جائعا ومتعبا، يريد أن ينام بأي طريقة، لذا لم يرفع وجهه ليرى مصدر الصفير، أو الضحكة المفاجئة، أو غير ذلك، مما كان...
خاب ظنه حين لم يجدها في مكانها المعتاد داخل مكتبته حيث يطيب لها الجلوس على كرسيها الجلدي الأسود تحت مينوارة الشمعدان سباعي الرؤوس تطالع الكتب وتراجع مؤلفاته وترتب أوراقه وكتاباته. شعر بالقلق وهو يفتش عنها في حجرات البيت وبالغرابة حين ناداها فتجيبه من حديقة البيت ليجدها كامنة بين شجرتي الغرقد...
بعد أن صهرتنا مرائر السنوات وأفراحها الشحيحات في روح واحدة، كانت ميتتها المباغتة، أول طعنة غدر وأشدها أذى على الأطلاق، واجهتني في حياتي... واليوم، وقد بلغت الستين، وحيدا دونما حبيب أو أنيس، وسلال أيامي توشك على النفاد، أفتقد حضورها البهي، وأشعر باليتم المكتمل، كما لو كنت طفلا غريرا أفلتته قبضة...
خلال حياتنا، نلاقي صنوفا مختلفة من الرجال، اقوياء الشخصية بلا قوة جسد، واقوياء جسد بلا ادنى شخصية، أمناء وخائنين، أدعياء وصادقين ، شجعان وجبناء، وسواهم مما يصعب عدّه. غير أن هنالك صنفا من (الرجال) ينطبق عليه ذلك المثل الشائع : (إن حضر لا يعد وإن غاب لا يفتقد)، اناس غريبو الأطوار، يمكن ان يصلحوا...
غمست يدي في البركةاغتسل،ماء رقراق لُجيّ صاف مُغرٍ بسباحة في العمق و سياحة في الخاطر ، دقات قلبي يتسارع خفقانها، دبيب نمل يتسرب إلى أحشائي يتحالف للتمزيق، ومض بريق لامع لمحته أو تراءى لي كالسيف الحسام يقطع العالم نصفين ،الصورة ضبابية تهتز على وقع أنين لم أفهم ما القصة، لذلك غرفت منها كوكبا...
عانيتُ صداعًا حادًّا وسعالًا متقطعًا دون حرارة خلال ثلاثة أيام عسيرة جدا. وأدركت المعنى الحقيقي لمقولة "لا راحة في أي حال". لا راحة في الوقوف حتى تجلس، ولا راحة في الجلوس حتى تستلقي بجسدك المتهالك على السرير وأنت تتقلّب ذات اليمين وذات الشمال مرات ومرات بلا هوادة، وكأنك حصان يحكّ ظهره على الأرض...
لطالما خشيت الأنظمة المستبدة والجماعات المتطرفة من الفنون، وفن الغناء تحديداً، ولطالما اعتبرته تهديدا حقيقيا لسلطتها ونفوذها. في هذا الحيز أمكننا رصد عينات من الأغاني السياسية الجريئة، يمنياً وعربياً، والتي تعرض أصحابها للنفي أو التهديد أو الاعتقال أو القتل. في أعقاب ثورة الـ26 من سبتمبر...
الرعب والخوف يسيطران على نفس الصبي الصغير ، الذي حدد نظره في نقطة بفضاء الكون شاخصا إليها في المنطقة التي يتوسطها القمر في صفحة السماء؛ وقت خسوفه ، بعد أن سحرته الغجرية و استولت علي نوره وبهائه بأعمال سحر؛ تتقنها لأنها في حاجة شديدة لنوره وبهائه ليحل على وجه ابنتها القبيحة فالليلة خطبتها حتى...
عينان بلون السماء، جبهة مستديرة وعالية قليلاً ، حاجبين قديمين بشكل هلالي بالغ العقوف. لونهما مائل للرماد قليلاً. شفتين بلون الكُرز تميلان للإحمرار القاني لم تتذوّقان طعم أحمر الشفاه طويلاً وربما جافّين بسبب حرارة أفريقيا ، أسنان مرصوفة مثل حبّات الأرز وجه أشقر وأنف رقيق بإنحناءة خفيفة. "Hi am...
ذات صباح .. في طريقك إلى العمل للمشاركة مضطرا في مناسبة رسمية هامة يحضرها بعض من كبار المسئولين في الدولة، تلاحظ باستغراب أن شوارع المدينة الاسفلتية ومعالمها المألوفة قد تحولت إلى جبال شاهقة الارتفاع يتخللها دروب وعرة، وهضاب صخرية متدرجة، وتلال رملية، بينما في الأسفل تلمح وديانا واطئة رحبة،...
كان الصغير ينتظر عمه ليصطحبه إلى الأضحية في اليوم الأول من العيد، وكان قد انتظره أيضا خلال الأسبوع الذي سبق العيد كل يوم، فجميع أصدقاؤه وجيرانه قد أخبروه بأنهم رأوا الأبقار والعجول والأضاحي كل في مكان وزمان متقارب، وظل يتشوق ليرى أضحيه عمه مع أبناء عمه في اليوم الأول لكن اليوم الأول قد انتصف...
ظل عمرا يقنع بالقليل ، ويرضى بالتافه ، رغم أنه من أصل كريم ، وسليل عائلة وجيهة ، يمتد نسبها في الثراء ، ورث عن أبيه أرضا وأملاكا ودورا تناثرت في القرية ، يتذكر والده حين كان ينهره في جنون ، مرددا في غلظة :" ٍ المال هو الأصل ، والناس بدونه لا شيء "، يغيم وجهه في ابتسام مأزوم ، يعاود كر مسبحته...
تجردت من كل لباس ونزعت كل الأقنعة، استغنت عن كل الأدوار، محت كل التواريخ ثم حلقت خارج كل المعاني القديمة والحديثة. أضحت غريبة عن الديار والأمكنة، اختارت أن لا تحمل اسما ولا لقبا، تخلصت من عبء حكايتها الذاتية، تحررت من كل الأهواء والأهداف، لم يعد لها من مبتغى سوى الصفاء. كانت الحضور ثم الغياب في...
في عالم الرياضة الفردية العنيفة، كما في جميع ارجاء الدنيا، هنالك الانسان المحترم وان خسر، والبغيض وان انتصر، ومعبود الجماهير إن فاز، والمنسي والمطوي، والمهمل والجاد. غير أن هنالك صنفا من البشر، وعلى الأدق من مصارعات وملاكمات، تمسي أضحوكة المجالس النسوية، وتتمنى ان لم تمارس اللعبة يوما او يعرفها...
عادت "أفراميا" إلى طريق الآلام، ووجدت المرحلة الثامنة حسبما أشار لها "أحمد"، لكنها كانت مضطربة، وعاجزة عن التركيز، وقد أحست بدوار جعلها تجلس فوق صخرة بالقرب منها، وكانت السماء فوقها تتفتق كالسراويل، وتنخلع عن الأرض كالبرانس، ونظرت نحو قرص الشمس، وكانت أشعتها ملتهبة وحارقة، كانت ثمة أوحال وغيمات...
أعلى