سرد

ـ الزعفران الحر.. الزعفران الحر.. جاء الصوت قويا من الخارج. نهضت مسرعا، حتى لا يبتعد، أو يختفي في أحد الأزقة المجاورة. فتحت الباب، وناديت على البائع الذي تجاوز البيت بحوالي عشرة أمتار تقريبا. نحن في شهر يناير. الطقس في هذا الوقت شديد البرودة. كل الجبال المحيطة بقرية (بومالن دادس) مكسوة بالثلوج...
تكلمت بعينيها الزرقاوين، طفطفت رمشوها المعقوفة، عبرت ببلاغة غمازتي تفاحتيها الشديدة النضج، أحدث جمالها ثقبا في أرواحهم، أثارت تلك الجبنة المشربة بالحمرة، كل مسامات الشعور المحصن بالعفاف، توسعت شراهة الرغبات الطيبة والخبثية، التهبت مراجل القلوب المستعرة بالشهوة، تأوهت شفاههم بجمرات التمني...
بدا الإرهاق واضحا على " أبو المكارم " ؛ بيده المرتعشة يتكئ على عصاه لتعينه على المشي . تسكب الشمس ضوءها على وجهه تنفث لهيبا في حين تزحف الترام العجوز على القضبان بعد أن استباح زحام المدينة وقتها فلا هي واقفة ولا هي على قضبانها تسير . تمر من أمامه متهالكة شاحبة فيرى بداخلها بقايا أشباح أنهكها...
لم يكن في الشرفة غير "توبي" جرو صغير، كان نائمًا على الأرض بعدما أرهقته سوسن الصغيرة، ذات الخمس سنوات بكثرة الشد والمد، ظنا منها أنه كدبدوبها تيدي، الذي تحتضنه عندما تخلد الى النوم. وكان توبي مسرفًا في النوم، حتى إن الشمس نثرت أشعتها فوق جسمه، ولم يلقي لها بال، لكن ذبابة مزعجة لا تفقه في الأدب...
هل كان استياء الهذبة ممّا أتاه الإشكيمو حين اعتذر للجماعة عمّا بدر منه علامة دالّة على ما قد يكون بينها وبين الإشكيمو ؟ سؤال سكن في رأس الإشكيمو حين بلغه الأمر، وظلّ يراجع تاريخ علاقته بها فلم يقف على شيء. فالهذبة لا تكاد تمرق من سياج التين الشوكي المحيط بمنزل أبيها من كل ناحية إلاّ قليلا. وإذا...
تغني نجاة "عيون القلب" على شاشة تليفزيون أبيض وأسود، بفستان أبيض نوعا ما أو رمادي. ربما كان ذلك في أواخر الثمانينيات، وبجواري تجلس جدتي، التي لم تتكلم مرة واحدة عن الأغاني والمغنيين، ولا يدخل هذا الكلام في حساباتها، كواحدة من ملايين ضمن أجيال عاشت نهارات وليالي وأعواما طويلة في الغيطان، في...
صبحت هذا اليوم مغبرا بحرارة صيف ملتهب،تقول أمي : الشمس تتغذى على حطب القلوب اليابسة، تأكل ما تتركه النسوة من ركام وشايات يطلقنها كلما اجتمعن عند الفرن للخبيز، الليلة الفائتة تسللت إلى حجرة جدتي الطينية حيث بقايا رماد كان يتلمظ نارا، ولأنها غادرت الدنيا فما عاد أحد يطفيء النار غيري، أوصتني؛ ألا...
الحائط الطيني او السد او الطوفة ليس تراكما من الطين. قبل ان يعبد الشارع ويستبدل القصب والبواري بالطابوق والبلوك , قبل ان تدخل الكيمياويات لتعجل نموالمخضرات وتفقدها نكهتها,لم يكن المذياع الا لغزا والكهرباء حتى حلما ,استدعى ابو ناصر ذلك الشاب المفتول العضلات الرياضي الجسم ليقيم ذلك السد من...
حوارية قال لي: - أنا أعرفك منذ زمن بعيد، بيني وبينك اتصال، تخاطر، رسائلك لم تكتب بالأحرف، ليس لها مفردات، لا تتشكل من الجمل، لكني أعرفك جيدا، رسائلك كلها فيً، في مخزون ذاكرة خاصة، ذاكرة تحاصر الزمان، تحاصر المكان، تقتحم مجهول الأقبية والسراديب والدياجير. قلت: - وأنا أعرفك، ملامحك، كل...
أخذ ضوء النهار ينحسر تدريجيًا، واللّيل يتقدم عليه ببطء. شدت "جميلة" شالها البالي حول كتفيها لاتقاء برد الغرفة، وحاولت تحريك أناملها برفق علّها تُرخي مفاصلها التي تجمدت بفعل البرد. خاطبت نفسها وهي تتنهد: "وحشتيني يا ابنتي". عند منتصفِ الليلِ فتحتْ عينيها، وشعرتْ بالعطشِ. مدتْ يدها إلى كوبِ الماء...
يتحلقون حول قبره، كنمل يطوق قطعة حلوى، يحتشدون بكثرة صباح الخميس والجمعة من كل أسبوع، يرفعون أكفا غضروفية، بدعوات تبللها دموع أعينهم البريئة، يضعون الورد ما بين فترة وأخرى، بلوعة حرى تصطلي أجسادهم الصغيرة، زفرت إحدى الزهور، وقد انزوت خلف شجرة طلح كبيرة، بحسرة تجهش بالبكاء : _ (الله يرهمت يا...
في العاشرة صباحًا، وأنا أعمل بمكتبي، داخل المنزل، أمسكت المحمول أواصل دراسة مشروع يتعلق بعملي على الإنترنت، لفت نظري إعلان عن كتاب عنوانه بدا غريبا ومثيرا " أغارثا"، تجاهلته لكن العنوان ظل عالقًا في رأسي طوال اليوم، فإذا بي أعود لفتح الموقع الذي رأيت إعلان الكتاب عليه مساءً، فوجدت أنه لا يسمح...
على كورنيشِ البحرِ ينظر " عادل " إلى الأفقِ ؛ ربَّما يلمحُ بصيصاً من نورٍ، تتراكمُ السحبُ ، تتزاحمُ الذكرياتُ في مخيلته ، وإذْ فجأةً يخترقُ أسماعه إيقاعُ مقادم حِصانٍ يتهادى في رشاقةٍ يجرُّ عربةَ حنطورِ قادم نحوه في تلك الساعةِ المتأخرةِ م- ن الليلِ ، تحدثه نفسه : • ربَّما النزهةُ بالحنطورِ...
لم يتمالك نفسه وكأنه يكاد يبكي عندما كان يودعني على أول الشارع، عندما كان يقف أمام الفيلا التي أسكنها، أخذ ينظر إلىّ بعيون ملؤها الشوق والمحبة، وكانت النَّظْرَة الأخيرة عندما انحنيت من زاوية الشارع إلى شارع أخر وتواريت عن ناظريه. تريدون أن تعرفوا من الذي يحبني كل هذا الحب؟ إنه أفينجير(المنتقم)...
كانت مشاعره العفوية كثيرا ما تُصيب من حوله بالذهولِ، فيكتفون منها بشيء من السُّخريةِ والتَّندرِ، فكلامه عن تَشاكسه مع عِجليّ النُّورج ، وجدالهما المستمر ، وخصامهما المحتدم ، وصراخ أخشاب المحراث حيِنَ يُقبِّل وجهَ الأرض بأسنانهِ الحِداد هي من قَبيلِ الخَبل. وبمرور الوقت أدركوا أنَّ مَشاعره تَصدر...
أعلى