قصة قصيرة

الرِّجال جــاعوا ! قالتها وهي محنيَّة الخاطر وعلى ظهرها رضيعها ، تُنقِّب في الرّماد على عود يابس أو جمر حي حتى صعدت جبل - أم دِريسَايَة - ذلك الذي كان قبل حين مرتعاً لغنم الحِِلّة وفلاة لجمال كَشومْ اللآئ مَنّ الله عليهن بهمباتَه يحرّرون القيد من أسرهن ليرعوا بهن في قوز باجا ويسقوهن من بئر...
جلست مريم بت الطاهر فى مساءات الخريف اللزجة .. يقودها الحنين الى براح جاف لا يخلو من رائحة طين .. وابتلال عشب ولمسات محيميد السحرية .. اوقدت نارها الخامدة على ذلك المرمى الجاف وتلفحت بملاءتها العتيقة ..فبدت على ضوء القمر .. كعذراء تتلفح فركة قرمصيص خضراء جديدة تنتظر فحولة الليل ليدخل ظلامه...
قرأ المذيع خبراً وأنا منهمك في عملي، لم أسمع منه سوى عبارة (شاحنة ليلية)! دي جافو! أحسستُ، من وقع العبارة، كأنني بددتُ نشوة، أو خُلسة كهروكيمائية تكاد لا يكون لها زُهاء. توقفت عن عملي لأعرف أي الكلمتين كانت مصدر هذه اللمحة السرية العامودية المفاجئة، مستبعداً تماماً إسهام صوت المذيع في هذه...
تمر بالمجتمعات المختلفة عبّر ودروس احيانا يستفاد منها واحيانا لا. احيانا تكون قاسية وماحقة واحيانا تكون هينة ولينة ولكن المجتمعات ، عادة ما تحتاج منه لعقود كي تعي المغزى منها.الشخوص العادية او النمطية تتفاعل وتنتج كيمياء مختلفة الالوان والمذاق. وتصبح قضايا القيّم والاخلاق والحس الوطني والفهم...
تطاولت مدة صمته و سكوته. خاف عليه والده واعتقد الجميع إنه سيقتل نفسه. تزداد حالته سوءاً و يتأكد سكوته عندما يزورهم عمّه عابد محب الدين. كان عابد في الستين لحيته بيضاء و جلبابه قصير و لعمامته عَزَبَة طويلة نسبيا و ربما لم تكن طويلة إنما قِصَر عُنقه و التصاق رأسه المستدير بأعلي ظهره هو ما يعطي...
عادة أعود إلى الداخلية يوم الجمعة بعد أن اقضى عطلة دسمة بمنزل عمتى بحي الصافية ، هذه الأمسية كانت الخرطوم غياظه .. شهر مايو يتجشأ فى سمومه اليومية.. أشعر بالاختناق .. كنت على وشك أن أغادر فستانى ، دخلت حجرتنا المشتركة ومتوقعة عودة زميلاتى .. وجدت منال لوحدها عانقتنى كعادتها وتبادلنا قبلات...
جلس سليمان بجانب سرير ولده المريض ووضع يده علي جبهته الملتهبة بالحمي وبدأ يقرأ بعض الآيات القرآنية، كان ضوء القمر الكامل يضئ الفناء الواسع فيما بدت اشجار النيم الضخمة التي تحيط بالفناء كأنها أشباح ضخمة تبحر في عمق الليل، الهواء المشحون برائحة موسم الدميرة كان يحمل اصوات الصبية الذين يلعبون علي...
أمسيّا يرتعدان برداً ويقتاتان الخوف داخل تلك "القطية" المنعزلة النائية، فى قرية تدخل ضمن شريط القرى الذي يعاني خطر الإنسان أكثر من الحيوان المتوحش ملوال" فى الثانية عشرة و "ميرى" تعيش عامها الثامن، يتيمىّ الأب لمغادرته الحياة بسبب الحرب.. يعيشان تحت ظل أم تكافح لتأمين ما يملأ الجوف ويعين على...
وقف المرشح ـ الرئيس فوق المنصة ، بعيون غائرة في غياهب الذاكرة التي سيستعين بها في لفظ الكلام في هذا اليوم المشهود ، و الذي يحتاج منه كسب أوراقه العديدة التي باتت مصالح متنوعة و كثيرة ... استعان باستنشاق عطره المسجل بماركة باريسية رفيعة و عريقة ، جلبتها له زوجة أخيه الفرنسية هدية ، و حتى يتغلب...
انتصب أمامه بوجهه البولندي لا يطبق حراكا، كان كمن حكم عليه بالإعدام ينتظر إشارة إطلاق النار ليجر في الأخير كجثة نتنة ظلت مطروحة ولم يعرف بها بدء. ودون أن يبدي شيئا، كما لو أن الكلام ضل طريقه إلى الحلق، أرصى يديه الطويلتين المعروفتين حول فصديه الأعجفين ووقف رافعا رأسه إلى فوق مثل جندي يطيع...
بعد أن اختطفتني عنقاء الغربة وحملني جناحاها الأسطوريان وحلقا بي في سموات بعيدة. شرقية وغربية. لعقت شفتيها وقد امتصت رحيق عمري ومن ثم فتحت نافذة زمن الضياع ورمتني منتوف الأعضاء مثلما تسقط الحديا ريش العصفور الصغير. وجدت نفسي أقف أمام باب الدار التي نشأت وترعرعت فيها. دار جدي لأمي محمد ود عوض...
بيدين متشابكتين كان علي و فاطمة يسابقان الريح بين المروج الخضراء تارة و تارة أخرى فوق التلال المترامية تسبقهما ضحكاتهما المتوهجة , و في أحايين كثيرة يهرولان وراء قطيع الماشية لا يملان من الركض و الضحك ، و حين تختفي الشمس معلنة رحيلها يكون تعب اليوم قد سلب كل طاقتهما فيلوذان إلى حجر الجدة...
ترحيب ابتسامة وشبه انحناء، بخطو هادئ تتقدم، بدوره يتقدم النادل أمامها مجانباً يكرر حركاته وابتساماته: مرحبا للا مرحبا، تفضلي... بخطو هادئ تتقدم، ملقية نظرات جانبية في غير اكتراث إلى طاولات الزبائن، ،مطعم رومانسي جميل بألوان وظلال خافتة مريحة، منعرجات صغيرة مصطنعة، موسيقى رخية عذبة بلا مصدر ولا...
منه كان يأتي الضوء، ويُرى الناس والشجر، وتُسمع حركات شتى، منه كان يظهر الظلام وصمت المخلوقات. كان منخفضاً، يكاد يلامس الأرض، وعبره كان يُرى العالم الممتد من ثلاث جهات، عبره كان يُعرف ما يجري داخل الغرفة في الطرف المقابل. عند حلول الظلام، وإضاءتها. دائماً وجِدت يدٌ كانت تفتحه للنظر والسمع عبره...
أعلى