سرد

تأنقت ووضعت آخر لمسات زينتها، ثم جلست على كرسيها الهزاز لتسترخي قليلا وترتشف فنجان البابونج قبل النزول، أغمضت عينيها في غفوة قصيرة، وإذا بها تسمع انفجارا مدويا في المطبخ ليمتد سريعا إلى حجرتها ويلفها بين لهيبه، تشعر بألم الحريق للحظة ثم تغيب في الفراغ، تختنق، تكاد تلفظ أنفاسها، لتنتشلها إفاقة...
سكت هدير القاذفات وتوقف ومض الصواريخ، وألقيتُ السلاح، مثلي مثل الكثيرين، بعد أن اعتادته يدايّ، كما لو أنه صار جزءًا مني، من جسدي، لا من حياتي فحسب، في المرة الأخيرة التي ركبت قطار العودة إلى بغداد شعرت أني سأحتاج إلى سنوات، أو حتى عقود، كي أستطيع نسيان اهتزاز كل عربة أقلتني من وإلى جبهات القتال،...
عندما التقيت بيحيي الطاهر عبد الله لأول مرة ــ وكان ذلك في أواخر الستينات، ولعلي لم ألقه بعدها إلا مرة أخرى أو مرتين ــ عرفني بنفسه قائلاً : (( يحيي الطاهر عبد الله ــ كاتب قصة قصيرة )) . كان هذا التعبير على إيجازه كافيا للدلالة علي مدي إخلاص هذا الفتى النحيل الأسمر لفن الكتابة. وبعد قليل...
على بُعدٍ تحومُ عصافير الحقل كالغَمام ، تملأ الجو بأصواتها المُرتعشة ،تحَملُ في أرجلها كسارة القَشِّ ، تستعد لتهيئة أعشاشها الجديدة، بعد دأبٍ مُجهد ستستقبل هذه الأكنان زقزقة الصِّغار ، تُغرق شقوق الجدران، وشواشي الصفصاف ، وبين عراجين البلح. كَانَ المصَرفُ الصَّغير على قَذارتهِ ، الأُنس الذي...
لن يهلمك شيء، الموت للبرود الذهني. الموت للحشرات التي تداهمني كلما فتحت باب التابوت لتقلق منامي وتقرفني ساعة الأكل بشكلها البشع. إن الحشرات السريعة أقل إقرافاً من تلك التي تزحف ببطء في الأرض وتحرك سيقانها السوداء الرفيعة للإمام والخلف كمجداف المراكب. ولقد حاولت باستمرار طردها من تابوتي، قاومتها...
اقاوم سحره فيصيبني بالادمان..هو مخلد الذكريات والمشاهد..اول شيء يذكرني به طلوع الصبح..حافظ وثائقي..يلاحقني بالطلبات المرسلة عائليا ..توترني فيه الصباحيات الفارغة فاعتصم بموهبة المسح..لكنه مآزر فعال..فقد منحني ميزة الدليت..فصار الغاء المزعجين وطمرهم للابد اسهل من شرب ماء..لم اعد احمل قربتي...
كلما تقدم عبد السلام في العمر أصبح أكثر رغبة في ممارسة الجنس. اكتشف بأن زوجته عندما تجاوزت سن الستين بدأت هذه الرغبة تموت عندها. وأصبحت أكثر تمنعا من نساء صقلية. ليميل بها إلى الفراش عليه أن يُخرج الجمل من سُمّ الإبرة.. يخرجان ويتجولان في الشارع العام.. يجلسان في المقهى.. يتناولان العشاء في...
عند خروجي كل صباح أحمل معي أكياس القمامة ، أرميها في برميل القمامة في الشارع الرئيسي . حين رميت القمامة ذلك الصباح الباكر لمحت كرتونة متوسطة الحجم ، قلت لنفسي : ربما فيها قمامة لكن صاحبها لم يرمها داخل الصندوق ، خطوت عدة خطوات ثم سمعت صراخ طفل ، تجمدت في مكاني للحظة وأنا غير مصدق ما سمعته ، عدت...
أرجو عدم مقاطعتي.. لأنني لن أكرر كلامي. فالتكرار يضعف العمل الأدبي.. أولاً: أنا معترف. ثانياً: أنا بريء. والعلي القدير بما أقول عليم وشهيد..أنا أديب متمكن وقصاص بارع. الجميع يعترفون بمقدرتي الأدبية، عبقريتي القصصية. لدرجة أن أحد كبار النقاد كتب عني: ـ (إن كل نقطة حبر فى العالم. تتمنى أن توضع في...
نحن نسكن في قرية صغيرة، بحجم ملعب كرة القدم، بيوتنا عبارة عن غرفة نوم واحدة، نطبخ ونأكل وننام فيها، وغرفة صغيرة آخرى عبارة عن حمام. ذات حصار شرس، حاصرتنا به قرى عظمى، بسبب رعونة وغباء شيخ القرية، صار من الصعب، أن نعيش كعوائل من دون الاعتماد على بعضنا البعض. ولكن كيف؟ السؤال بسيط، حيث قام أحدنا...
حب مضحك. لقد قدمت لها زهوراً. فنظرت إليها لمدة طويلة وكأنها لا تصدق، ولكن بسخط غامض. لقد انتهى كل شيء. تلك اللحظة التي كانت مكثفة جداً في عقلي، تحللت، ثم تبخرت، ثم تبددت. كان الفجر رمادياً كعادته منذ مليارات السنين. ربما أقل من ذلك أو أكثر، لست متأكداً. وكان طعم القهوة محيقاً. طعم القهوة أساء...
(3) فاح في المكان رائحة الزيت والطحين ورائحة صابون وكالة الغوث . أعدت أم سالم أكياس الطحين الفارغة لتملأ بها الطحين والأرز والسكر ، ولم تنس أن تجهز وعاء الزيت والخبوط والإبرة كي تحيك فوهات الأكياس ولا تخضع لابتزازات شهدية النورية ، التي تحيك كل كيس بصحن طحين كاملا غير منقوص ثم تبيع ما تجمعه من...
"ناصر زميل من بورسعيد مجند معنا في مركز التدريب الذي يقبع على تخوم القاهرة ،لا شئء يميز ناصر عن سواه من الآلاف التي على قوة المركز من أفراده المجندين، فلا تبدو عليه أي ملامح غير عادية ، غير أنه شخص متوسط الذكاء ويعشق تناول سندوتشات البيض بالسطرمة ،ولا يستطيع في أحياناً كثيرة التعبير عن نفسه...
تركض بخفة ريشة… تدوس على حشائش السافانا الكثيفة، تنشر شذى عطر الورد التي كانت تصنعه ببراعة، وذاع صيتها به، تتلفت خائفة من المباغتة، هو خلفها يقتفي الرائحة …لم تراه كان يواري ظله وراء الشجر…غير أنه عجز من إخفاء وقع حافر حصانه الذي سابقه اللهفة في لقائها، وكيف لا يشتاق وهو الذي ترعرع على أيديها...
قبل انتشار الصحف والمجلات الإلكترونية منذ ربع قرن تقريبا دارت أحداث هذه (القصة الحقيقية) ، حيث في صباح أحد الأيام شعر حامد الذي هو في العقد الثالث من عمره، شعر بالضيق فخرج من سكنه بالمدينة التي انتقل إليها من قريته؛ نظرا لطبيعة عمله الجديد ؛حتى يكون قريبًا من مقر العمل ؛خرج لشراء بعض الصحف...
أعلى