سرد

كان النهار يحتضر، والغيوم المنخفضة التحفت السهول والوديان، وجعلت من البحر رماديا، ووسعت المسافة بينها وبين السماء، فحظي جسد الطائرات بدفء الشمس الساطعة. كانت المدينة ترزح تحت ضباب كثيف، ولم تكن الشمس قد انبلجت بعد. الخريف غزا الفصول و شرع في تعرية الأشجار من الأوراق الواهنة، التي تكدست في...
في جو صيفي خانق، أواصل سيري عبر الشوارع ذهابا، و عودة، متفحصا وجوه المارة، و ما طبع عليها من علامات الأسى و العبوس. لا أحد يضحك في تلك المدينة؛ لقد دفعتني كثرة ما رأيت من الوجوه المكتسية بحزنها المستدام إلى إصدار هذا الحكم القاطع، حتى السيارات، التي تمرق على يساري لآلات تنبيهها من الحزن نصيب؛...
أيقظتني زوجتي من القيلولة بعنوةٍ، لاحظتُ على وجهها غيوماً تريد أن ترعد ، قالت " أنهض فوراً، هناك امرأة على الباب تريدك " فزعتُ ، نهضتُ بسرعةٍ، بحثتُ في الغرفة عن شيءٍ يسترني، فألتقطتُ بيجامتي المرمية على الارض بجانب السرير ، ذهبتُ الى باب الشقة، كانت المرأةُ واقفةً في الباحة ، تبدو في الأربعين...
جلس أمام منزله الريفي المبنى بالطوب اللبن والطين، أفنى عمره في بنائه على مساحة أربعة قراريط، عدد غرفه عشرة، مسقوفة بالخشب والغاب, يتوسطها صحن الدار الفسيح كمضيفة كبيرة لاستقبال الضيوف، تراصت على أركانها الدكك الخشبية مفروشة بالحصير، بعد صحن الدار للداخل توجد غرفة غير مسقوفة, يتوسطها فرن الخبيز...
كانت المحجوزات في مجملها أوراقا عدى جهاز كومبيوتر وهاتف محمول. أما الكومبيوتر فقد تولّى أحد رجال المباحث فكّ شفراته واطلع على جميع الملفات المخزّنة فيه فلم يعثر فيها على شيء ذا بال، إذ كانت ملفات كلها عبارة عن جداول إحصائيّة وكشوفات وبيانات عمّا كان عبد الله ينقله في شاحنته كل صباح. أرقام ورموز...
تنفس عبده سعيد الصعداء ومسح عرقه فقد أكمل مع أولاده حفر السرداب من منزله إلى قبة الولي . ورغم خلو المكان من السكان في رأس الجبل والمنزل الوحيد المجاور هو منزله إلا أنه أحتاط كثيراً ، منذ أشهر وهو لا يبدأ الحفر الا أثناء الليل ، وجه أولاده بالكتمان الشديد ، ووعدهم بحصة مجزية من أموال النذور التي...
في ذلك الكوخ البسيط على مقربة من مصب القمامة الغربي لاحت لي كتلة متحركة بثبات، اقتربت استرق النظر بفضول، ابتسمتُ بدمع حارق، ماكانت الكتلة عبثا إنها لعجوز شبه مقعدة تحاول الاعتناء بدجاجة ترقد على بيض مرصوف في وعاء قصديري مكوم بالقش، كانت تغني لها أغنية شعبية نرددها في أعراسنا التقليدية، بصوت شجي...
نسي الناس إذن دهشتهم الأولى وها هم اليوم في دهشة أخرى حين رأوا عبد الله يفقد عقله ويقطع نهج يوغرطة الطويل الضيق عاريا تماما ويقول كلاما تختلط فيه البذاءة بنتف من أشعار الشعراء وآيات القرآن الكريم. رأوا ذلك منه في آخر أيام الشتاء وأول أيام الربيع فلم يصدقوا عيونهم وآذانهم. قال الشيخ البوني صاحب...
عمّ الهرج والمرج البيت الكبير في البادية، وأنا أنقل لهم خبر اختفاء الخروف الأبيض في عز لهيب الصيف. التفت عمي سائلا : أين كنتم..؟ ومن كان يرعاهم أيها البغال..؟ قلت مسرعا إنه دور أخي (سعيد) اليوم. أمامنا كان أبي صامتا، لكنه يخفي غضبه أمام أخيه الكبير، يجرّ دراجته النارية الصفراء خارج البيت قائلا...
المشهد كان داميا ومُركَّبا وتتصاعد فيه الأصوات والصرخات، وأسفل منصة المسرح؛ الذي كان منعزلا بفاصل من الزجاج، كان واقفا ضاما ذراعيه، محتضنا صدره وذاته، وقف صامتا وابتسامة لا تنم عن معنى محدد تفترش وجهه؛ ضمة الذراعين هذه لها من المعاني الكثير: هل كانت غضبا؟ هل كانت تأملا؟ أم كانت صبرا وانتظارا لرد...
أعجب الأمير ، بحسن وجمال " مليحة " زوجة السماك التي تعمل معه على تنظيف بطون السمك ، كانت المراة الجميلة تجلس حول " طست " من الفافون، فاتحة فخذيها حوله، وبالكاد تستر دشداشتها فخذيها البيضاوين ، كان الامير يتمشى مع حمايته وندمانه يتفقد الاسواق ، ولما نظر باتجاه بائعي السمك ، هاله ما رأى من صورة...
كنت أعمل وأنا صغير مع الصبية زملاء الدراسة أثناء أجازة الصيف المدرسية فى ورش دمياط وكان أكثرنا يأخذ معه رغيف أو أكثر من أجل تناول وجبة الغداء بعد أن يشترى غموسا له والذى لا يخرج غالبا عن مغرفة فول مدمس من القدرة تغرق الرغيف. لنتعامل معه بعد ذلك بصعوبة وحرفية شديدة تمليها غريزة الجوع.. بعد...
كان الرجل يعبر الساحة ببطء، حاملا ألته الموسيقية العتيقة، كأنه سندباد يطوف العالم مشيا على الأقدام، ترخي الأرض أديمها لدبيبه الواهن. كنت أراه شخصا وحيدا، يمضي في الضياء، حتى اقترب من مكاني، ووقف صامتا، ينظر إلى وأنا أجذب أنفاس النارجيلة، قبل أن يلتقط "الربابة" ويرتجل كلمات بلا مثيل: أناشيد،...
ومما أثار الدهشة في الضاحية الغربية كلها أن عبد الله هذا قد تجاوز بعصبيته الطارئة حدود الأدب في ضاحية شعبية مشهورة بنزعتها التقليدية، فشبانها كانوا إذا أرادوا شيئا من العبث واللهو يقطعون مسافة الكيلومترين تقريبا ليصلوا إلى وسط المدينة حيث تنتشر الحانات أو أنهم يلوذون بالجبل الغربي الفاصل بين...
واحد، اثنان، ثلاثة، ...، سبعة، ...، عشرين، ... هذا البرج لم يمر وقت طويل عليه حتى ارتفع ليصل إلى أكثر من عشرين طابقا، إسمنت ورمل وحصى، استطالت كما علبة طويلة ذات مساحات يسجن بداخلها أثرياء يطلون على نهر النيل؛ يشاهدونه من أعلى في استعلاء من تفوق عليه وتملكه بل وصار ينظر إليه من السماء. واحد،...
أعلى